راديو الاهرام

المصريون على موعد مع التاريخ

1-1-2020 | 18:54

على مشارف أهرامات الجيزة، وهي العجيبة الوحيدة من عجائب الدنيا السبع التي مازالت شامخة شاهقة، دون أن تتأثر بعوامل التعرية عبر الزمن، يقع المتحف المصري الكبير الذي بدأ العمل فيه منذ عام 2005، ويفتح أبوابه للزوار هذا العام، ومن المتوقع أن يستقطب 5 ملايين زائر سنويًا، وسيكون أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، بالإضافة إلى أنه أكبر مشروع ثقافي بالقرن الـ 21.

صاحب فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير هو وزير الثقافة الأسبق الفنان الكبير فاروق حسنى، وكان ذلك خلال زيارة لباريس عام 2002، حينما استفزه أحد المسئولين الثقافيين الإيطاليين، عندما وصف المتحف المصري بالتحرير بـ(المخزن)، فرد فاروق حسنى قائلا: «إننا نقيم الآن أكبر متحف في التاريخ»! ولم تكن الفكرة قائمة حتى تاريخه، وعندما سأله هذا المسئول عن مكان إقامة المتحف فقال له في منطقة الأهرامات، وحين عاد إلى القاهرة ذهب إلى المكان وفكر بالفعل، وبدأت مسيرة إنشاء المتحف.

بدأت أولى الخطوات التنفيذية حينذاك عام 2002 عن طريق مسابقة لوضع تصور معماري بمشاركة 157 مكتبًا استشاريًا من 77 دولة، وقد تم تصميم واجهة المتحف المصري الكبير على شكل مثلثات، كل منها تنقسم إلى مثلثات أصغر في إطار رمزي للأهرامات، وذلك طبقًا لنظرية رياضية لعالم بولندي تتحدث عن التقسيم اللانهائي لشكل المثلث، وتقدر تكلفة بناء المتحف بـ 550 مليون دولار، منها 100 مليون تمويلا ذاتيًا من وزارة الآثار المصرية، والباقي بواقع 300 مليون دولار قرضًا ميسرًا من منظمة (الجايكا) اليابانية، بالإضافة إلى 150 مليون دولار من التبرعات والمُساهمات المحلية والدولية.

تم تصميم المتحف ليكون مبهرًا لكل من يقف أمامه أو يراه من السماء، فعند الوقوف أمامه يمكن رؤية الأهرامات فهو لا يحجب الرؤية، وإذا تم النظر إليه من الأعلى سترى أنه الهرم الرابع، وأول ضلع على استقامته يصل للهرم الأكبر، ومنتصف المبنى على استقامته يصل للهرم الأوسط، أما الضلع الآخر فيصل للهرم الأصغر، وهي فكرة معمارية جديدة وعبقرية بالطبع، فمن خلالها تم إيصال الأهرامات الثلاثة ببعض، وكل دور من أدوار هذا المتحف سيكون أصغر من الذي يليه.

ويقام المتحف المصري الكبير على مساحة نحو 500 ألف متر مربع، نحو 117 فدانًا، ويسع لعرض 100 ألف قطعة أثرية تمثل حضارة مصر منذ ما قبل التاريخ وحتى العصرين اليوناني والروماني في مساحة 92 ألف متر مربع، ويضم مركزًا للمؤتمرات، وآخر للخدمات التجارية والترفيهية، ومركزًا للترميم، وحديقة متحفية تزرع بها الأشجار التي كانت معروفة عند المصري القديم، ومن المتوقع أن يستمر الافتتاح عدة أيام وفقًا لتصريح الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار، وسيتم دعوة عدد من الرؤساء والملوك من مختلف دول العالم، ليكون أهم افتتاح تشهده منطقة الشرق الأوسط في تاريخها الحديث.

وافتتاح المتحف المصري الكبير، هو الحدث الأثري والثقافي الأبرز في تاريخ مصر الحديث أيضًا، فهو يضم أهم وأعرق وأكبر قطع أثرية في التاريخ، وسيكون بطل هذا المتحف توت عنخ آمون، حيث عثر داخل مقبرته على أكثر من 5 آلاف قطعة ذهبية، وتقع قاعة توت عنخ آمون وحدها على مساحة 7500 متر مربع.

