جميل، وبديع، ومثمن، صنيع وزارة الأوقاف حين أطلقت حملتها العالمية الدعوية لهذا العام "هذا هو الإسلام" بأكثر من عشرين لغة، بيانا لصحيح الإسلام للدنيا بأسرها، جنبا الى تخصيص خطبة الجمعة هذه اتساقا مع هذه الحملة، داعية كل موفديها ومبعوثيها وشركائها من الوزارات والمؤسسات الدينية الصديقة تخصيص هذه الجمعة لهذا الموضوع المهم، دعما بالمقالات والأحاديث الإعلامية ما وسعهم ذلك، خدمة لديننا السمح، ووفاء لصفحته النقية التي شوهت الجماعات المتطرفة جانبا من نقائها ووجهها المشرق، كما ستنشر الوزارة لاحقا خطبة الجمعة هذه مترجمة إلى العديد من اللغات الإنسانية الحية تيسيرا على من يريد أن يستفيد أو يستأنس بترجمتها في محيطه الإقليمي.
وديننا الإسلامي الحنيف أشرف وأنقى من أن يتهم بأي نقيصة أو معيبة من قبل أعدائه ومشوّهيه، ولكم شرف الله سبحانه وتعالى البشرية جمعاء، بختم الرسالات السماوية به، وشرفنا معها بنعمة الانتماء إليه والتدين به، بل إن شئنا قلنا إنه قطعة ذهب لا تحتاج أكثر من أن نجلي ما علق بها أو ران عليها من بعض الغبار المتطاير أو حتى المتراكم، لأن المعادن النفيسة لا تصدأ ولا يصيبها العطب مهما كانت عوامل الزمن وتداعياته وأحداثه وتراكماته.
نعم تتداعى الآن علي أمتنا الأكلة من كل مكان، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، في حديثه الذى رواه ثوبان مولى رسول الله عنه أنه قال: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت"، ليس ضعفا في إسلامنا، أو بسبب عوامل التمدين والتحضر التي صار أمامها ديننا، شيخا، شيبا، موهن القوى، وحاشاه هذا، بل كما أخبر قدوتنا فخر الكون صلى الله عليه وسلم، بسببنا نحن، وما جنيناه جرّاء أفعالنا، والوهن الذي أصبنا به.
إسلامنا دين حضارة،ورقى أخلاقي وسلام، وعلم، وتربية، ورحمة للعالمين جمعاء كما أخبر الله عز وجل في حق نبيه وما أرسل به: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، بل لخص نبينا الحبيب هدف رسالته السمحة حين قرر صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فلم يعرف قط ديننا إيذاء الغير، أو الاعتداء عليه بدون وجه حق، بل كان رحيما شفوقا حتى في حروبه مع أعدائه، يصدقني في هذا قول ووصية نبينا الرؤوف الرحيم إذا بعث جيوشه: "اخرجوا بسم اللَّه تقاتلون في سبيل اللَّه من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع"، وما سار عليه خلفاؤنا الراشدون -رضى الله عنهم- التزاما من بعده، كما جاء في وصية أبى بكر الصديق ليزيد بن أبي سفيان قائد أول جيش توجه لفتح الشام قائلا له:" يا يزيد إني أوصيك بتقوى الله، وطاعته، والإيثار له، والخوف منه، وإذا لقيت العدو فأظفركم الله بهم، فلا تغلل، ولا تمثل، ولا تغدر، ولا تجبن، ولا تقتلوا وليدا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تحرقوا نخلا ولا تقعره، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تعقروا بهيمة إلا لمأكلة، وستمرون بقوم في الصوامع يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم لله، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له ....".
كما كان - ولا يزال - أيضا إسلامنا دينا ينهى عن كل ألوان الفساد والإفساد والتخريب في الأرض، داعيا وحافظا للأعراض والأنفس والأموال لقول الله تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، وأمره: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين"، وما يفعله هؤلاء المنسوبون له زورا وبهتانا، من الجماعات المتطرفة، المتشددة، المارقين، المتطرفين لا يمت له بقريب أو بعيد، بل نقول يقينا بملء فينا، إن الإرهاب الذى يوصمنا وديننا به أعداؤنا، إنما هو صنيعهم، وعوار فكرهم، وبصائرهم العمياء البغيضة، ولولا ضيق المساحة لذكرت حقائق ودلائل تثبت هذا، يقينا، وفعلا، وتوثيقا، لكن نحمد الله أن قيد له من علمائه ورجاله -في المجالات الشتى- ما ينافحون عنه، مميطين اللثام والنقاب عن عظيم حقيقته، ليس دفاعا عنه -كما قلت من ذي قبل-، بل جلاء، وعلاجا لهذا العمى الحيثي، والران الذي أصاب بصائر، وأعين، وأفئدة، أعدائه.
يبقى لىتذكير "الأوقاف" بعد إطلاق حملتها العالمية هذه، ضرورة إطلاق حملة كبيرة، موسعة بكل محافظاتنا، عن "البلطجة ليست من ديننا"، نظرا لما يشهده مجتمعنا من حالات قتل وبلطجة كثيرة، تفشت فيه، وأصبحت واقعا مؤلما يفرض نفسه علينا، ونستيقظ يوميا على أخباره، ونراه موثقا بالصوت والصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما في حالات الطالب محمود البنا شهيد شهامته، وشاب المنصورة المذبوح بالشارع على يد البلطجية، والشاب عمار الذي ضرب بسكين في قلبه، فقدته النطق والحركة والسمع والابصار، من بلطجية، رفض معاكستهم لخطيبته، وغيره الكثير.. وربنا يردنا إلى دينه ردا جميلا.
[email protected]