الكثير من المؤرخين تناولوا الحياة الأخيرة لمحمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، والذي توفي في مثل هذا اليوم 2 أغسطس عام 1849م، فالرجل الذي عانى في أخريات حياته من المرض تم نقل جثمانه من الإسكندرية للقاهرة علي متن سفينة بخارية سلكت قناة المحمودية ثم أخذت طريقها عبر النيل ثم وضع جثمانه في مسجد القلعة الكبير دون أي تشريفات.
موضوعات مقترحة
وتولى محمد على في ١٧ مايو سنة ١٨٠٥، حكم مصر ثم تخلص من نقيب الأشراف عمر مكرم الذي كان من ضمن الأعيان المصريين الذين نصبوه حاكماً علي مصر، ثم تخلص من المماليك بمذبحة القلعة في سنة ١٨١١، وقد استطاع محمد على أن يجعل من مصر دولة عصرية، واستعان في مشروعاته الاقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين.
المؤرخ جبلبرت سينويه في كتابه الفرعون الأخير محمد علي والصادر من منشورات الجمل يؤكد أن محمد علي أنجب ثلاثين طفلا 17 ولدا ذكرا و13 بنتا، ومن بين هذه الذرية الكبيرة لم يصل إلي سن النضج من أولاده إلا ثلاث بنات وهن توحيدة زوجة محرم باي وماتت عن عمر الثلاثين عاما، ونازلي زوجة محمد باي الدفتردار وماتت بعد وفاة والدها ب10 سنوات، وزينب وتوفت في عمر 59 سنة وزينب تزوجت الوزير الأعظم يوسف كمال وطلقت منه بعد أن رأته يخونها مع أحدي الإماء في قصره.
لم يبق من أولاده الذكور سوى 7 أولاد وهم : إبراهيم باشا وطوسون وإسماعيل وسعيد وحسين وعبدالحليم ومحمد علي الصغير، وكان من كل أبنائه أكثر شبها به هو إبراهيم باشا الذي كان يصمم علي التحدث بالعربية بغض النظر عن الجدري الذي أصاب وجهه.
قدم المؤرخون وصفا دقيقا لمحمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، فهو كان قصير القامة بصدر واسع وكان قوي الجسد شديد البنيان حد أنه بضربة سيف واحدة يمكنه فصل رأس ثور عن جسده، وعلي الرغم من بدانته إلا أن نشاطه وحيويته كانا باديين عليه وكانت ملامح وجهه واضحة متناقسة بحاجبين كبيرين ونظرة متحجرة وشفتين غليظتين بعض الشيء ولحية خفيفة تميل إلي اللون الرمادي، أما قهقهة ضحكاته فتكشف أنه رجل معتاد علي الزراية والاحتقار للأشخاص حدا يفوق الخطر، وكان محمد علي يحافظ علي ملامحه الهادئة .
الباحث جليبرت سينويه في كتابه ينقلنا إلي بداية مرض محمد علي باشا في عام 1846، وهو عام مرض ابنه إبراهيم باشا نجله أيضا الذي كان واقعا تحت تأثيرات ماكان يقال إن محمد علي سيعيش بعد إبراهيم " حيث كان على الباشا أن يتنقل في أوربا بحثا عن شفاء بدون جدوي حيث وصل الباشا الكبير إلى مرحلة الجنون.
دخل محمد علي باشا في صمت مطبق وكان يسأل نجله إبراهيم هل مرضه خدعة أم حقيقة، إلا إن محمد علي باشا وهو متواجد في نابولي بإيطاليا يسمع بأحداث الثورة في فرنسا وإعلان الجمهورية وقد أصابه تنازل لويس فيليب عن العرش بحالة من الذهول الشديد فقد كان متعلقا بقلبه وروحه بشدة بالملك المخلوع فيدخل في نوبة غضب وجنون مهددا أنه حين يرجع إلي مصر سيجهز جيشا ويتجه به إلى فرنسا لعودة الملكية.
بدأت صحته تتدهور بشكل كبير وتم استدعاء الأطباء له ليأكدوا أنه صار طفلا صغيرا مما جعل الوزراء يقررون الوصاية عليه وأن يكون إبراهيم باشا هو الحاكم الفعلي والذي توفي قبل والده الذي قبع في رأس التين، وحين سمع بوفاة نجله قال "كنت أعلم ذلك لقد حبسني وكان قاسيا معي كما كان مع الجميع إن الله قد عاقبه وأخذ روحه لكن وبما أني والده علي أن أتوسل إلي العلي القدير بأن يرحمه.
عندما أتى له عباس حلمي الأول قال له إن "إبراهيم قد سجنني فأخذ الله روحه لاتتصرف معي مثله إذا أردت ألا ألعنك أيضا"، إلا إن محمد علي باشا كان سجين جنونه فقد كان يرى نفسه علي رأس جيش ليعيد لويس فيليب إلي عرشه أو علي رأس جيش ليحارب أعداء وهميين، وبعد 9 أشهر يطرق الموت بابه حيث تم نقل جثمانه إلى القاهرة من دون أي طلقة مدفعية ومن دون موكب تشريفات وكان ذلك بأوامر حفيده عباس حلمي الأول الذي كان يعادي حركة التحديث.