وقد تم نقل 48 ألف قطعة أثرية إلى المتحف، تم ترميم 44 ألف قطعة منها، ويضم البهو العظيم 4 قطع فقط، منها الملك رمسيس الثاني، وقدم عالم المصريات الدكتور زاهي حواس هدية للمتحف عبارة عن الكتالوج الخاص بقاعة الملك توت عنخ آمون، والذي عكف على عمله والانتهاء منه خلال فترة امتدت لأكثر من ستة أشهر، كما ألف أيضًا أوبرا خاصة بالملك الذهبي البطل المتوج بالمتحف، تتناول حياة الملك توت عنخ آمون المليئة بالأحداث الدرامية المثيرة، بالتعاون مع الكاتب الإيطالي الشهير فرانشيسكو سانتوكونو، والموسيقار الإيطالي زامبوني، وتعتبر هذه الأوبرا هدية مصر للعالم يوم الافتتاح.

وقد عرفت مصر المتاحف منذ عهد الفراعنة، وربما كان أول متحف للتراث الحضاري أقامه البشر، هو هرم خوفو بما يتضمنه من آثار معمارية وفكرية وعقائدية وأسرار للحياة ؛ حيث إن الهرم الأكبر لم يكن مجرد مقبرة لدفن الفرعون، ولكنه كان أيضًا متحفًا يضم أهم ما توصل إليه الإنسان في ذلك الوقت من معلومات.

أيضًا ابتكر المصريون القدماء متاحف لا يراها الناس في زمنهم، وهي مقابرهم المنحوتة في عمق الصخر، والتي تعد من المزارات السياحية الشهيرة حاليًا، كما ابتكروا أيضًا متاحف مدفونة في ساحات معابدهم، وهو ما يطلق عليه «الخبيئة»، والتي تضم عشرات التماثيل الزائدة على حاجة معابدهم، وتعتبر مقبرة «توت عنخ آمون»، التي اكتشفت كاملة، من أندر وأروع القطع ومن أشهر المتاحف القديمة.

وقد كانت فترة القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هي العصر الذهبي لإنشاء المتاحف في مصر، ففي عام 1835م تم بناء أول متحف في منطقة الأزبكية، ثم نقل إلى قلعة صلاح الدين، ثم أهداه الخديو عباس إلى ولي عهد النمسا عام 1855م، وفي عام 1858م تم إقامة متحف آخر صغير على شاطئ النيل ببولاق، ونقل إلى الجيزة عام 1891م، ويعد المتحف المصري بالتحرير، الذي افتتح في 15 نوفمبر 1902، أقدم مبنى صمم وبني ليكون متحفًا للآثار في العالم.

وقد توالى بناء المتاحف بأنواعها المختلفة في مصر بعد ذلك، كما كانت هناك تجربة مصرية تعليمية رائدة للمتحف المصري، عندما نجح أحمد كمال باشا في إقناع عالم الآثار ماسبيرو ومجلس نظار المتحف بافتتاح مدرسة لتعليم أبناء المصريين اللغة القديمة والفن والتاريخ والآثار واللغة الفرنسية، والتي افتتحت في فبراير عام 1982.

لاشك أن المقياس الحضاري لتقدم الدول هو عدد متاحفها ونوعيتها، ومصر تزخر بجميع أنواع المتاحف في كل محافظاتها والتي تشكل ثروة قومية، وتعد مدينة الأقصر متحفًا مفتوحًا يضم ثلث آثار مصر، كما تعد محافظة الجيزة من أكبر محافظات العالم في عدد المتاحف وتنوعها؛ حيث تضم 23 متحفًا ..

بهذه المناسبة تتقدم «ديـوان الأهرام» بالتهنئة إلى مصر والعالم، وتتقدم أيضًا بالشكر إلى كل من ساهموا في خروج المتحف إلى النور، ذلك أنه بعد طول انتظار، يقدم مصر الحديثة إلى العالم على النحو الذي يليق بها.

كاتبة المقال:

رئيسة تحرير مجلة "ديوان الأهرام"

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
زينب عبدالرزّاق تكتب: رؤية مصرية لمكتبة الإسكندرية

في نهاية العام السابق عقدت مكتبة الإسكندرية لقاءً فكريًا بعنوان عام 2022.. رؤية مصرية برئاسة الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية بحضور لفيف من رجال الفكر والسياسة

زينب عبدالرزّاق تكتب: نجيبان مصريان .. الطبيب العالمي والأديب العالمي

فى شهر ديسمبر عام 1911، كان القدر قد رتــّـب لمصر مفاجأة سارة، وهى مولد أديبنا الكبير نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911- 30 أغسطس 2006)

السوبرانو لنا بن حليم

فازت السوبرانو الطالبة المصرية (لنا بن حليم) بالجائزة الأولى في مسابقة Young Musicians of the Gulf 2021، "الموسيقيون الشباب من الخليج" الملتحقين بالمدارس

الأكثر قراءة
خدمــــات
مواقيت الصلاة
اسعار العملات
درجات الحرارة