ما إن ينتهي ماراثون الثانوية العامة، إلا ويعتقد أولياء الأمور، أن أغلال الدروس الخصوصية انفكت، بعد 12 عامًا أرهقت جيوبهم خلال مراحل التعليم ما قبل الجامعي، يوجهون خلالها 37.7% من إجمالي إنفاقهم على التعليم إلى الدروس الخصوصية بمقدار صرف 47 مليار جنيه، حسب إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن إنفاق الأسر على التعليم، غير مدركين أن سرطان الدروس انتقل إلى بعض المعاهد والجامعات خاصة كليات القمة.
موضوعات مقترحة
يقول الطلاب إن الدروس الخصوصية تفشت كالسرطان داخل الجامعات بصورة غير مسبوقة، مؤكدين أنها أصبحت موروثة من المدارس.
تعمل الإدارات الجامعية المختلفة على مستوى جامعات الجمهورية، على مواجهة السوق السوداء للمذكرات والملازم، التي تقدمها بعض المكتبات للطلاب، إذ فطنت الإدارات إلى ما تقوم به العديد من المكتبات الخاصة المحيطة بها في محاولة السيطرة على عقول الطلاب بالمذكرات والملازم التي تنتجها هذه المكتبات بالتعاون مع عدد من المعيدين والمدرسين المساعدين بهذه الجامعات.
لماذا تفشت الدروس الخصوصية في الجامعات.. وهل التقصير من أساتذة الجامعات أم إهمال من الطلاب لعدم حضورهم المحاضرات أم السبب هو تدهور المنظومة بشكل عام.. أم أن اعتياد الطالب عليها طوال مراحل التعليم ما قبل الجامعي تجعله غير قادر على الاستغناء عنها في تلك المرحلة، أسئلة طرحتها "بوابة الأهرام"، على بعض الطلاب لمعرفة سبب إدمانهم التحصيل والمذاكرة من خلال "سناتر" الدروس الخصوصية، وعدم الاعتماد على الكتب الجامعية والمحاضرات.
أقرب طريق للنجاح
"الدكاترة مبتشرحش كويس فبنضطر نروح دروس خاصة"، كلمات تلقائية بدأت بها منه محمد طالبة بالفرقة الثانية بكلية التجارة، لتفسير سبب لجوئها للدروس الخصوصية، مؤكدة أن الدروس وملازم الشرح هم الطريق الأسرع والأسهل للصعود لسلم النجاح، لأن الكتب الجامعية تجعل الطالب تائه ولا توجد بها تفسيرات أو توضيحات على عكس ما تقدمه ملازم الشرح التي تفصل المعلومة وتقدمها للطلاب بطريقة يسيرة.
ملاذ الأمان
لم يختلف الأمر مع الطالبة نور سامح، الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية حقوق، حيث أكدت لـ "بوابة الأهرام"، أنها تعتبر الدروس طريق النجاح وملاذ الأمان، لذا تحصل على دروس خصوصية في جميع المواد، معللة: "الملازم والدروس بنفهم منها، بدلا من الدكتور الذي يكتفي بذكر القشور ويبتعد عن شرح تفاصيل المنهج لصالح رواية أحداث وخبرات خاصة به لا ترتبط بالمنهج إطلاقا، فالاعتماد على المحاضرات الخارجية أصبح أشبه بالفريضة التي ينفذها 90% من الطلاب.
وتتابع الطالبة بكلية حقوق: "المحاضرات الخارجية أخف وأسهل، وعدد الطلاب صغير بعكس المحاضرات في الجامعة، أنا سقط 4 مرات وبقالي 8 سنين في الجامعة، وبقيت أنجح من وقت ما بدأت أخد دروس خاصة، لو الجامعة تهتم أكثر ويخففه المناهج، والعدد يقل، هفهم وهحضر المحاضرات في الجامعة، مش هضطر أدفع فلوس علشان أفهم، المحاضرة الواحدة بـ50 جنيها، والسعر بيختلف حسب العدد، وشهرة المدرس".
