توثيق، وطني، عالمي، عظيم، كنا في أمسِّ وأعظم الحاجة إليه في الوقت الراهن، يأخذ بأيدينا الى شاطئ وبر أمان الوطنية المتجذرة في قلوبنا نحو وطننا وجيشنا وأرضنا، داكَّا لحصون من يحاولون زعزعة الثقة فيهم، وتشويه صورتهم لدينا، والنزول بنا الى مستنقع عدم الولاء والانتماء إليهم، فجاء ليحيي فينا تلك المشاعر الملتهبة حبا وعشقا لوطننا وجيشه، وافتدائهما بكل ما نملك من غال ونفيس، وأولها أرواحنا.
عن فيلم الممر أتحدث، الذى تابعته وشاهدته مرتين باهتمام بالغ شديد، كما تابعه وشاهده الملايين من مواطنينا في ذكرى نصر أكتوبر المجيدة السادسة والأربعين، موثقا مرحلة من تاريخ مصر الحبيبة، بدأت فى أعقاب نكسة 1967، مؤرخا حالة الهزيمة النفسية غير المتقبلة لرجالنا وأبطالنا، واستعادة قواتنا المسلحة المصرية الثقة في رجالها، والبدء في تنفيذ عمليات كثيرة موجهة ضد العدو الإسرائيلي في سيناء، التي عرفت بحرب الاستنزاف، سعيًا لاستنزاف نفسية وقوة وعدة وعتاد عدونا الصهيونى الإسرائيلي قبل توجيه ضربة، قاصمة، قاضية له في حرب أكتوبر 1973 المجيدة.
الحق أشهد أن فيلم الممر استطاع أن يستخرج منا روح المارد المصري الوطني الأصيل، الذى قد يغفو، ويصيبه سنة من نوم، لكنه لا يموت، قد يمرض، لكنه يقوم معافا أكثر قوة وعافية من ذي قبل، فاستطاع فيلم الممر أن يصهرنا فيه، وفى هذه الروح الذكية الوطنية التي بثها لنا صناع الفيلم عبر مشاهده المختلفة، حتى أضحت أصواتنا تعلو مع كل مشهد عصيب به، تحذيرًا لأبطاله من خطر سيداهمهم، أو تشجيعًا بحرارة بالغة وثناء عظيم على نجاح ما فعلوه بمهمتهم، مكررين معهم نداء الله أكبر، الله أكبر.
أصداء كثيرة محلية وعالمية تناولها الفيلم بعد عرضه أرضيًا، منها وصفه بالعبور الجديد للسينما المصرية، وأنه أنعش بورصة الأفلام الوطنية، وأهمها أيضًا بيان مرصد الإفتاء عن الفيلم وتأكيده بأنه عمل فني إبداعي رسم لوحة للصمود والفخر الوطني، وبثَّ الروح الوطنية في النفوس، وأبرز بطولات المصريين وتضحياتهم خلال المواجهة مع العدو، الأمر الذي أعاد روح النصر والفخر والاعتزاز بقيم الفداء والوطنية والاعتزاز بالهوية، كما بث قيمًا دينية ووطنية مهمة، وعمل على رفع الروح المعنوية للمواطنين، وهذا هو دور الفن المنضبط الذي تحتاج له الأسرة المصرية، لإرشاد الناس ونشر الوعي، مؤكدًا أن الفيلم بداية لعودة السينما المصرية الأصيلة، المنشغلة بقضايا وهموم الوطن، والمعبرة عن المصريين، والساعية لاسترداد الشباب من براثن التطرف، وأنه إلى جانب قيمته الفنية، فهناك قيمة أعلى وهي حفظ الذاكرة الوطنية من التزييف المتعمد للإعلام المعادي لمصر، وهو التزييف الذي يمارس في ظل حروب الجيل الرابع.
كما أثار الفيلم بعد عرضه حالة من ردود الأفعال العالمية الإسرائيلية المختلفة، منها تقرير نشرته صحفية "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، قالت فيه: "إن الفيلم أثار المخاوف داخل المجتمع العبري من زيادة الكراهية تجاه إسرائيل، وإنه يصور اليهود على أنهم مصاصو دماء"، كما قدم "تسفي بارائيل" الكاتب الصحفي الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" العبرية، تحليلا للفيلم، موجها حديثه للإسرائيليين، معربًا عن فزعه من الرغبة الكبيرة لدى الشباب النزول إلى السينمات فى مصر والدول العربية لمشاهدة هذا العمل الأضخم، موضحًا أن فيلم "الممر" ليس مجرد عمل يصور الجنود المصريين كشباب مستقيم يحب وطنه، لكنه عاد ليذكر المصريين بمن هو العدو الحقيقي لهم، على حين قال صحفي بريطاني: المصريون نسوا مشكلاتهم الاقتصادية، واجتمعوا علي حب جيشهم، وفيلم الممر يفرغ شوارع مصر من أهلها لمشاهدته، فيما وصف صحفي أمريكي الفيلم بأنه فيلم يوحد قلوب المصريين تجاه قواتهم المسلحة.
إضافة لما حواه وتضمنها فيلمنا القدير من رسائل رائعة لكل مصري وإسرائيلى صهيوني على السواء، منها حديث القائد نور لابنه وتأكيده له بأن "الماتش لسه ما خلصش" حينما كان يوضح له حقيقة الهزيمة، وأنها ليست نهاية الأمر بالنسبة لنا كمصريين، ومنها إبراز الجانب الإنسانى الأصيل للشعب المصري، فضلا عن قوة عزيمته وإيمانه بالله، وبأن النصر قادم بمشيئة الله، وأنه لا يأس مع الإيمان الذى يقهر كل الصعاب، وأن إيماننا بالله عز وجل أعظم من التخطيط والتكتيك، تمثل هذا في رسائل زوجة الضابط نور له، ومساندتها له، وشدها من أزره، ومنها أيضا، قول المجند هلال لقائده نور: "يا افندم مش المهم إنى أوقع طيارة واللا اتنين، المهم إن اللى في الطيارة يكون شافني وأنا واقف قدامه ما خايفشي وهيروح يبلغ زمايله إن المصريين مش جبناء واقفين مستنينا ومش هايبينا وده سلونا في الصعيد، سعادتك تقف لغريمك عينك في عينيه، ويبقى عارف إنك هتاخد بتارك منه مهما عدت الأيام" ومنها أيضًا حديث القائدين نور ومساعده للصحفي حين أكدا له أن عقيدتهم في الحرب ليس الدفاع عن أنفسهم، بل الدفاع عمن بجوارهم بالمعركة، ومن بجوارهم عقيدته الدفاع عني، وهكذا عقيدة كل جنودنا في الجيش كله.
وهكذا.. لا يسعني وكل مواطنينا، إلا تقديم رسالة شكر وتقدير وإجلال لصناع الفيلم، على إبرازهم روح وسمات المصرى الوطنية السادرة، ورفع روحنا المعنوية، إيمانا وإعزازا بجيشنا وأبطاله، وما أحوجنا لمثل هذه الأعمال الوطنية الفنية المجسدة لقضايا وهموم وطننا ومواطنيه..
[email protected]