تعبير عبقري قاله الفنان الاستثنائي الراحل أحمد زكي عن علاقته بوالدته التي تركته عند جدته وتزوجت بعد وفاة أبيه؛ لأن في الأرياف كان لابد من تزويج الأرملة الصغيرة، وفقد بسبب انتقالها إلى بيت زوجها حنانها وحقه في الالتصاق بها في طفولته، ووصف تلك العلاقة بأنها حب رمادي.
فعلا روابط كثيرة في حياتنا لابد أن تكون قوية وحسية مثل علاقات الأبناء بالآباء والأمهات والأجداد والأشقاء والأصدقاء القدامى.
لكن نجد أنه أصبح أمرًا طبيعيًا - للأسف - أن نرى حالات مختلفة من الحب الرمادي قد ندرك الخسارة بسببه بعد فوات الأوان.
فهناك من سافر وترك أولاده ويتواصل معهم بضع دقائق يوميًا من خلال تطبيقات الفيديو، ويقول لهم أحبكم، وهو خارج حياتهم تمامًا بتفاصيلها الحلوة والمرة، في الحقيقة هو يحبهم ولكنه حب رمادي.
ومن تزوجت وتركت أولادها من زيجة سابقة يتجرعون تجارب حسنة أو سيئة؛ بسبب دخول أكثر من شخص في حياتهم؛ ليقوموا بما كانت تقوم به لهم بمفردها، ويتوزع حبهم لها على أفراد كثيرة في تشتت تام لتركيبتهم النفسية، حقيقة هي من حقها أن تتزوج وهى تحبهم طبقًا لظروفها، ولكنه حب رمادي.
وكثيرًا شهدنا علاقة صداقة عمر لا تعرف وأنت معهما من المتحدث فنغمة رد فعلهما تكاد تكون متطابقة من كثرة تشابه آرائهما وأفعالهما تجاه أي كلام أو موقف، ومع ضغوط وإغراءات الحياة يحدث خلاف لا يتوقعه أحد، بصرف النظر عن قرار طرف الاحتفاظ لنفسه بحق معين بمفرده، وتتمزق خيوط الصداقة، ويبقى كل منهما بعيدًا عن الآخر، وفى نفسيهما كل الخير والحب للآخر، ولكن عن بُعد، وهذا يسمى حب رمادي.
أشقاء في صغرهم ضربوا ثوابت المعادلات الرياضية، وكلما ظهروا معًا كان جمعهم واحدًا صحيحًا، وطول طفولتهم تشاركوا في اللقمة والحجرة والملابس واللعب، وعندما كبروا قرروا إدخال القسمة، وطرح بعضهم من بعض، وانفصلوا معنويًا وماديًا، وبالبعد المكاني نسوا "لمة العيلة" مع احتفاظ الجميع بتمني الخير لبعضهم، واعتبروه وسط مشاغل الحياة حبًا كافيًا، لكنه حب رمادي.
عند الأسوياء لا حقيقة مطلقة؛ لأن كل علاقة لا تشبه الأخرى في التفاصيل؛ فالنسبية درجة مرونة تلزمها العلاقات والقياس أكثر الوقت خادع؛ حتى وأن بدا مؤشرًا.
حافظوا على من تحبون، وقاوموا ظروفكم بالبعد عنهم، فمن ثوابت العلاقات في الحياة أن الحب الواضح الذي يحافظ على نقاء الروح، ويشكل حائط صد دفاعيًا لتقلبات الحياة، هو متلازمة بقاء ركناها الفعل والقول، وبدون أحد هذين الركنين هو لا يزال حبًا ولكنه حب رمادي.
[email protected]