Close ad

المعزول على الطريقة الأمريكية

12-10-2019 | 15:18

صحيح أن هناك تعبيرًا أمريكيًا يصف الرئيس في عامه الأخير بأنه كـ"البطة العرجاء"؛ ولكن ما يحدث مؤخرًا تجاوز هذا التعبير، ودخلت مصطلحات الدول النامية بفضل الرئيس ترامب للشارع الأمريكي، وباتت تعبيرات مثل الرئيس المعزول، والحرب الأهلية، وتقسيم الولايات وتفككها، والتوريث للعائلة، والواسطة والرشاوى، والتآمر مع دول أجنبية، باتت كلها ضمن القاموس اليومي للصحافة والتليفزيون.

وبعدما كانت هوليوود تصيغ أفلامًا للانقلابات والتحرش الديمقراطي، وتصدرها للعالم الثالث أصبحت قصصًا أمريكية واقعية، والتهمة الآن للرئيس أنه استغل منصبه في الضغط على الرئيس الأوكراني؛ لكي يعيد فتح ملفات تحقيقات جرى إغلاقها دون إدانة نجل منافسه المحتمل جو بايدن، وأنه ألمح إلى استخدام ورقة المساعدات العسكرية والمالية - المقررة لأوكرانيا - لكي تحقق مطلبًا شخصيًا، ويحاول ترامب قلب الطاولة على الحزب الديمقراطي، بقوله: إن جو بايدن هو من استخدم منصبه لإغلاق تحقيقات قد تدين نجله، وأن الفضيحة سوف تلحق ببايدن والحزب الديمقراطي، وأنه لا يخشى من التحقيق، لكنه حذر من أن السير في هذا الطريق سوف يؤدي إلى انقسام الولايات المتحدة، وأنه تحرش خطير من جانب الحزب سوف يلقي بظلاله على الولايات المتحدة طويلًا، في وقت بالغ الحساسية تخوض فيه الإدارة الأمريكية معارك خارجية صعبة مع إيران والصين وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا، وربما تدفعها بقوة إلى اشتباك خارجي أكثر ضراوة، يمكن أن يغطي على قضية أوكرانيا جيت.

وهنا تكمن خطورة تفجير هذه القضية الفاصلة في حياة ترامب السياسية خلال هذا التوقيت، وكانت الحكاية في أمريكا أن الأصل في السلطة أنها ملك للشعب، هو مالكها وصاحب الحق الكامل في التصرف فيها، والشعب لم يمنح أحدًا سلطة مطلقة؛ بل وزع السلطات على عديد من الجهات، واشترط على كل منها ممارسة السلطات الممنوحة لها من الشعب في حدود ما هو مرسوم من قواعد في الدستور.

وقد منح الرئيس مقدارًا من السلطة تجعله أعلى رأس في السلطة التنفيذية، ومنح الدستور البرلمان بغرفتيه - الكونجرس والشيوخ - سلطة تتكافأ مع سلطة الرئيس، وبقية مؤسسات السلطة التنفيذية، ومنح الدستور القضاء سلطة مستقلة عن سلطتي التشريع والتنفيذ، والشعب له الحق في مراقبتهم جميعًا ومحاسبتهم ومساءلتهم؛ بل عزلهم جميعًا عند الاقتضاء وفق قوانين موضوعة لذلك ومتضامنة في اللوائح التنفيذية التي تحكم عمل كافة السلطات طبعا، ولم يترك الآباء المؤسسون شيئًا للصدفة.

وإجراءات عزل رؤساء الولايات المتحدة أدرجها مؤسسو الولايات المتحدة في الدستور، بعد أن خشوا من أن يسيء أحد الرؤساء استغلال منصبه وصلاحياته؛ حيث يمكن بمقتضى الدستور عزل الرئيس بسبب "الخيانة أو ارتكاب أي جريمة كبرى أخرى أو جنحة".

وفي حالة اتخذ مجلس الشيوخ خطوة إدانة ترامب، فإن نائبه مايك بنس سيصبح رئيسًا في الفترة المتبقية من ولاية ترامب، والتي تنتهي في 20 يناير 2021.

ولم يحدث من قبل عزل رئيس من منصبه كنتيجة مباشرة للمساءلة، فيما استقال رئيس واحد هو ريتشارد نيكسون عام ١٩٧٤ قبل إمكانية مساءلته، في حين وجه مجلس النواب اتهامات لرئيسين هما جونسون عام ١٨٦٨، وبيل كلينتون، ولكن مجلس الشيوخ لم يصدر أي قرار بإدانة أي منهما، وإذا اتضح مبكرًا أن القضية في طريقها لإدانة ترامب قد يقرر الحزب الجمهوري ترشيح شخص بديل.

لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا شبيه بما حدث مع الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي قدم استقالته، وأصدر الرئيس التالي جيرالد فورد قرارًا بالعفو عنه.

وإذا تم العزل فلن يحدث انقسام جديد إذ يعاني الكونجرس انقسامًا شديدًا منذ يناير الماضي.

وفي كل الأحوال فما يحدث هناك في أمريكا هو نموذج تحوط له الدستور والآباء المؤسسون؛ لسد كل الذرائع؛ لأن تكلفة الفوضى أخطر بكثير من العزل القانوني.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في