ليس من قبيل الصدفة أو المبالغة أن يطلق على مصر "سلة غذاء العالم"، فالقارئ للتاريخ يعلم ذلك جيدا، ولكن على مصر العصور تدهور الإنتاج الزراعي شيئا فشيئا، حتى باتت مصر دولة مستوردة للغذاء سواء كان منتجات زراعية طبيعية أو مصنعة، وعلى الرغم من جهود وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية لزيادة معدلات الإنتاج، إلا أن الفجوة مازالت قائمة، بل أن مصر اتجهت لاستيراد محاصيل لم تكن مدرجة في قائمة الاستيراد مثل فول المدمس الذي تم الإعلان عن استيراده قبل أيام بعد ارتفاعات متتالية في أسعاره.
موضوعات مقترحة
"بوابة الأهرام".. ترصد أهم أسباب ضعف الإنتاج الزراعي وتحول مصر من دولة مصدرة إلى مستوردة.
في البداية، قال حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، إن بداية الاستيراد كانت نتيجة فشل السياسات الزراعية السابقة والاستغناء عن المزارع، مضيفاً أنه كان لدينا اكتفاء ذاتي من العديد من المحاصيل الزراعية أهمها محصول الفول، ولكن بعد انتشار أمراض "المن والهلوك" وغيرها من الأمراض قضى على المحصول، وعزف المزارعين عن زراعته.
وأشار نقيب الفلاحين إلى أن عزوف المزارعين عن زراعة محصول الفول جاء لأنه لم تتوفر المبيدات والأدوية التي تقاوم هذه الأمراض وأصبح المحصول يتعرض للخسارة، ولم يجد المزارع دورا لوزارة الزراعة لحل هذه المشاكل، رغم أن لديها مركز البحوث الزراعية، وهو أهم مركز بحوث في الشرق الأوسط، مؤكداً على أن وزارة التموين تقوم بحل المشكلة عن طريق الاستيراد لأنه الحل الأسهل بالنسبة لهم.
وأضاف أبو حسين، أن وزارة الزراعة تقوم باستيراد التقاوى من الخارج بعد أن كان لدينا جميع التقاوى من خضر وفاكهة، مستكملاً أن الوزارة تقوم باستيراد ٨٠٪ من التقاوى واختفت التقاوى المحلية التى كان ينتجها مركز البحوث الزراعية، مؤكداً أن العديد من دول العالم تتسابق لزراعة قوتنا اليومي مثل أنجلترا وفرنسا اللذان يزرعان الفول خصيصاً للمصريين، وروسيا وأوكرانيا تقومان بزراعة القمح لأننا مصدر مهم بنسبة لهم.
وأكد نقيب الفلاحين، أن الدولة كانت تصدر أجود أنواع القطن على مستوى العالم، مضيفاً أن العديد من الدول قامت بمحاربة القطن المصري وقاموا بعمل خدعة وهي تطوير مصانع الغزل والنسيج وتم التطوير على معدات لم تصلح إلا للقطن قصير التيلة، بينما القطن المصري طويل التيلة، فاضطرت المصانع إلى استيراد الأقطان قصيرة التيلة من الخارج لتشغيل المصانع ولم يجد المزارع من يشتري منه القطن فأدى ذلك أيضاً لعزوف المزارعين عن زراعته بعد ما كان يحقق عائدا كبيرا من زراعته.
وأضاف نقيب الفلاحين، أن مصر كانت مخزنا للغلال في الشرق الأوسط ودول أوروبا، موضحا أن المزارعين اتجهوا إلى زراعة المحاصيل التي تحقق لهم أرباحا، فضلا عن كونها سهلة في الزراعة حتى لا يعانون من صعوبة التسويق.
وأضاف نقيب الفلاحين، أن محصول الأرز الذي قررت الدولة تقليص المساحة المنزرعة منه واستيراد باقي الاحتياج من الخارج لا يؤثر على حصة مصر من المياه، لأنه يتم زراعته بمياه الصرف الزراعي وليس مياه النيل، مشيراً إلى أن الأرز متهم بأن الفدان يستهلك 7 آلاف متر مكعب من المياه ولكن هذا غير حقيقي.
