Close ad

شينجيانج لم تكن "تركستان الشرقية"

4-8-2019 | 20:47

التزامًا بما تعهدت به أمام القارئ، في مقالي الأسبوع الماضي، أعرض اليوم تعقيبين مهمين، من بين التعليقات العديدة، التي تلقيتها، بخصوص ما جاء في كتاب أبيض، أصدره مكتب الإعلام، التابع لمجلس الدولة الصيني.

الكتاب يوضح أن منطقة شينجيانج ظلت دومًا جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وأن الإيغور ليسوا أحفاد الأتراك، وأن شينجيانج لم تكن أبدًا "تركستان الشرقية".

التعقيب الأول تلقيته على البريد الإلكتروني بعنوان: الأويغور ليسوا "أحفاد الأتراك"، بل هم "أبو الأتراك"، من عبد الرشيد كلام Abdurexid Qelem.

من وجهة نظري، الرسالة تردد النزعة الانفصالية المناوئة للصين، كما تأتي ممن يتبنون التوجهات الاستقلالية، لما يسمى بـ"تركستان الشرقية"، لأهداف سياسية معروف مصدرها الخارجي، بغرض بث الفتنة في صفوف 56 قومية صينية.

وإلى نص الرسالة الأولى:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت مقالكم المعنون "الإيغور ليسوا أحفاد الأتراك"، نقلًا عن محاضرة للسفير الصيني.. والصين- مادامت دولة احتلال- من حقها تقول وتكتب ما تشاء، لكن الحقيقة واحدة لا تتغير.

هناك حقيقة ثابتة بأن "الإيغور" قبيلة من قبائل الأتراك، وأن الأتراك موطنهم جبال "آلتاي" وما جاورها، منذ آلاف السنين، وأن جبال "آلتاي" في وسط تركستان الشرقية، التي تسميها الصين "شينجيانغ".

أنا متأكد أنتم ذو اطلاع لما يجري هناك، وأن الشعوب المسلمة في تركستان الشرقية يتعرضون لإبادة ثقافية وجسدية ممنهجة، وأن الملايين في معسكرات الاعتقال لتغيير ثقافتهم وعقيدتهم.

الرجاء البحث عن تاريخ المنطقة ككاتب محايد، لا تنسوا أن الدنيا لها آخرتها، وأن هناك حسابًا لكل كلمة قلناها أو كتبناها، والله يحفظكم.

التعقيب العلمي والأكاديمي الثاني، تلقيته من الدكتور أحمد الصاوي، أستاذ مساعد متفرغ – كلية الآثار- جامعة القاهرة، وفيما يلي نصه:

قبل الحديث عن "الإيغور"، وهويتهم التركية، وعلاقتهم بالمصطلح الجغرافي "التركستان الشرقية"، ينبغي أن نشير- بداية - إلى أن الحديث يبقى بعيدًا عن تناول أوضاع "الإيغور" الدينية، داخل الجمهورية الصينية، فذلك أمر يحتاج لحديث مستقل.

يجب الإشارة - بداية - إلى أن مصطلح "الترك"، في الإطار التاريخي، لا يتطابق مع المفهوم الحديث للقومية التركية، "الإيغور" ترك، نعم، هم من قبائل الترك، وكانت لهم أبجديتهم "الإيغورية" التي تختلف عن أبجدية "أورخون" التركية، وظلوا محافظين عليها، ولقنوها للمغول في منغوليا.

وعندما غزا "جنكيز خان" الشرق الإسلامي، كان كتبته من "الإيغور البوذيين" وحرروا مكاتبات المغول بالخط "الإيغوري"، وورد - كذلك - على النقود المغولية، حتى بعد اعتناقهم الإسلام؛ بل.. ونجده - كذلك - في مخطوط من كتاب "معراج نامه".

مهما يكن من أمر، فإن قبائل الترك المختلفة كانت تتحرك في السهوب الآسيوية، وتتباين مناطق استقرارها، تبعًا لعوامل شتى، أهمها، الحروب والصراعات بينها وبين الأمم المجاورة، ثم الحروب القبلية فيما بين تلك القبائل التركية.

لذا، يجب الحذر عند تناول الانتشار الجغرافي للترك، واعتبار أن كل موطئ قدم أقاموا فيه هو "تركستان"، ولاسيما في القرون الأخيرة من العصر القديم، وكذلك القرون الأولى من العصور الوسطى.

والثابت تاريخيًا، أن مصطلح ترك لم يستخدم قبل القرن الـ 6 م، ظهر "الإيغور" كخلفاء للأتراك الغز في "قراقورم"، وحكموا منغوليا، التي تقع شمال مناطقهم الحالية، لمدة قرن واحد (745-840 م)، وانهزموا أمام "القرغيز" الترك، القادمين من الغرب.

توطن "الإيغور" بعد هزيمتهم منطقة "غانجزو" Kan tcheou ، وأزاحوا منها "التانكوت"، أهل التبت، الذين سبق لهم أن غلبوا الصينيين، في تلك المنطقة، في القرن الـ 11 م، وأسسوا دولتهم، التي غزاها المغول، في القرن الـ 14 م.

ثمة خلط بين دولة "القراخانيين" الإسلامية، التي أسسها "بـغراخان" وبين "الإيغور"، وكذلك ظن بأن دولة "القراخانيين" نشرت الإسلام بين "الإيغور".

جلية الأمر أن "الإيغور" لم يدينوا بالإسلام في مواطنهم، التي انتقلوا إليها بعد هزيمتهم أمام "القرغيز"، حسب الوثائق التي تعود للقرن الـ 9 م.

كانت "المانوية" هي الديانة الغالبة، وبعد قرنين، تراجعت أمام البوذية والمسيحية، وعلى هاتين الديانتين، كانت طبقة "البخشي" من "الإيغور"، الذين جاءوا مع جحافل "هولاكو" لبغداد.

الخلاصة - هنا - أن المطابقة بين الأجناس والأعراق، وبين خرائطهم الجغرافية، أمر محفوف بالمخاطر العلمية، ولاسيما إذا كان الأمر متصلًا بقبائل مرتحلة بطبيعتها، في منطقة مثل السهوب الآسيوية.

أعود وأؤكد بأن "الإيغور" ترك نعم، لكن ليس بمفهوم القومية التركية الحديثة، هل مناطقهم هي مواطنهم الأصلية؟.. حتمًا لا...

انتهى تعقيب علمي - أكاديمي - محايد، في رأييي، للدكتور أحمد الصاوي، وأظن أن قضية إقليم شينجيانغ، والقومية الإيغورية الصينية، سوف تظل تستخدم شوكة في ظهر الأمة الصينية، وأداة سياسية يجري توظيفها، بين حين وآخر، لتقسيم الصين، أو على الأقل، وقف نموها الاقتصادي والاجتماعي المتسارع.

بدعوى أن الشعوب المسلمة فيما يسمى بـ "تركستان الشرقية" تتعرض لإبادة ثقافية وجسدية ممنهجة، وأن الملايين في معسكرات الاعتقال، عكس الواقع!!

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: