فى العشر الأواخر من رمضان يصل الصائم إلى أعلى درجات العبودية، وهى درجة الإحسان بأن يعبد الله كأنه يراه، فلا يقع في المحظور، ويصون سمعه وبصره وبطنه وجميع حواسه، بحيث تكون جميعا في مقام مراقبة الله تعالى كما كان عليه حال السلف الصالح، وكما قال جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم".
ويقول رسول الله: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" وهو تفسير لقوله تعالى: "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، فالإحسان يرقِّي العبد إلى "درجة المحبوبية" لله، وأول ذلك؛ الإحسان إلى النفس بالعمل فيما ينفعها بحسن التعبد لله، وصدق الإيمان، وأداء الأركان، والرضا عن الرحمن، وحسن التوكل عليه، والمحبة لله ورسوله، وكثرة ذكره وشكره، ويأتي في المرتبة الثانية الإحسان إلى الناس بما ينفعهم، من القول والفعل الحسن، فقد أمر الله تعالى بأن يكون قول المرء دائماً حسناً "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"، وخصّ غير المسلمين بالذكر في آيات أخرى كما في قوله سبحانه "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" وقوله: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".
وأمرنا الله بالفعل الحسن في جميع الأعمال، ولا سيما في مقام التعامل مع الناس وحواراتهم كما قال تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم” أو في عمل الإنسان لنفسه كما قال صلى الله عليه وسلم: “أحسنوا صلاتكم، وأتموا ركوعكم وسجودكم”
واللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين لإحسانهم إلى أنفسهم بالإيمان والعبادة والاستقامة، وإحسانهم لغيرهم بالقول والفعل والعطاء، فإذا كان كل ذلك حاصلاً للمحسنين عموماً ففي شهر رمضان يكون الإحسان أعظم ثواباً، فتعالوا نلتزم هذه الصفة الرائعة.