واستكمل، أن مركز البحوث الزراعية قام باستنباط أصناف جديدة من الأرز لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ويتم ريها عن طريق الرش والتنقيط، مؤكداً أن الدولة تأخذ الحلول السهلة مثل تقليل مساحة محصول الأرز وتوفير الكميات التي نحتاجها من الاستيراد، مشيرا إلى أن الأراضي التي تم حرمانها من زراعة محصول الأرز سوف تتعرض للبوار، لأنها قريبة من البحر وسوف تؤدي إلى ملوحة التربة، فلا تصلح للزراعة من جديد، مضيفاً أن الجمعيات التعاونية تخلت عن دورها الأساسي وسط غياب لدور التعاون الزراعي، مع عدم وجود خطة واضحة لدى وزارة الزراعة، ما أدى إلى تدهور حال الزراعة، وأصبحنا نعتمد على الاستيراد في معظم غذائنا، بعد ما كانت مصر تصدر جميع المحاصيل الزراعية إلى دول العالم.
وفي سياق متصل، قال الدكتور أشرف كمال أستاذ الاقتصاد الزراعي، إن مصر كانت تمثل سلة الغذاء للعالم تاريخياً وكانت تمد الإمبراطورية الرومانية بالغلال منذ قديم الأزل، مؤكداً أنها كانت تحقق الاكتفاء الذاتي.
وأشار الدكتور أشرف كمال، إلى أنه في العصر الحديث بدء منحني الاكتفاء الذاتى للغذاء في الانخفاض تدريجياً نتيجة ارتفاع معدلات الزيادة السكنية، مضيفاً أن نصيب الفرد من السلع الغذائية يتم الحصول عليه بالقيمة على المقام وهو عدد السكان الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض نصيب الفرد.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن مصر تحقق الاكتفاء الذاتي في مجموعة الخضر والفاكهة وبها معدل مرتفع من الاكتفاء في اللحوم البيضاء والبيض ومعدل متوسط من الاكتفاء الذاتي للحوم الحمراء، مستكملاً أن معدل الاكتفاء الذاتى من الحبوب منخفض نسبياً، فيما عدا الأرز الذي كان يوجد لدينا فائض منه، ولكن بدأ يظهر فيه عجز وبدأت وزارة التموين في استيراده من الخارج.
واستكمل "كمال"، أن معدل الاكتفاء الذاتي من الزيوت النباتية منخفض للغاية مع وجود اتجاهات لارتفاع السعر العالمي بها، مضيفاً أن مركز البحوث الزراعية له دوراً كبيراً في رفع إنتاجية مختلف الحاصلات الزراعية من خلال توفير أصناف جديدة تتحمل الإجهاد البيئي ومن خلال تطوير المعاملات الزراعية.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الأمر يستلزم إعطاء دفعة كبيرة للاقتصاد الزراعي من خلال دعم المنتج وزيادة الاستثمارات الموجهة للقطاع الزراعي مع التركيز على استمرار الاستثمارات للبحوث الزراعية، مضيفاً أن ذلك يعد خطاً رئيسياً لارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي وعودة مصر إلى سابق عهدها.
ومن جانبه، قال الدكتور مصطفى إبراهيم رئيس مجلس الأعمال المصري الاسترالي، إن أغلب دول العالم يكون لديها محصول أو اثنين تتميز بهم ونحن لدينا محاصيل نتميز بها ولكن يوجد لدينا العديد من العقبات، مضيفاً أنه لابد من زيادة الرقعة الزراعية لأننا نعيش على ٧٪ فقط من مساحة مصر و٩٣٪ لا يتم استغلالها.
وأكد إبراهيم، أن الدولة بذلت جهودا كبيرة في إزالة التعديات على الأراضي الزراعية وعلى نهر النيل، بعد أن تم استغلال الأراضى والتعدي عليها بعد ثورة يناير، مشيراً إلى أهمية دور مراكز البحوث الزراعية فى استنباط أصناف جديدة من المحاصيل تعطي إنتاجية عالية وتكون مقاومة للأمراض وتتحمل ندرة المياه.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن الزيادة السكنية عامل مهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي فكلما زاد عدد السكان كلما كبرت فجوة الاكتفاء الذاتي، موضحاً أنه كانت توجد دراسة لزراعة بعض الأراضي بمياه الصرف الصحي بعد تطهيرها وكانت ستساعد في زراعة الأشجار.
وأشار الدكتور مصطفى ابراهيم، إلى أنه لابد من توافر الكفاءات التى يمكن أن نعتمد عليها حتى لو اضطررنا للاستعانة بالخبرات الأجنبية لتعليم الشباب حتى لو كان الأمر مكلف، مؤكداً على ضرورة إيجاد حلول مدروسة على أرض الواقع وقابلة للتنفيذ.