نهر النيل (1)
عندما قررت أن أكتب عن نهر النيل ضمن سلسلة مقالات "سر الحضارة"، كان أول ما ورد إلى ذهني واستوقفني كثيراً قصيدة "النهر الخالد" للشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل وهو يصف النيل بــ "مسافر زاده الخيال"، وأظن كل الظن أنه لم يدر بخياله يوماً أن ذلك المسافر قد يأتي عليه وقت ليمضي رحلته الطويلة وزاده ليس الخيال ولا السحر ولا الظلال، ولكن الخيال والقلق والانشغال بمستقبل الإنسان الذي يحيا على طول ضفافه.
وكما استوقفتني قصيدة النهر الخالد، استوقفتني أيضاً أشهر المقولات عن نهر النيل والتى تتردد على ألسنة الناس كلما جاء الحديث عن النهر الخالد؛ هى مقولة المؤرخ هيرودوتس عندما زار مصر عام 460 قبل الميلاد، حيث قال: "مصر هبة النيل"، ولولا وجوده لكانت مصر مجرد امتداد للصحراء الجرداء.
وبرغم صدق تلك المقولة إلا أننا نعتقد أنه لولا عزم وجهد أبناء مصر منذ أقدم العصور، ولولا إدراكهم الواعي لقيمة المياه وأهميتها، ما أمكن تطوير النهر بجميع أشكال الحياة الموجودة حوله، لنرى أول مجتمع إنساني منظم، وأول حضارة فى تاريخ البشرية.
لقد استطاع أبناء مصر ترويض ذلك المارد العملاق المنطلق من أقصى الجنوب، واستخدموا مياهه أفضل استخدام لتقوم على ضفاف النهر العظيم أول حضارة إنسانية ظلت تبهر العالم حتى تلك اللحظة، إن إدراك الإنسان المصري لقيمة هذا النهر العظيم، هي التي جعلته يهبه عرقه ومجهوده عن طيب خاطر؛ ولذلك أقول إذا كانت مصر هبة النيل كما قال المؤرخ هيرودوتس، فلا جدال في أن النيل هو هبة المصريين.
كاتب المقال: استشارى شئون المياه
[email protected]