تظل "حرب السادس من أكتوبر1973" نقطة مضيئة في التاريخ، وذلك بعد أن أزالت آثار هزيمة الخامس من يونيو 1967، قدم الجيش المصري من خلالها أقوى الفنون القتال وتحطيم أسطورة "جيش إسرائيل الذي لا يقهر"؛ حيث كانت إسرائيل تظهر للعالم على أنها قلعة عسكرية حصينة لا تنهزم؛ ولكن كل ذلك تحطم على صخرة النصر في ظهر يوم السادس من أكتوبر عام 73، تلك الحرب التي وصفها بعض المحللين العسكريين بالعبارة الشهيرة "زلزال في إسرائيل"؛ حيث قامت قواتنا الباسلة باجتياح حاجز قناة السويس الصعب، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة رءوس جسور لها، بعد أن أفقدت العدو توازنه في ست ساعات، فكانت من أقوى وأشرس الحروب التي خاضتها إسرائيل.
لقد كانت حرب أكتوبر رابع مواجهة عسكرية بين الدول العربية وإسرائيل، بعد فترة طويلة من التخطيط بين الدول العربية، في حضور التنسيق بين الجانب المصري والسوري معًا، وضغط مصري على الاتحاد السوفييتي لتعويض النقص بالمعدات والأسلحة التي فقدت في 1967؛ حيث أظهرت القوات المسلحة المقاتل العربي وقدرته على استيعاب واستخدام الأسلحة الحديثة بما فيها الأسلحة الإلكترونية.
وذكرت صحفية "نيويورك تايمز " الأمريكية إبان حرب أكتوبر: "أن الجندي المصري حارب بفعالية، وروح معنوية مرتفعة وقال الجنرال كالمان قائد أحد المواقع في سيناء أثناء الحرب: "إن القوات المصرية تدخل سيناء من كل مكان وفي كل اتجاه، وبكل الوسائل بطائرات الهليكوبتر وبالقوارب وسيرًا على الأقدام، إن هذه القوات تقاتل بشراسة وهي مسلحة بأحدث الأسلحة".
لم يكن النصر الذي حققته قواتنا المسلحة وليد ذلك اليوم التاريخي؛ بل سبق هذا اليوم جهود ضخمة، فقد سبق هذا اليوم جهد غير عادي في التدريب، وجهد غير عادي في التكتم والتمويه على العدو وتحطيم غروره، التي أسماها الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" فترة "الصبر والصمت"؛ ففي تلك الفترة حاولت القوة المعادية، أن تنال من معنويات الجيش والشعب، وكانت تغذي ذلك في كل لحظة على أننا غير قادرين على القتال.
وجاءت الحقيقة عكس ذلك؛ حيث قالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في فترة حرب أكتوبر: "إن ما حدث لإسرائيل في حرب أكتوبر مأساة، إن الحرب بدأت بخطأ قاتل في تقييم المعلومات التي حصلنا عليها"، حيث كانت حرب أكتوبر الرمضانية ليست النصر فحسب؛ ولكنها الدروس المستفادة منذ هزيمة يونيو 1967مرورًا بست سنوات من المعاناة والبذل حتى تحقق النصر.
وكانت "الشرارة" هو الاسم الذي أطلقه الرئيس السادات على عملية عبور القوات المصرية، وهنا ظهر ذكاؤه السياسي في اختيار موعد الحرب، فشهر أكتوبر هو الشهر الذي وقع عليه الاختيار لبدء الحرب؛ حيث كان في هذا الشهر الانتخابات الإسرائيلية، كما أنه شهر مليء بالأعياد الإسرائيلية "عيد المظال، عيد التوراة، يوم كيبور، الذي وافق يوم السادس من أكتوبر موعدًا لعبور القوات المصرية لقناة السويس"، وكان في نفس الوقت حينها شهر رمضان؛ حيث إن الروح المعنوية والدينية العالية، كذلك عدم توقع العدو للحرب في شهر رمضان، كما أن ليل أكتوبر يصل إلى 12 ساعة، مما يساعد على إتمام عملية العبور، فكان ذلك جزءًا من خطة "الخداع الإستراتيجي" التي قام بها السادات، والتي مهد لها الظروف السياسية داخليًا وخارجيًا، إلى أن اطمأن بانتهاء استعداد القوات المسلحة لمواجهة العدو.
"الساعة الثانية ظهرًا" جاء اختيار هذا الموعد بناء على اعتبارات علمية تقرر أن تكون قبل آخر ضوء بـ 3:30 ساعة، حتى تتمكن القوات المصرية والسورية من توجيه ضربة مركزة في ضوء النهار، وأن تتاح لها فرصة تكرارها قبل آخر ضوء، هذا بالإضافة إلى أن اختيار هذه الساعة لا يوفر للعدو الفرصة الكافية لتركيز قواته الجوية والرد على ضرباتنا قبل آخر ضوء النهار، فقد أعد الفريق محمد عبدالغني الجمسي دراسة للظواهر الطبيعية لتحديد ساعة الصفر؛ التي وصفها الرئيس السادات بقوله: "إن من يقرأ الدراسة التي قدمها الفريق أول محمد الجمسي قبل أكتوبر يستشعر صعوبة العلم العسكري؛ لأنها خلاصة أبحاث في علوم كثيرة ـ الفلك والظواهر الطبيعية - على مدار السنة، والحالة الجومائية، والمد والجزر، وحركة الرمال، والقمر فوق القناة وسيناء، وتطبيقها يعطي في النهاية إلى قواتنا أنسب الأوقات للهجوم والقتال"، وجاءت الضربة الجوية المركزة الساعة الثانية وخمس دقائق مساء يوم السادس من أكتوبر إيذانًا ببدء القتال، ولقد كان نجاحها إعلانًا بنجاح خطة المفاجأة المصرية؛ التي أسفرت عن فقدان العدو توازنه، وافتقاد قياداته لتوازنها، الأمر الذي جعلها تتخبط في إصدار قراراتها، وقد حسم الأمر حينها بأن النصر أصبح مؤكدًا في جانب العرب.
وسيظل يوم السادس من أكتوبر 1973 يومًا للعبور وقهر المستحيل والهزيمة على مدار التاريخ، الذي أعاد للمصريين عزتهم وقوتهم وكرامتهم، ووضع مصر على طريق التقدم والتنمية، وأصبح المصري فخورًا بجيشه المنتصر، وبقدرته على تحقيق المستحيل، وإعطاء دروس في فنون القتال والتكتيكات والمعارك الصغرى، والتي لا تزال تدرس في كبريات المعاهد العسكرية، فكل التحية لمن شاركوا في حرب أكتوبر 1973، والمجد والعزة لشهدائنا الأبرار الذين لم يبخلوا بدمائهم الذكية، وكذلك لروح بطل الحرب والسلام الرئيس محمد أنور السادات.