استكمالًا لما كتبناه فى هذه الزاوية الأسبوع الماضى، حول إعداد هيئة كبار العلماء بالأزهر لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي يتضمن مقترحًا لتقنين تعدد الزوجات، إلا للضرورة الملحة، وهو ما طرحنا آراء المؤيدين والمعارضين له، إلا أن مشروع القانون يتضمن قنابل أخرى لا تقل جدلًا عن منع تعدد الزوجات منها: من له حق حضانة الطفل، وقانون الرؤية، وتجريم الزواج العرفي.
وإذا كان حق حضانة الطفل، وقانون الرؤية ليس فيهما نص صريح نركن إليه، فإن كل من يعارض أو يوافق على القانون، ينظر إليه من زاوية مصلحته الشخصية، ولكن الغريب أن يقول الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء، إن مقترح مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي تناقشه الهيئة يٌجرم مسألة الزواج العرفي بشكل تام، وعدم عقد قران البنت قبل سن 18 عامًا.
وإذا كنا لن نختلف أيضًا عن عدم عقد قران الفتاة قبل سن 18 عامًا، فالعجيب أن يضيف الدكتور مهنى، أن مصادر التشريع "القرآن والسنة والإجماع والعُرف وفقه الواقع"، جرمت الزواج العرفي، وفيه مخالفة شديدة لولي الأمر الذي أمر بتوثيق عقود الزواج، مشددًا على أن مشروع قانون الأحوال الشخصية نص على ضرورة توثيق عقود الزواج، وإلا كان الزواج غير معترف به، لأنه من الممكن أن يموت الزوج، وفي هذه الحالة يصبح المولود ليس له أب.
وإذا كان الزواج العرفي غير معترف به قانونًا، وربما لا يحفظ حقوق المرأة في الميراث والنفقة وغيرها، إلا أن الجميع يعلم أن الزواج العرفي زواج صحيح دينيًا مادامت قد تحققت فيه شروط الزواج من عرض وقبول وشهود ومهر، وولي للبكر، فمن أين جاء مشروع القانون المقترح بتحريم الزواج العرفى دينيًا؟
فماذا عن الحديث النبوى الصحيح الذي رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة".
وفي الطبراني بسند حسن عن فضالة بن عبيد: "ثلاث لا يجوز اللعب فيهن: الطلاق والنكاح والعتق". فكيف إذن يقول الدكتور عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية، إن الأزهر "يبحث حاليًا كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية، بما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، إذ إن الأزهر يستحيل أن يخالف أمرًا من أمور الشريعة".
لقد كان للأزهر موقف حازم من موضوع الطلاق الشفوي، وأقر بأن الطلاق الشفوي يقع، مادام نطق به الزوج؛ سواء تم توثيقه أو لم يتم توثيقه، وذلك خوفًا من أن يؤدي عدم الاعتراف به إلى أن يعيش زوجان في الحرام؛ بعد أن انفصمت عرى زواجهما، وهما يظنان أنهما يعيشان فى الحلال، فكيف يحرم ويجرم الأزهر في مشروعه للأحوال الشخصية الزواج العرفي ويعتبره حرامًا شرعًا، متجاوزًا الحديث النبوى الصريح في هذا الشأن؟
بالطبع لا أكتب هذا لأنني أؤيد الزواج العرفي، أو أشجعه، ولكن يكفي أن يتم تجريمه قانونيًا، لا شرعيًا ودينيًا؛ لأن غير ذلك يعني أن الأزهر يكيل بمكيالين في مشروع الزواج العرفي والطلاق الشفهي.
وهل عرض مشروع القانون على الحوار المجتمعي، يمكن أن ينزع فتيل مثل هذه القنابل الشائكة؟ نتمنى!
[email protected]