بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء، عاد الشعر ليتصدر المشهد الأدبي فيكِ يا مصر، شعراؤك الذين قاوموا تراجع معدلات القراءة وسخافات بعض الناشرين الذين يعرضون بجانبهم كلما سمعوا كلمة "ديوان" ها هم يصولون ويجولون بإبداعات مدهشة تشرح القلب الحزين.
طوفان من الدواوين صدرت تباعًا لكوكبة من فرسانك تعيد الثقة في قدرة القصيدة على التغيير، وتثبت أن الشعر حقًا وصدقًا ديوان العرب ودرة التاج على رأس لغة الضاد:
أسكن أطراف المدينة
بعد الموتى بقليل.
الرجال الذين رحلوا منذ زمن.
نبتت مكانهم أشجار تحمل هيئاتهم وملامحهم
وفي غفلة من الجميع
خزنوا مشاعرهم في الأغصان الغضة والورق الأخضر.
تركوا أوجاعهم في مهب الريح.
هنا.. حيث أسكن.
كلما اتكأت على شجرة أسمع أنينًا مكتومًا.
ومضات غامضة
لروح تفتش عن مسارها الضائع.
هكذا يغرد محمد الكفراوي للحزن والشجن في ديوانه "بعد الموتى بقليل"، أما عزمي عبدالوهاب فيطلق رصاصة على الجميلة الخائنة في "ذئب وحيد في الخلاء":
كنتِ جميلة
بشكل لم أحتمله
وكان لابد أن تخوني
من قضيتِ الليل ساهرة
لأجله
ولأجله أيضًا
كدت تموتين
بالغاز ثلاث مرات!
ويرتدي محمد الحمامصي قميص الشجن وهو يتلو قصيدته الحزينة في ديوانه الأخير "يده الأخيرة":
لم تكن تريدُ
وكان كلُّ شيءٍ في عينيه
يتابعُ إحكامَ قبضتِها على روحِهِ
كان يقتربُ
يأخذُها إلى صدرِهِ
يغرسُ ذراعيها في ظهرِهِ
يحملُها إلى جبلٍ يشبهُ البحرَ
كلُّ شيءٍ في عينيه
كان يقتربُ
ويكفي أن تعرف اسم ديوان محمود خير الله "الأيام حين تعبر خائفة" لتتوقع كما غير مسبوق من الرهافة والجمال يعززه كلمات الشاعر الكبير الشاعر فتحي عبد السميع، وهو يعلق على هذا الديوان قائلا: "يحمل محمود خير الله على كتفيه معاناة أجيالٍ وأسلاف، لكنه لا يصرخ أبدًا، يحلم بالتحول إلى شجرة تحنو على المُتعبين، أو جسر يعبرون عليه، ويحاول تحريك الأوضاع الساكنة؛ من خلال تحريك النظرات المتجمدة للعالم"
تحيا مصر
يحيا الشعر!