السعر حسب العدد
أما في كليات الطب والعلوم، تتراوح سعر المحاضرة الواحدة من 150 لـ200 جنيها، وهذا على حسب الفرقة الدراسة بها، حيث يقول إسلام عبد الحليم، الطالب بالفرقة الخامسة بكلية الطب، لـ"بوابة الأهرام"، إن متوسط المصروفات المالية التي تنفق على الدروس الخصوصية في الشهر نحو 4 آلاف جنيه، ويرى أن أسباب تفشي الدروس الخصوصية في الحرم الجامعي، صعوبة المقررات الدراسية مع عدم تطوير المناهج، فضلا عن عدم التحصيل الجيد من الأستاذ الجامعي في المحاضرة لقصر وقت المحاضرة، فكثير من الطلاب يحتاجون إلى شرح العديد من الأجزاء في المنهج بسبب الوقت، منوها إلى أن غالبية الطلاب يخشون ضياع مجهودهم بعد التحاقهم بكليات الطب أو الصيدلة، ويكون الحل عندهم هو الحصول على الدروس الخصوصية.
بعض الطلاب لا يلجأون للدروس الخصوصية إلا في فترة الامتحانات فقط، وبشكل مكثف يتحصل على المنهج مقابل أن يدفع مبالغ طائلة، فتصل قيمة الحصة الواحدة خلال الامتحانات لـ 400 جنيه للطب، و350 جنيها للصيدلة، و300 لباقي الكليات، بحسب ما أكدته أميرة السيد، الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية العلوم، منوهة إلى أن السعر يختلف بحسب عدد الطلاب في الحصة الواحدة، فكلما قل عدد الطلاب كلما زادت تسعيرة الحصة.
كيفية القضاء على الظاهرة
السؤال هنا، كيف يتم القضاء على الدروس الخاصة في الجامعات من وجهة نظر الطلاب، الذين أكدوا أن القضاء على هذه الظاهرة، يحتاج إلى تخفيف المناهج بالجامعات، وتقليل أعداد الطلاب بالمحاضرات، وفي الكليات العلمية، زيادة وقت المحاضرة، وتطوير طرق شرح دكتور المادة بحيث يتواكب مع طرق التدريس الحديثة.
كارثة تنسف منظومة التعليم
فيما وصف الخبراء ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية بين طلاب الجامعات بالكارثة، التي تهدد بنسف منظومة التعليم الجامعي، حيث إنها تتعارض مع تقاليد وأصول التعليم الجامعي الذي يرتكز في الأساس على بحث الطالب بنفسه عن المعلومة، مؤكدين أهمية توظيف التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمة، وابتكارأساليب تكنولوجيا حديثة تمكن الطالب من تفاعله مع المحاضر.
الدكتور محمد عبد العزيز فؤاد، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، يؤكد أن الدروس الخصوصية أصبحت جزءا من العملية التعليمية نظرا لغياب الدور الحقيقي للمدارس والجامعات، فالشرح الضعيف في المدارس أدى إلى لجوء الطلاب للدروس الخصوصية، وبالتالي يدخل الطالب الكلية معتمد على نمط التعليم وهو وجود مدرس يساعده في حفظ الدروس، ويحدد له أسئلة الامتحان المتوقعة.
عقوبتها الفصل
ويوضح الدكتور محمد عبد العزيز، أن المادة 103 في قانون المجلس الأعلى للجامعات توجب الفصل لأي أستاذ بالجامعة يقوم بإعطاء دروس خصوصية للطلاب خارج نطاق الجامعة، مؤكدا أن الكثير من الأساتذة الجامعين يرفضون مبدأ الدروس الخصوصية إيمانا منهم أنهم إساءة بالغة للكلية والجامعة التي يعمل بها، لذا يلجأ الطلاب إلى مراكز خارجية تشرح لهم المواد، وغالبا من يقوم بشرح المادة هو شخص يعتمد على "الفهلوة"، وتوقع أسئلة الامتحان، ولا يقوم بتدريس المادة بشكل علمي صحيح.
