الإنسان العادي يرتعب لمجرد ذكر اسم الأسد أو الثعبان.. ومع ذلك يشهد الواقع بوجود شخصيات من نوعيات فريدة ومتميزة عن باقي البشر.. ومن أمثلة ذلك مُـروضو الأسود الذين نراهم في السيرك.. وكيف أنّ المُـدرب ينجح في أنْ يجعل الأسد يأتمر بأمره..والشيء الثاني والأهم هو كيف فهم لغة الإشارة الصادرة من المدرب، سواء بالجلوس أو الوقوف أو بالقفز من خلال الطوق الحديدي المُـطوّق بالنار.
ومن الأمور المدهشة والعجيبة من وجهة نظر الإنسان العادي، شخصية (مروّض الثعابين) فمن المعروف أنّ الثعبان يستطيع قتل الإنسان بسهولة، وبمجرد (نفثة) من فمه يـُـصوّب فيها لعابه المسموم لجسد ضحيته، وبالرغم من ذلك شهد الواقع بعض النماذج البشرية، استطاعوا (ترويض الثعبان) وبصفة خاصة المدربون من الشعب الهندي.. ويقف الإنسان العادي مذهولا عندما يرى الثعبان، وقد التف حول ذراع المدرّب أو المدرّبة، أو عندما يأمره بدخول الجـُـحر أو كيس القماش إلخ.
وشهد الواقع المصري (خاصة في الريف) شخصية المحترف القادر على استخراج الثعبان من الأماكن المختبئ فيها، وقد أخذ هذا المحترف اللقب الشهير (الرفاعي) وهو لقب من إنتاج الموروث الشعبي. وقديما كنا نرى شخصية (القرداتي) في السيرك أو بعض الأفلام القديمة، وكنا نشعر بالسعادة والتعجب ونحن نسمعه وهو يأمر القرد بتقليد البشر في ممارسة حياتهم الطبيعية، كنتُ كلــّـما تذكرتُ هذا المشهد.. أتساءل: كيف استطاع ذلك، وهو غالبـًـا أمي، لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ومع ذلك نجح في (تعليم) القرد الاستماع إليه؟ وكيف فهم القرد (لغة) مدرّبه؟
بل إنّ الأمر تطوّر على أيدي العلماء ليأخذ تدريب القرود شكلا مختلفــًـا تمامًـا، وصل لدرجة قدرة القرد على استخدام الآلة الكاتبة.. والأكثر أهمية (وخطورة في نفس الوقت) تدريب القرود على قيادة الدبابات والعربات والمُـدرّعات المُـصفحة العسكرية، بدلا من الجنود من الجنس البشرى، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول هذا الاستخدام البشع للقرود في حروب بين البشر، ولا علاقة للقرود بها، فهذا شأن (بشري) فإنّ العبرة هي قدرة الإنسان على تدريب القرود للقيام بالأعمال الخطرة، التي كان يقوم بها الإنسان.
وإذا انتقلنا من عالم الحيوانات الأليفة إلى عالم الطيور، فقد شهد الواقع (ظاهرة تدريب البغبغان) على تقليد صوت الإنسان أيضًا.
ومن بين عجائب قدرة الإنسان (تعليم) الطيور (فهم إشارات) المدرب، ومن أشهر الأمثلة على ذلك (ظاهرة الحمام الزاجل)، واستخدامه في إرسال الرسائل؛ وكلــّـما فكــّـرتُ في أمر الحمام الزاجل (حامل الرسائل) يخطر ببالي تشبيه وضع الحمام الزاجل في القرون الماضية، بوضع الطائرات الحديثة (بدون طيار) والتي يـُـطلق عليها البعض (الطائرات المُـسيـّـرة) والتي تتحرك بواسطة الروموت، وتنطلق من مكان إلى مكان آخر لأداء مهمة مـُـحـدّدة، وهى مهمة قتالية تحمل الشر والعنف ضد البشر في معاركهم الشريرة التي لا تتوقف، بينما كان دور الحمام الزاجل – فى أغلب المهام التي كان يقوم بها- دور حامل رسائل الغرام والحب والمودة بين حبيبيْن، بخلاف دوره في نقل الرسائل بين قائد فرقة إلى زميله في فرقة أخرى من نفس الجيش.
هذا بالإضافة إلى تربية الحمام وهي عادة كانت منتشرة في العقود السابقة.. وكيف أنه بمجرد فتح باب القفص فترة الأصيل، إذ بالحمام يخرج وكأنما يمتلك ساعة ميقاتية داخل صدوره الصغيرة. تــُـرفرف الأجنحة بالبهجة مع صوت حركة المفتاح. تنفلتْ أسراب الحمام مسرعة، تطير وراء ذيول الشمس. تمــــلأ صدورها بنسيم الهواء الحر. تدور في فضاءات مفتوحة. لا تقف في طريقها حواجز ولا تــُـقـيّدها أسوار ولا تحدها تقاليد.. وكنتُ أتساءل: كيف علّــّمها صاحبها الطاعة؟!
وهكذا نجد في حياتنا الكثير من الأشياء التي كنا نعتقد أنها من العجائب الأقرب إلى المعجزات، ولكنها أصبحتْ من البدهيات مع مرور الزمن.