"السيستم واقع" جملة كنا نسمعها أحيانًا عندما نتعامل مع إحدى الجهات الحكومية، أو نحن ندفع فاتورة النت، وقليلا ما نسمعها في تعاملنا مع البنوك.
إلا أن هذه الجملة أصبحت شائعة، ودخلت كل بيت منذ قرر وزير التعليم طارق شوقي، عمل منظومة جديدة لتطوير التعليم، على أن يبدأ تطبيقها على الصف الأول الثانوي هذا العام.
ومنذ بدأت هذه المنظومة والوزير يواجه هجومًا عنيفًا من أساتذة التربية بجامعة عين شمس، وإذا كان من الطبيعي أن أي مشروع جديد لابد أن يكون له أعداء، هم أعداء التطوير، وأصحاب الفكر المتجمد، الذين يقفون أمام أي تطوير أو أمام أي جديد، إلا أن هؤلاء الأساتذة ليسوا بالحاقدين، أو جامدي الفكر، وإن ما طرحوه من أفكار يجب أن يؤخذ في الحسبان عند تقويم التجرية؛ لأن هدفهم وهدف الوزير واحد وهو التطوير، وإن اختلفت السبل.
ففكرة أن يكون الامتحان عن طريق "التابلت" قد فشلت تمامًا خلال النصف الأول من العام الدراسي، ومع ذلك أصر الوزير على أن تطبق في النصف الثاني من العام الدراسي، برغم عدم توافر البنية التحتية التي تساعده على نجاح التجرية.
فكثير من المدارس لم يكن بها شبكة نت، سواء في قلة من المدارس الحكومية، وكثير من المدارس الخاصة، فكان على طلابها أن يذهبوا للامتحان في المدارس الحكومية في فترة مسائية بعد أن ينتهي طلابها من الامتحانات، كما أن طلاب المدارس الحكومية لم يكونوا أحسن حالا، فقد كان "السيستم واقع" في بعض الأحيان، فكان عليهم الامتحان ورقيًا، وأحيانًا إذا جاء السيستم يتم الامتحان إلكترونيًا، وأحيانا كان السيستم يقع والطالب لم يرسل بعد إجاباته النهائية، مما سبب لهم بلبلة أدت في النهاية إلى مظاهرات من الطلبة ضد هذا النظام الجديد.
والحقيقة التي يجب أن يعترف بها الجميع، أن التعليم في حاجة إلى تطوير، بعد أن خرجت مصر من التصنيف العالمي للتعليم، وكما نعلم جميعًا أن تقدم الأمم يكون بالتعليم ثم التعليم ثم التعليم، ولذلك على وزارة التربية والتعليم أن تقيم التجربة هذا العام لتلافي سلبياتها.
ولعل أول وأهم هذه السلبيات هي عدم توافر بنية أساسية للإنترنت في المدارس؛ ولذلك كان يجب أن تطبق التجربة جزئيًا في بعض مدارس المتفوقين مثلا أو محافظة القاهرة فقط، على أن تعمم التجربة على مراحل حتى تشمل جميع مدارس الجمهورية، عندما تتوافر بها البنية الأساسية لهذا التطوير، أما أن نهتم بالتابلت، ومازال هناك عجر كامل في الفصول، ومازالت الفصول تمتلئ بحوالي خمسين طالبًا في الفصل، بل إن هناك طلبة تفترش الأرض لعدم وجود مقاعد للجلوس، فهنا الأولويات معكوسة، فلنوفر المدارس أولا والمقاعد ثانيًا، والبنية التحتية ثالثًا ثم نبدأ في تطوير التعليم من حيث الوسائل التكنولوجية.
وإذا كانت تجربة امتحانات "التابلت" عليها الكثير من الملحوظات، فإن فكرة "التابلت" في حد ذاتها فكرة جيدة، إذا استخدمناها في تحميل المناهج الدراسية عليها للطلبة، بدلا من طباعة الكتب المدرسية التي تطبعها الدولة سنويا وتتكلف الملايين، ثم لا يستفيد منها أحد، بل يلجأون إلى الكتب الخارجية، برغم أنها لا تتميز عن كتب الوزارة بشيء، على أن ينزل باستخدام "التابلت" تدريجيًا ليبدأ من الصف الأول الإعدادي بدلا من الثانوي، على أن تكون الامتحانات ورقية إلى أن تتوافر البنية التحتية التي تسمح بعقد امتحانات إلكترونية.
أيضًا نحن بحاجة إلى تطوير التعليم من حيث المناهج وطرق التدريس وتدريب المدرسين، ورفع شأنهم ودخولهم المادية، وطرق الامتحانات، وتجريم الدروس الخصوصية، وغلق السناتر الدراسية، قبل الاهتمام بالتابلت، الذي هو وسيلة للأداء وليس في صلب العملية التعليمية.
أيضًا هناك نقطة مهمة، أن بعض طلاب أولى ثانوي كانوا يشكون من أن الامتحانات من خارج الكتاب؛ لأن النظام الجديد يعتمد على الفهم والتطبيق وليس الحفظ، كما رد خبراء وزارة التعليم عليهم، فهل يصح أن نطور التعليم ما قبل الجامعي، ثم يذهب الطالب للجامعة، ليجد أن الدراسة فيها تعتمد على الحفظ وليس الفهم والابتكار؟ إذن نحن نحتاج إلى أن يتم تطوير شامل للتعليم، ويكون تطوير التعليم الجامعي موازيًا لتطوير التعليم قبل الجامعي، حتى يتخرج طلاب على الفكر والفهم والمناقشة، وننشئ جيلا يأخذ بمصر إلى الصفوف الأولى من الدول، فربما وقتها تختفي من حياتنا جملة "السيستم واقع".
[email protected]