تواجه المستشفيات الحكومية عجزًا حادًا في عدد الأطباء، وفي المقابل يدفع المرضي أرواحهم ثمنًا لهذا العجز، فالموت هو المصير المنتظر لمريض ذهب إلى المستشفي ولم يجد الطبيب.. ليتحول يتحول الأمر إلى كارثة، باعتبار أن ملايين المرضى يقصدون مستشفيات الحكومة، نظرًا لتقديمها الخدمة العلاجية بالمجان.
موضوعات مقترحة
وبالرغم من أن الوظيفة الحكومية حلم كل مواطن، لما تتمتع به من مميزات وضمان اجتماعي، إلا أن غالبية الأطباء يهجرون هذه الوظيفة ويعزفون عن العمل بالقطاع العام، ويختارون القطاع الخاص أو السفر إلى خارج البلاد، الأمر الذي أدى إلى وجود عجز شديد في عدد الأطباء، فهناك أكثر من 120 ألف طبيب يعملون في الخارج من أصل 220 ألف طبيب..
..إضافة إلي وجود ما يقرب من 65 ألف طبيب يعملون في إحدى الدول العربية ما يثير التساؤلات.. لماذا يهجر الأطباء مستشفيات الحكومة؟ ومن المسئول عن حياة المرضى الذين يتأخر إسعافهم وعملياتهم لعدم وجود الطبيب؟ وطبقا للمعدل العالمي، فإنه يجب توفير طبيبًا لكل 350 مواطنًا، أما في مصر يختلف الوضع حيث يتوفر طبيب لكل 800 مواطنً.
"بوابة الأهرام" استعرضت أسباب هجرة الأطباء لمستشفيات وزارة الصحة في التقرير التالي..
يوضح الدكتور خالد سمير أستاذ جراحة القلب بكلية الطب جامعة عين شمس، أن الأطباء يهجرون مستشفيات وزارة الصحة بسبب بسوء أوضاع تلك المستشفيات، التي تعاني تدهور البنية التحتية ونقصًا في عدد الأسرة وغرف العناية المركزة والحضانات، وأيضًا غياب الأدوية الأساسية، كما تعاني المستشفيات من التكدس نظرًا لشدة الضغط عليها، حيث تقدم العلاج بالمجان.
ويشير د. سمير، إلي مجانية العلاج تسببت في خلق حالة من العداوة بين المرضي والأطباء، ساهمت بنسبة 90% في خلق ظاهرة التعدي علي الأطباء وطاقم التمريض بالضرب، موضحًا أنه بحسب ما تعلنه وزارة الصحة للمواطنين فإن العلاج داخل أي من المستشفيات التابعة لها يقدم بالمجان ولكن الواقع يشهد عكس ذلك فأقل ما يمكن الإشارة إليه هو نقص الأدوية الأساسية ما يجعل الطبيب يطلب من المريض شرائها من الخارج، ليفاجأ بأعباء مادية لم تكن في الحسبان، ويتحمل الطبيب هذه الأعباء، ظنًا من المريض أن الطبيب السبب في هذا النقص.
ويري أستاذ جراحة القلب أن أسباب حالة الاحتقان السائدة بين غالبية المرضي والأطباء خاصة العاملين بمستشفيات الحكومة، تتركز في غياب مصارحة وزارة الصحة للمرضي بالحقيقة وتصدير صورة مخالفة للواقع، وهي أن العلاج يقدم بالمجان وبالتالي عندما يجد المريض نفسه أمام عجز في الدواء ومطالب بشرائه، يعتقد أن الطبيب أو طاقم الخدمة الطبية يقوم باستغلاله، ليبدأ في توجيه غضبه الي الجميع، فضلا عن التعدي بالضرب.
في هذا السياق يقول أحمد رزق طبيب بأحد المستشفيات الحكومية، يكاد لا يمر يومًا دون أن يشهد أطباء الطوارئ وطاقم التمريض تعديًا من أهالي المرضي إما لفظيًا أو جسديًا، بسبب عدم توافر أماكن لحجز المرضي أو نقص في المستلزمات والأدوية الأساسية.
الدكتور خالد سمير يشير الي أن وزارة الصحة تختزل أسباب العجز الشديد في عدد الأطباء بالمستشفيات التابعة لها في هجرة الأطباء خارج مصر، والحقيقة أنهم يهجرون هذه المستشفيات لسوء أوضاع بيئة العمل التي أصبحت طاردة لهم، ويفضلون العمل في القطاع الخاص أو خارج البلاد.
أسباب التعدي على الأطباء والتمريض والمستشفى
لم يكن نقص المستلزمات الطبية السبب الوحيد لظاهرة التعدي علي الأطباء، بل أيضا المضاعفات التي قد يتعرض لها المريض أثناء إجراء عملية جراحية وخاصة العمليات الدقيقة، وهذه المضاعفات متعارف عليها في كتب الطب، إلا أن غالبية المرضي لا يعترفون بها ويصفونها بالخطأ الطبي والإهمال، ولذلك لا يتقبلون فكرة وفاة المريض وفور سماع خبر الوفاة، ينهضون بالتعدي علي طاقم الخدمة الطبية من أطباء وتمريض، بل يصل الأمر إلي التعدي علي المنشأة والأجهزة الطبية، كما حدث في واقعة معهد القلب في مارس الماضي، حيث تم تكسير أجهزة طبية بملايين الجنيهات.