وعن سبب لجوء الطالب الجامعي للدروس الخصوصية، يؤكد أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، أن نظام التعليم المدرسي وراء لجوء الطالب إلى الدروس الخصوصية بعد التحاقه بالجامعة نظرا لتعوده على أسلوب الحفظ والتلقين والملخصات ما يجعله يواجه صعوبة في تطوير ذاته وفكره بما يتوافق مع المرحلة الجامعية، فعلينا أولا القضاء على الدروس الخصوصية في المراحل التعليمية المختلفة حتى نتمكن من الارتقاء بالطالب خلال المرحلة الجامعية كي نخلق جيلا من الخريجين الجامعيين يواكبون متطلبات السوق.
تغليظ العقوبة
ويرى أن مشكلة الدروس الخصوصية بالجامعات نوعية وتختلف من كلية لأخرى، وبحسب المادة العلمية وطريقة شرح أستاذ المادة، فهناك مواد لا يحتاج فيها الطالب للحصول على دروس نظرًا لطريقة إلقاء الدكتور، وهناك بعض الدكاترة يقومون بحشو المقررات والتي تحتاج لساعات إضافية لشرحها، والتي ليس لها أي فائدة في حياة الطالب بعد التخرج، فيدفع الطالب مبالغ مهولة للحصول على المفيد فقط في المحاضرات الخارجية.
أما عن سبب كثرة "سناتر" الدروس الخصوصية، يوضح الدكتور محمد عبد العزيز السبب في ذلك، مؤكدا أن اختفاء الدور الرقابي وعدم وجود لوائح مضبوطة لإغلاق هذه المراكز السبب في كثرتها وانتشارها بهذا الحد، والأهم من وجود قانون هو وجود منظومة جيدة تمنع الدروس يحميها القانون وينفذها للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، كما يجب زيادة الغرامة على المراكز، لأن في الوقت الحالي يتم غلقها وبعد ساعات يتم فتحها مرة أخرى لأن الغرامة ضعيفة لا تتماشى مع حجم ما يكسبه يوميا من الدروس.
ويتابع: أن ضعف دخل المعيدين وأعضاء التدريس يجعلهم يلجأون لإعطاء الدروس الخصوصية، لذلك يجب زيادة المرتبات ومعها تغليظ العقوبة على من يعطي درسًا خصوصيًا، ويتم فصله من الجامعة مع غرامة كبيرة، مع عمل امتحان للخريجين للتأهيل لسوق العمل تنطبق عليه المعايير الدولية، وتغيير نظم التعليم لكي يصبح الخريج منافسا عالميا، بذلك نحد من الدروس الخصوصية.
تغيير الأنظمة التعليمية
فيما يقول الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، إن الدروس الخصوصية مرض أصيبت به المؤسسة التعليمية، وهي الوليدة الشرعية لمثلث التعليم المتخلف، الذي يعمل على إلقاء المعلم، وحفظ من المتعلم، والاسترجاع في الامتحان، وليس الاهتمام بإبداء الرأي والإبداع، للانتقال إلى مثلث التقدم، نعلم ونفكر ونبدع.
ويؤكد أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، لـ"بوابة الأهرام"، أن الدروس الخصوصية في الجامعة قد تكون بسبب خلل ليس في أستاذ المادة ولا الطالب، بل قد يكون في الكتاب الجامعي نفسه، أو المنهج المقرر، فعلينا أن نعترف أن جيل الإنترنت ووسائل الاتصال السريعة مختلف تماما عن جيل الستينيات والسبعينيات، لذا علينا مواكبة العصر وتغير مناهجنا وطريقة تدريسنا كي تناسب ذلك الجيل، والاعتماد على أنظمة تعليمية تلغي فكرة الكتاب الواحد في الجامعة وتعتمد على البحث والاطلاع وتنوع وتعدد مصادر المعرفة، مما سيقوم بإلغاء فكرة المذكرات الجامعية تمامًا حتى لا يلجأ الطالب إلى الدروس الخصوصية لفهمها.