الحضارات المائية فى أمريكا اللاتينية
تشير أشكال وأنماط منشآت الري وشبكات المياه التي لا تزال باقية في أمريكا اللاتينية إلى وجود حضارات مائية قديمة، يرجح ظهورها قبل وصول كريستوفر كولومبس إليها.
على الشاطيء الجنوبي لدولة "بيرو"، قدر الخبراء والمتخصصون أن النشاط الزراعي قد ظهر في حوالي عام 1500 ق.م، ولاحظوا وجود شبكات ري متطورة تعتبر سببًا مباشرًا لتطور الزراعات المروية وانتشارها في الوديان المختلفة للوفاء باحتياجات السكان.
بالنسبة للنظام الإداري، كانت إدارة المياه تتركز في أيدي النبلاء في المقاطعات والولايات المختلفة، فكانت الأرض وموارد المياه تحت رقابة وسلطة الولاية، وكانت الضرائب تتخذ شكل العمل الإلزامي في الأراضي الزراعية المملوكة للدولة أو في الأشغال العامة أو الجيش، أو في خدمة الإمبراطور والنبلاء. كما وجدت وظيفة مهندس المياه إلى جانب غيرها من التخصصات التي اندرجت تحت مسمى الموظفين الحكوميين المدنيين.
على جانب آخر، ظهر في أمريكا الوسطى نظام الري الواسع والشامل بشكل ملحوظ، وبخاصة في منطقة Tecomaltepec، وظل هذا النظام قائمًا حتى العصر الحديث؛ فكان يتم تحويل المياه من السدود وتوزيعها على الأراضي من خلال شبكة كبيرة من الترع والقنوات التي كانت تتم أعمال إصلاحها وصيانتها بشكل منتظم.
وكان القانون يمنح المشاركين في تشييد الأشغال المائية ميزة كبيرة؛ حيث كان يحق لهم وحدهم الاستفادة من مياه الري، وقد يكون ذلك لتشجيع الغير أن يحذوا حذوهم، والجدير بالملاحظة أن تلك الحضارة قد تميزت بوجود نظام خاص وترتيبات دقيقة لتوزيع المياه وتخصيصها للمستخدمين الذين كانت قنوات المياه تمر في أراضيهم، وأيضًا من كانوا يستخدمون مياه النهر من المجرى الرئيسي مباشرة.
وتشير الدلائل إلى وجود إدارة مركزية للمياه في Tecomaltepec كان يناط بها مسئولية توزيع وتخصيص مياه الري على المزارعين على أساس المناوبة أو الدورات، علاوة على أعمال صيانة الأشغال المائية.
أما بالنسبة لنظام العقوبات المتعلقة بالمخالفات والجرائم ذات الصلة بالمياه، فقد تميز عن غيره من الأنظمة في حضارات أخرى،حيث تمثلت العقوبات في الحرمان من الحصول على المياه، إما بشكل مؤقت لفترة معينة، وحتى نصل إلى المنع الكامل من استخدام المياه، وبما يعكس الإدراك والوعي لقيمة المياه، وأن أكبر عقاب على المساس بها هو الحرمان منها.
كاتب المقال: استشاري شئون المياه
[email protected]