تنعقد اليوم بالعاصمة الألمانية قمة بشأن ليبيا والأزمة المستمرة فيها منذ 8 سنوات، والمستعصية على الحل بفعل فاعل والفاعل مجهول حتى الآن..
وهو ما يُعيدنا إلى عام 1884 عندما اجتمعت الدول الاستعمارية بدعوة من بسمارك من أجل توزيع التورتة أو اقتسام الغنيمة أو توزيع إفريقيا بين الدول الاستعمارية، وما أشبه الليلة بالبارحة فعلًا فها هي الدول العربية تتشرذم، والميليشيات تتقاتل في شبه حروب أهلية تٌغذيها وتشارك فيها قوات مٌرتزقة وقوات مدعومة من دول في الإقليم (تركيا وقطر وإيران)، ولا تخفي وجهها في عدة دول عربية وهي العراق وسوريا وليبيا واليمن.
وباقي الدول العربية تسعى جاهدة للحفاظ على مؤسساتها الوطنية والدفاع عن أمنها القومي وتخوض حربًا ضد الإرهاب..
وبرغم اعتراف الأمم المتحدة بحكومة ما يٌسمى بالوفاق إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت الحياد في الصراع العسكري الدائر بين الجيش الوطني الليبي أو معركة الكرامة لتحرير العاصمة طرابلس من حٌكم الميليشيات المدعوم من تركيا وقطر.
والغريب العجيب أن يطلب السراج الدعم الأمني والعسكري من أردوغان الخليفة المزعوم، ويوقع معه مُذكرة تعاون عسكري، وأخرى لتحديد مناطق السيادة البحرية في مخالفة صارخة، وهو ما عارضه المجتمع الدولي وسارع عدد من العواصم الأوروبية وموسكو أيضًا إلى معارضة الاتفاق بشدة.
وبلغ الأمر بالأوروبيين حدّ إصدار قرارٍ بفرض عقوبات على أنقرة خلال قمتهم الأخيرة في بروكسل..
الغريب يا سادة هو أن تتوحد مواقف أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتٌعارض في العلن التدخل الأردوغاني في الشأن الليبي..
وحسب تصريحات الخارجية الأمريكية، فإن وزير الخارجية مايك بومبيو سيتوجه إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر ليبيا والعمل على تعزيز وقف إطلاق النار الهش، والضغط على القوى الخارجية للانسحاب من الصراع.
وحسب بيان الخارجية الأمريكية ستكون أولوية بومبيو تثبيت الهدنة بين الأطراف المتنازعة في ليبيا والمحافظة على استمرار وقف إطلاق النار.. والدعوة إلى استئناف عملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة..
ويبقى السؤال هل سينجح مؤتمر برلين فيما فشل فيه مؤتمر باليرمو ومؤتمرات أخرى سبقته؛ سواء في باريس أو في موسكو أو في الصخيرات؟!
هل ستنجح محاولات تجنب فشل مؤتمر برلين - برغم غياب رؤية موحدة للاتحاد الأوروبي - سواء تجاه الوضع في ليبيا أو غيرها من تضارب المصالح الاقتصادية بين فرنسا وإيطاليا وفشل مؤتمر موسكو، وتدخل تركيا سياسيًا وعسكريًا في الملف الليبي، وعدم تقارب موازين القوى القائمة على الأرض بين الأطراف المتصارعة في ليبيا؛ فإن احتمالات نجاح مؤتمر برلين تبدو محدودة للغاية، وحتى لو تمت إعادة الالتزام بوقف إطلاق النار، فإن ضمان استدامته يتطلب وجود آلية دولية محايدة قائمة على الأرض؛ لضمان تثبيته والتعامل مع الخروقات التي قد تحدث إذ تبدو المبادرة الإيطالية لإرسال بعثة مراقبة من الاتحاد الأوربي غير قابلة للتطبيق.
أما بالنسبة لإرسال قوات حفظ سلام للأمم المتحدة، فإن ذلك يستلزم استصدار قرار من مجلس الأمن؛ أخذًا في الاعتبار أن إرسال قوات لحفظ السلام تتم عادة في حالة صراعات بين الدول، وليس فيما يتعلق بنزاعات مسلحة بين أطراف متصارعة داخل دولة واحدة، يصعب معها تحديد أماكن تمركز تلك القوات لتداخل خطوط التماس بين الأطراف المتصارعة، كما أن الحكم على نتائج العديد من المؤتمرات الدولية لا يتوقف على مجرد تقييم الوثائق الختامية التي ستصدر عنها، وبراعة صياغة فقراتها، إذ يرتبط الأمر بمدى توافر الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ تلك النتائج، وأيضًا بالجوانب المالية المطلوب توفيرها، ففي الحالة الليبية لا يكفي إعادة تأكيد الالتزام بحظر تصدير الأسلحة للأطراف المتنازعة، في ظل وجود قرار صادر من مجلس الأمن في هذا الشأن - معروف من ينتهكه - والأمر يمتد إلى كيفية تحديد المشاركة في توزيع عوائد تصدير البترول والغاز، في ظل السيطرة القائمة على ما يطلق عليه "الهلال النفطي" في ليبيا، ومقتضيات تفكيك الميليشيات الإرهابية من المرتزقة والإخوان المسلمين وتسليم أسلحتها.
ويبدو واضحًا أن الأطراف الغربية التي تسببت في انهيار الأوضاع في ليبيا إلى هذا الحد لا تمتلك تصورات واقعية قابلة للتنفيذ لمعالجة الأضرار القائمة التي انعكست في النهاية على مصالحهم، وأيضًا على أمنهم القومي.. إذا صلحت النوايا من الأطراف الليبية، وطبقوا المقولة الشهيرة للملك السنوسي - رحمه الله - عندما قال: حتحات على ما فات.. وتم نزع أسلحة الميليشيات ودمجهم في الجيش الوطني الليبي، فإن الأوضاع في ليبيا ستستقر وتعود ليبيا موحدة ومستقرة خلال شهر واحد.. وهو ما نتمناه في مصر على المستويين الشعبي والرسمي والله المستعان..