ويتفاقم الأمر، ليصبح الطبيب أمام تهمة القتل الخطأ، وهو ما استنكره الدكتور خالد سمير قائلًا :" مصر تكاد تكون الدولة الوحيدة التي توجه تهمة القتل الخطأ للطبيب"، لافتًا إلي أن دور الطبيب هو إنقاذ حياة المرضي وليس قتلهم، وما يحدث هو عبارة عن مضاعفات متعارف عليها للعملية، إلا أن الغالبية تترسخ لديهم فكرة، أن ما حدث قتل خطأ وإهمال طبي وليس مضاعفات للعملية.
في هذا السياق، يقول محمد أمين طبيب بإحدى المستشفيات الحكومي، إنه وزملاءه يفتقرون الأمان أثناء ممارسة المهنة بل وأثناء تواجدهم داخل غرفة العمليات، فبالرغم من إبلاغهم أهل المريض قبل إجراء العملية بأنه توجد مضاعفات قد تحدث بعد العملية، إلا أن الغالبية أثناء حدوث المضاعفات يتهموننا بقتل مريضهم، وللأسف تتم ملاحقتنا قضائيًا.
ويضيف قائلًا: "يعني بدخل عملية لإنقاذ حياة مريض وأنا معرض للحبس وأسرتي معرضة للتشريد.. بسبب المضاعفات اللي ممكن تحصل".
ويقول صالح علي طبيب آخر يعمل بمستشفي حكومي: "بيئة العمل في مستشفيات وزارة الصحة قاتلة ومحبطة للأطباء".
ويعيش الأطباء حالة من الإحباط، بسبب تعدي أهالي المرضي عليهم وتحميلهم ذنب الوفاة لمريضهم ويعيش الإحباط بنسبة أكبر الأطباء العاملين بالمستشفيات الحكومي، وذلك لتحميلهم ذنب تدهور البنية التحتية ونقص الإمكانات، كما تقول الدكتورة سارة بهاء الدين أخصائي جراحة قلب بأحد المستشفيات الحكومية: "حياتنا معرضة للخطر بسبب عدم وجود سرير أو غرفة عناية، وأهل المريض لا يتفهمون ذلك ويحملوننا مسئولية هذا النقص، كما أنهم يتعاملون مع المضاعفات علي أنها قتل خطأ فنصبح معرضون للسجن"، وتتساءل: كيف لنا أن نعمل وسط هذا الضغط النفسي والذي يغلفه عدم الآمان!! ".
إن العزوف المستمر للأطباء عن العمل بمستشفيات وزارة الصحة سواء لسوء بيئة العمل ونقص الإمكانات أو للفهم الخاطئ لمضاعفات العملية، يهدد حياة المصريين.. فالملايين يقصدون مستشفيات الحكومة لأنها تناسب أوضعاهم الاقتصادية الصعبة وبالتالي إن لم تعالج هجرة الأطباء من تلك المستشفيات ستصبح أمام مرضي تتأخر حالاتهم الصحية، حيث الطبيب بين مستويين، أولهما الامتناع عن العمليات الصعبة التي تحتمل حدوث مضاعفات، والثاني هجر المستشفي لسوء بيئة العمل ونقص الإمكانيات، وفي النهاية فإن أرواح المرضى هي الثمن.
ماهي الحلول؟
يقول الدكتور إيهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء، إن مشروع قانون المسئولية الطبية سيحقق العدالة لكل من الطبيب والمريض، حيث ينص علي إنشاء لجنة عليا للمسئولية الطبية هذه اللجنة تضم أطباء متخصصين يقومون بالفصل في الواقعة وتحديد ما إذا كانت خطأ طبيًا أم مضاعفات وارد حدوثها، كما أنه يتضمن سداد الأطباء لتأمين إجباري، وفي حال إقرار اللجنة بأن ما حدث خطأ طبي أو إهمال، يتم دفع التعويضات لأهل المريض من هذه التأمينات.
ويضيف، أن بيئة العمل بالمستشفيات الحكومي بحاجة ضرورية إلي التطوير، إضافة الي إقرار مشروع قانون المسئولية الطبية.
من جانبه، يقول الدكتور أيمن أبو العلا وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن اللجنة في انتظار رد الجهات القضائية علي المواد الخاصة بالأخطاء الطبية الواردة، ومسألة حاكمة الأطباء.
ويعلق الدكتور خالد سمير أستاذ جراحة القلب قائلًا :" لا أتوقع أن يمر قانون المسئولية الطبية.. لأن القضاة ضده حيث يرون عدم حبس الطبيب تمييزًا له عن بقية المواطنين، ويجب أن نوضح لهم أننا فقط نريد الفصل بين المضاعفات الوارد حدوثها بعد العملية والخطأ الطبي حتي لا يُظلم أحد".. وبين إقرار قانون المسئولية الطبية وتعويض نقص الإمكانات بالمستشفيات الحكومية تواجه حياة ملايين المرضي خطر الوفاة.
دكتور خالد سمير استاذ جراحه القلب
دكتور ايهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الاطباء
دكتور ايمن ابو العلا وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب