يعد كتاب مصر ورسالتها للدكتور حسين مؤنس من أوائل الكتب التي تناولت الشخصية المصرية ودورها في الحضارة العالمية؛ حيث صدرت النسخة الأولى عام 1955، وهذا يحسب له؛ لأن موسوعة مفكر مصر الإستراتيجي جمال حمدان "شخصية مصر" تعد علامة فارقة في تاريخ كل ما كتب عن الشخصية المصرية بوجه عام؛ لأن معظم ما كتب عن الشخصية المصرية بعد جمال حمدان أخذ الكثير من حمدان، وتأثر بفكره، وهذا شيء طبيعي؛ لأن جمال حمدان لم يصنع الشخصية المصرية أو الجغرافيا الطبيعية لمصر، بل هو ببصيرته وعلمه الموسوعي أفضل من رأى جغرافية مصر على حقيقتها، وأفضل من شرحها بالأسانيد التاريخية والعلمية بشكل علمي دقيق، ونقل كل ذلك ببساطة في موسوعته الخالدة شخصية مصر، وبالتالي لا يمكن لأي عالم بعده تجاهل هذه الصورة الدقيقة والعلمية عند الحديث عن شخصية مصر وأمنها القومي، فحمدان هو من أنطق الحجر والجبال والأنهار في مصر، وباحت له باحتياجاتها ومستلزمات أمنها القومي اليوم والغد؛ لأن الجغرافيا هي أم الحقائق، والتي يؤيدها تاريخ آلاف السنوات هي عمر حضارة مصر أم الدنيا بحق.
ولذلك يحسب للدكتور حسين مؤنس ولكتابه "مصر ورسالتها" أنه جاء مبكرًا وقبل الاكتشاف الكبير لمفكر مصر الكبير جمال حمدان بموسوعته الخالدة شخصية مصر.
ونبدأ بفكرة مختصرة عن الدكتور حسين مؤنس، ولد عام 1911 بمدينة السويس، والتحق بقسم التاريخ بكلية الآداب وتخرج عام 1934 بتفوق سمح له باستكمال دراساته العليا، فحصل على درجة الماجستير عام 1937 برسالته عن فتح العرب للأندلس، ثم حصل على الدكتوراه عام 1943 من جامعة زيورخ بسويسرا، وعين مدرسًا بكلية الآداب قسم التاريخ، وترقى بها حتى حصل على درجة أستاذ في التاريخ الإسلامي عام 1954، وله العديد من المؤلفات منها كتاب "الشرق الإسلامي في العصر الحديث"، وكتاب "تاريخ قريش"، وكتب: (تاريخ الإسلام -الحضارة -فجر الأندلس-الإسلام حضارة-أطلس تاريخ الإسلام-المساجد- عصر الفتوات.. وغيرها)؛ حيث ألف نحو 50 كتابًا في مسيرته العلمية، فضلًا عن دوره وجهوده في الترجمة وإنشاء مشروع الألف كتاب، وإنشاء عدد من المراكز الثقافية خارج مصر من خلال دوره في مصلحة الاستعلامات في الخمسينيات والستينيات.
وبرغم أن تخصصه التاريخ إلا أنه دائمًا ما يتناول أثر الجغرافيا والطبيعة على الإنسان والأوطان، وبدون مبالغة فهو لا يعترف بتميز جنس أو سلالة بشرية معينة؛ لأن هذا تزييف للحقائق التاريخية فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وأن التفاعل الحضاري مستمر برغم وجود صراع بين الحضارات.
فمثلًا موسيقى الجاز هي موسيقى إفريقية انتقلت إلى أمريكا، ثم انتشرت منها بعد ذلك للعالم، واليوجا نشأت في الصين ثم انتقلت عن طريق الهند للعالم.
وبالنسبة لكتابه "مصر ورسالتها - دراسة في خصائص مصر ومقومات تاريخها الحضاري ورسالتها في الوجود"، يتناول الكاتب في رسالة حب كتبها عاشق لهذه الأرض وتاريخها بأسلوب علمي مبسط يصل لكافة المستويات عن هذا البلد الأمين؛ الذي جاء ذكره كثيرًا وبكل خير في كل الكتب والرسالات السماوية؛ فهي أرض الكنانة التي تجلى فيها الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى "عليه السلام" وتكلم بها؛ ففي البدء كانت مصر قبل التاريخ ولدت، وفى أهم مكان كان موقعها الذي اختاره المولى الكريم، وأهل مصر هم من صنعوا وصدروا الحضارة للعالم، وعلموا الدنيا الزراعة والكتابة ومن هنا بدأ التاريخ، وفى مصر ظهرت ماعت رمز العدالة بالميزان، ومنها انتقلت لكافة المحاكم كخلفية للعدل، ومنها خير جند الأرض.
ومن هنا يصبح الحديث عن مصر ورسالتها قضية مهمة لتشخيص وتحديد مكونات هذه الشخصية، والدور التاريخي لمصر منذ فجر التاريخ وقبل الإسلام وبعده، واستجلاء لدورها المستقبلي في ضوء حقائق الجغرافيا والتاريخ والماضي والحاضر؛ لأن المستقبل ينسج خيوطه منهما، ومن هنا أهمية هذا الكتاب خاصة في الفترات التي تختلط فيها الحقائق بغيرها من زيف.
ولذلك نعرض ملخصًا لأحدث نسخة من هذا الكتاب قدمها الكاتب في أواخر السبعينيات؛ حيث في هذه الفترة تحديدًا اختلط الحديث عن الدور الخارجي ومدى أهميته لمصر ما بين الكمون والتوسع الخارجي.
الكتاب يضم ستة فصول في 160 صفحة سوف يتم عرض لأهم مضامينه في الأسابيع المقبلة بمشيئة الله تعالى