يولد الانسان وأول شيء يستقبله فى حياته هو الأذان للصلاة فى أذنه اليمنى، ثم الإقامة للصلاة فى أذنه اليسرى، والذى تعلمناه أنه من الطبيعي أن هذين الإجراءين تأتي بعدهما صلاة، المؤذن يؤذن ثم يقيم للصلاة ثم نصلي.. أين الصلاة إذن عند لحظة الميلاد؟؟
أعلم أن هناك صلوات لا أذان ولا إقامة لها، مثل صلاة العيدين وصلاة الكسوف والخسوف وصلاة الاستسقاء، ولها ما لها من معاني الفرح والخشية والرجاء، لكن استوقفتني صلاة الجنازة؛ للعبرة العميقة التى تتضمنها، استوقفتني وأنا أصلي على والدي رحمه الله، ووجدت نفسي فجأة أربط بين الأمرين، لأرى أن رحلة الإنسان في الحياة تبدأ بالأذان والإقامة، وتنتهي بالصلاة عليه، الصلاة التى تمت الإقامة لها لحظة ميلاده.
وسواء كان تصوري صحيحًا أم خطأ، فلا شك أنه يعكس - وبحق - إلى أي مدى قصيرة هي حياة الإنسان، فما بين الإقامة للصلاة ثم أداء الصلاة لا يزيد بل قد لا يصل إلى دقيقة واحدة، لكن ما بين الأذان والإقامة للصلاة فى أذن المولود ثم الصلاة عليه بعد مماته سنوات طويلة تطوي بين صفحاتها أيامًا أطول وأحداثًا أكثر، فرح وحزن، راحة ومشقة.. غير أن كل ذلك يبدو أمام عيني الإنسان قبل وفاته مجرد لحظات مرت سريعًا كمرور البرق، وكثيرًا ما سمعنا من سبقونا في العمر عندما يتذكرون شيئًا من الماضي يقولون: "كأنه إمبارح".
كنا نبتسم عندما نسمع ذلك، ولا نشعر بعمق الكلمة ومدى إحساسهم بها، وعندما تقدم العمر وأصبح لدى كل منا ذكريات مضت عليها سنوات، شعرنا بنفس الإحساس: "كأنه إمبارح"، ونتعجب متى وكيف مرت كل تلك السنوات، وكنا نظنها لن تمر؛ بل كنا أحيانًا ندفعها دفعًا لتمر وتمضي، بل ونحتفل بمرور العام تلو الآخر من عمرنا.
إذا كانت الرحلة قصيرة إلى هذا الحد، وإذا كانت إجراءات إنهائها قد بدأت بالفعل لحظة ميلادنا، وإذا كنا قد أخذنا تأشيرة الخروج منها لحظة الدخول إليها، فهل استعد كل منا لمشهد النهاية وإسدال الستار؟!