Close ad

"السوريون منورين مصر"

16-6-2019 | 01:28

كانت فرصة طيبة في الأيام الأخيرة لاستعادة الروح المصرية المرحبة بالضيف أو الـ"مؤنسة لذوي الغربة"، على حد وصف ابن بطوطة في كتابه "تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وذلك من خلال هاشتاج: "السوريون.. منورين مصر".. والتي وصلت نسبة تداوله بالملايين.. هاشتاج مفاجئ كأنه هبط من السماء، لدرجة أن كثيرين لم يكونوا يعرفون السبب، ومنهم الفنانة السورية كنده علوش، التي تساءلت عما يحدث، وهل هناك سبب أم مجرد موجة حب جماعية عفوية، وإن كتبت "شكرًا.. والمصريين منورين الدنيا"..

وعلق كثيرون وفي المعظم تعليقات شديدة الإيجابية تجاه السوريين، ومن بينها تعليقات لفنانين مصريين على رأسهم محمد هنيدي، وكذلك أدباء وصحفيون، ورأي عام، لو أجملناها في النهاية سنجد استفتاءً على الوجود السوري في مصر وبنسبة 99 % نعم..

والحكاية، أن محام اشتهر بتحريك قضايا ضد فنانين لأسباب متنوعة، قام بتقديم مذكرة للنائب العام في مصر يطالب فيها بفرض رقابة قانونية على الاستثمارات التي يملكها سوريون في مصر وثرواتهم ومصادرها الخفية.

والحقيقة أن المحامي - برغم المذكرة التي وجدت استنكارًا فادحًا - أتى على ذكر محاسن السوريين المقيمين في مصر من "وجه بشوش وكلمة حلوة وابتسامة، مع كرم حاتمي مثلت الجسر الذي عبر عليه السوريون إلى قلوب المصريين"، و"كانت بمثابة جواز المرور لبقائهم على أرض المحروسة، وخلال فترة قصيرة نجحوا؛ برغم ظروف الحرب والهجرة واللجوء في تحقيق ذاتهم" و"فرضوا وجودهم بين العمالة المصرية؛ بل وتفوقوا عليها"..

ولا أعرف خصالًا أخرى ينبغي أن يتحلى بها الضيف أكثر من ذلك، ولهذه الأسباب نفسها نجح المصريون في أوروبا وأمريكا، فاحترمهم الجميع من دون أن يفكر أحد في تحريك دعاوى قضائية ضدهم على حد علمي.. وبرغم ذلك، فإن المحامي مقدم المذكرة تحدث عن نمط استهلاكي مبالغ فيه، وترف مفرط للسوريين في المناطق التي يعيشون فيها في القاهرة وحولها..

لا يعيش السوريون في مصر في ترف مفرط؛ إنما يعملون ويتكسبون ويعيشون حياة تكاد تلامس الطبقة الوسطى المصرية أو أقل مستوى، ومن يعش مثل الطبقة الغنية المصرية، فإنهم هؤلاء الذين جاءوا بأموالهم للاستثمار في مصر..

فمنذ العام 2012، ويأتي سوريون هربًا من جحيم الحرب، والناس في مصر رحبت بهم، الحكومة والشعب، ولم تكن أحوال البلد جيدة، ورمى المصريون وراء ظهورهم أي توجس من الوجود السوري، لأن المشاهد في الأخبار نقلت ويلات الحرب في سوريا، والحقيقة التي ينساها كثيرون هي أن مصر وسوريا كانتا بلدًا واحدًا في عهود كثيرة وليس فقط في أيام الوحدة قبل نصف قرن..

وسرعان ما وضع السوريون بصمتهم على الحرف والمطاعم والكافيهات والمحال التجارية وصناعة الملابس والعطور، لقد رأينا فيهم أمانة ونظافة ومبادئ ومهارة، وعدم مغالاة في الأسعار أو الأجور.

فأصبح للسوريين وجود دامغ، خصوصًا في المدن الجديدة، أو شبه الجديدة في مصر مثل أكتوبر وزايد ومدينة نصر والرحاب وغيرها، وأيضًا في الإسكندرية.. ويقدر السوريون المقيمون في مصر محبة غالبية المصريين لهم.

هم يواجهون مشكلات وأزمات، ولكن المصريين أيضًا يواجهون مشكلات وأزمات، وقصص نجاح السوريين في مصر من العامل البسيط إلى المستثمر تحتاج إلى مجلدات.. والاستياء من المذكرة المرفوعة للنائب العام شمل برلمانيين، واعتبروها في إطار "حملة تشويه" من قبل التجار الذين فشلوا في مجاراة النجاح السوري.

كاتب المذكرة قدر حجم استثمارات رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال السوريين في مصر بـ23 مليار دولار، وهو رقم لم تؤكده أي جهة مالية أو رقابية، والأمم المتحدة تتحدث عن 800 مليون دولار من خلال 30 ألف مستثمر مسجل، أما عدد السوريين في مصر فيتراوح بين الـ130 ألفًا المسجلين في الأمم المتحدة والـ500 ألف حسب تقديرات غير رسمية.

وبرغم مظاهرة الحب المصرية تجاه السوريين الذين يعيشون بيننا؛ فإن البعض من ضيقي الأفق لا يعجبه هذا، وناهيك عن أن السوريين كشفوا حقيقة أن مصر بها فرص عمل، وكان كثيرون يتحدثون عن غيابها، فإن هناك تغافلًا عن ملايين المصريين الذين يعملون في الدول العربية وغيرها ولا يحب أحدنا أن يُنظر إليهم بنظرات الشك والريب..

إن المتعة في تحريك الرأي العام أو النائب العام ضد فستان أو فيلم يمكن أن تمر أو ترسم الابتسامة فوق شفاه البعض، لكن لا متعة منتظرة من الغوص في أوجاع شعب محترم وعظيم، والحديث عن غسيل أموال، بدلًا من أخذ الدروس من نجاح أبناء هذا الشعب برغم المعاناة، في الوقت الذي تجيد فيه الحكومة المصرية مراقبة أي تحويلات مالية مشبوهة.

إن مذكرات من مثل هذا النوع يمكن أن يُسكب فيها الكثير من التعليقات، ولن تكون كلها إيجابية، فقد يبدر من أحدهم تعليق يشعل النيران من دون أن يرمش له جفن.

لن تكون مدينة 6 أكتوبر - حيث أعيش - كما هي بعد مغادرة السوريين عند حل الأزمة السورية، بخصالهم الحميدة، وأسلوبهم في المطاعم والمقاهي والمحال التجارية، لكن قطعًا سيتركون بصمات لن تنمحى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة