تابعت كغيري بشغف مسلسل "ممالك النار"؛ والذي تدور أحداثه في 14 حلقة فقط، ينتاول المؤلف مـن خلالـه كيفيـة دخـول الأتـراك "آل عثمان" إلـى مصـر واحتـلالها- الصـراع الممـلوكي العثمـاني- وخيانـة الممـاليك للسلطـان "قانصـوه الغـوري" ومـن بعـده "السلطان الأشرف طومان باي".
ولكن منذ الحلقة الأولى للمسلسل وجدت قفزًا سريعًا للفترات التاريخية في هذا الوقت، ولم يتوقف هذا الأمر عند ذلك؛ بل هناك خطايا تاريخية ومغالطات في الأحداث؛ مما يشكل عبثًا في الأحداث التاريخية، على الرغم الأداء الجيد للممثلين والمخرج، وكذلك الإنتاج الضخم والتصوير الرائع للمسلسل، لكن أظن أن المؤلف لم يجتهد في البحث والقراءة عن تلك الحقبة المهمة والفارقة في تاريخ مصر، فهو رسخّ خطايا تاريخية في أذهان المشاهدين الذين لم يطلعوا على هذه الأحدث في تلك الفترة.
وهنا نتعرض لأزمة كبيرة يواجهها هؤلاء الذين يسردون التاريخ ويحكمون عليه؛ ولا أدري كيف يسعى البعض لتحسين صورة سلاطين الدولة العثمانية، على الرغم من أن هناك شهودًا ممن عاصروا هذه الفترة؛ ويأتي على رأسهم المؤرخ المصري زين العابدين محمد بن أحمد المعروف بـ "بن إياس الحنفي"، والذي يعد من أهم المؤرخين الذين أرّخوا للعصر المملوكي، ولاسيما في الفترة الأخيرة منه، وقد استعرض في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" أن السلطان سليم لا يعرف ملة ولا دينًا، وكان رجال جيشه لا يترددون في اقتحام المساجد لقتل المماليك الذين احتموا بها، وقطعوا رءوسهم وألقوا بجثثهم من فوق المنابر.
ونجد أن المسلسل قد جسد بالفعل، دموية سلاطين الدولة العثمانية، والتي سعت لاحتلال الدول العربية، وامتصاص خيرها وكنوزها، وهي الحقيقة التي لا ينكرها سوى الأتراك وحدهم، ومما لاشك فيه عدم وجود أية مبالغة في المشاهد الدموية التي شاهدنها في أحداث المسلسل، والوقائع التاريخية تؤكد قتل السلطان لإخوته؛ لمنع الفتن والاستيلاء على العرش، هذا بالإضافة إلى أن هناك مجموعة من الحقائق لا يمكن إنكارها؛ منها أن نهاية العلاقة بين العثمانيين والعرب كانت نهاية دموية للغاية، تعكس العلاقة الحقيقية بين الجانبين.
وجاءت الحلقة الأخيرة من المسلسل لترسم نهاية خاطئة للسلطان الأشرف "طومان باي"، فالسلطان الأشرف لم يسلم نفسه طواعية فحسب؛ بل خانه وسلمه حسن بن مرعي، وظل سجينًا حتى ساقوه إلى باب زويلة، وإُعدم شنقًا.
وأتمنى في الفترة المقبلة أن نعطي الاهتمام الكافي لمثل هذه الأعمال الدرامية التاريخية، وسرد الأحداث الحقيقية دون اجتهاد، والعودة للأعمال التاريخية من جديد.