مخطئ من يظن أن الفساد والرشوة والبيروقراطية والمحسوبية مقصورة على دولة أو مجتمع دون آخر، كل المجتمعات والدول يوجد فيها الفساد والرشوة والمحسوبية بدرجات متفاوتة.. وهذا من باب الرصد ليس إلا.
ونناشد أجهزتنا الرقابية؛ وخاصة الرقابة الإدارية، ألا تتوقف عن رصد الفاسدين والمرتشين، وإلقاء القبض عليهم مهما كانت مواقعهم أو مناصبهم.. حتى نقلل من خطر الفساد والمرتشين على عملية التنمية والبناء والإصلاح الإداري والاقتصادي..
وعلينا جميعًا أن نتصدى للفاسدين من حملة جينات الفساد .. ومصطلح "جينات الفساد" استوقفني بجريدة الشرق الأوسط اللندنية في تحقيق صحفي عن تزايد الاستياء الشعبي في إيران من تدهور الوضع الاقتصادي فيها وانتشار الفساد.
ويسرد التحقيق كيف تحولت القضية إلى قضية رأي عام بعد أن كان الحديث عنه من المحرمات، كما كان في مصر في عهد مبارك وما سبقه.. المهم أن الرأي العام في إيران أصبح يضج بفساد الملالي وأبناء الملالي، وفي ظل تدهور قيمة العملة الإيرانية وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وضع رجال الدولة تحت مجهر الشارع الإيراني مباشرة، وانهارت الثقة العامة في نظام الحكم؛ بسبب تبادل الاتهامات بين المسئولين وأبنائهم بشأن التورط في تجاوزات مالية، واستغلال المناصب.
وأعلن القضاء منذ أيام إنشاء محاكم خاصة لمعالجة حالات الفساد، وأصبحت القضية على أولويات الجهاز القضائي بدعم من المرشد الإيراني علي خامئني.. في الوقت الذي يواجه فيه القضاء نفسه اتهامات وانتقادات حول دوره في الفساد الإداري والمالي الذي ضرب المؤسسات الإيرانية على مدى السنوات الماضية، وتأخره في مواجهة الفساد؛ وبرغم نفي المسئولين والحديث عن أن الفساد ليس ممنهجًا أو لم ينخر عظم النظام.. في حين أن خامئني وصف الفساد داخل إيران بأنه تنين من سبعة رؤوس ودعا إلى قطعه..
ما علينا.. المهم أننا في مصر بدأنا وبجدية في استئصال جينات الفساد، وهنا يجب أن نطالب بالمزيد من الرقابة والشدة والصرامة في التعامل مع المرتشين والفساد، وأن يتم إنشاء محاكم خاصة لسرعة محاكمتهم وتوقيع أقصى العقوبات عليه، ووضعهم في سجن يقتصر عليهم كنوع من الجُرسة ليعرف القاصي والداني أنه كان في سجن المُرتشين والفسدة؛ حتى يرتدع غيره من المُرتشين والفاسدين؛ وليكن الخوف من الفضيحة والجُرسة "بعبع" ماثلًا أمام الجميع، وخوفهم من أن تمتد إلى أولادهم تجعل من لديه ميول فساد يرجع عن فساده، وخوفه من الذهاب وراء مصنع الكراسي سبب في تقليل خطر الفساد.
ولمن لا يعرف قصة مصنع الكراسي هي قصة مصرية أو مصطلح مصري دارج، تحول إلى العالمية برغم أن هناك أكثر من 3 آلاف لغة تتكلم بها شعوب العالم إلا أن اللغة العربية لها بريق خاص وحضور لافت بين اللغات الأخرى خاصة اللهجة المصرية العامية ببساطتها وتلقائيتها.. ومنها مقولة "ورا مصنع الكراسي" جملة ساخرة يتداولها الشباب على نطاق واسع، خصوصا بعد أن أطلقها الكوميديان أحمد مكي في أحد أفلامه.
وتعود قصة "مصنع الكراسي" إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي، عندما كان يوجد مصنع للكراسي الخشب على مساحة 50 فدانًا في المنطقة الواقعة بين الوراق وإمبابة، وبعد فترة زمنية توقف المصنع، وتم تسريح العمال، وأصبح المكان مهجورًا لا يقترب منه أحد، إلا بعض تجار المخدرات والممنوعون والمسجلون خطر.
وتحولت عبارة "ورا مصنع الكراسي" متداولة كدعابة أو للدلالة على قوة الخصوم عندما يتغلبون على أقرانهم، وحققت الجملة شهرة فاقت الحدود الجغرافية؛ ليتم تداولها في أوروبا وأمريكا بعد أن أصبحت مانشيتات في الصحف الرياضية..
لذلك يجب أن يتم إدخال تشريعات جديدة لعقاب الفاسدين والمرتشين ومحاكمتهم أمام دوائر خاصة بالفساد، ووضعهم في سجون خاصة بالفاسدين والمرتشين حتى وإن كانت "ورا مصنع الكراسي".. والله المستعان.