Close ad

مثقفون: محمد شعير في "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" يفتش عن التاريخ المدفون | صور

14-8-2018 | 04:44
مثقفون محمد شعير في أولاد حارتنا سيرة الرواية المحرمة يفتش عن التاريخ المدفون | صورندوة محمد شعير
منة الله الأبيض

تشكل رواية "أولاد حارتنا" للأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 - 30 أغسطس 2006)، نقطة فاصلة ومحطة أساسية ورئيسية في حياته وحتى بعد وفاته، ولازالت تجربته الإبداعية وبخاصة رواية "أولاد حارتنا" باعتبارها الرواية الأشهر والأكثر جدلًا، تُغري الباحثين وتثير شهيتهم لتقديم دراسات وقراءات متعددة لهذه التجربة الثرية.

موضوعات مقترحة

وكتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" الصادر حديثًا عن دار العين للكاتب الصحفي محمد شعير، والذي أقيمت أولى حفلات توقيعه أمس الإثنين، بنادي ساويرس بجاردن سيتي، هو الجزء الأول من ثلاثية عن سيرة حياة أديب نوبل، شارك في المناقشة، النقاد، نبيل عبد الفتاح والدكتور محمد بدوي والدكتور حسين حمودة والكاتب الروائي طارق إمام، وأدارات الأمسية الكاتبة عبلة الرويني.

في البداية، قال الكاتب والمحلل السياسي نبيل عبدالفتاح، إن كتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" للكاتب محمد شعير، هو نمط من التحقيقات، والتاريخ الاستقصائي، والتي اعتمد فيها على المنهج التاريخي في التعامل مع سيرة "أولاد حارتنا" كرواية محرمة أو رواية تم إضفاء هذا التفكير حولها، وفي نفس الوقت اعتبر هذا الكتاب باعتباره جزء من ثلاثية للكاتب هو ثلاثية موازية أو سردية موازية لسردية الكتاب ذاتها، وللعديد الخطابات التي تعاملت مع الرواية المحرمة.

واعتبر "عبدالفتاح"، أن الكتاب من الكتب القليلة التي تحمل معها الثراء الفكري والاتساق المنهجي، وعمق المعالجة والمتعة المستمدة من لذة النص، وغالبًا ما تتآتي عبر العناية الأسلوبية وجماليتها من قبل الكاتب، فضلًا عن نزعة التقصي لجذور الأسئلة والإشكاليات والفرضيات التي تنهض عليها خطة الكاتب ومشروعه البحثي حول موضوع الكتاب.

فسيرة الرواية المحرمة - بحسب حديثه - هي واحدة من الكتب الهامة في هذا السياق الذي رمى مؤلفه إلى البحث فيما وراء أزمة السجال الممتد، وإلى الرواية وشخوصها وعوالمها، والتأويلات المتصارعة حولها، وعن السردية ذاتها، وهل تتناول قصة الخلق والأنبياء والرسل وعن التمايز بين السردية المقدسة، كما وردت في النص الديني المؤسس أم أنها تحولت من خلال العملية الإبداعية إلى مجال التخييل وتداخلاته ما بين المقدس والتاريخي وبعض الواقعي وما فوقه.

وقال إن ثمة جدل وسجالات حول رواية محفوظ الزائعة الصيت، والتي تضخمت الخطابات الدينية والسياسية والأدبية حولها وبعضها دار حول مرويات حول العمل ذاته، وقلة ارتكزت على النص الروائي تفكيكًا وتفسيرًا.

وفنّد "عبدالفتاح" في حديثه حول الكتاب، الإشكالية التي يراها سببًا من أسباب تحريم رواية "أولاد حارتنا"، وقال إن "الخطاب الذي حول الرواية لا درسها النقدي التحليلي، هو الذي ساهم في حدة السجال الديني، حول إذا ما كانت رمزية السرد الروائي تشير إلى الأنبياء ومن ثم اعتبارها خروجًا عن صراط النص المقدس المتعلق بقصص الأنبياء ومن ثم تحريم العمل".

فالخطاب الديني حول النصوص الأدبية والأعمال الفنية - كما يشير في حديثه - ينزع إلى تحويل الفني إلى واقعي والتعامل معه من منظور المعايير الفقهية الدينية، من خلال إستراتيجية الثنائيات الضدية، المتمثلة في (الحلال والحرام، الكفر والإيمان وغيرها).

كما يتجاهل الخطاب الديني استقلالية العمل الفني والأدبي عن الواقع الذي يدور حوله، ويتناسى صناع الخطاب الديني، حول الأدب والفن والرواية، وأن الواقع في السرد ليس هو الواقع في الحياة، وأن تحليل العمل وتفكيكه يحتاج إلى أدوات ومنهجيات مغايرة عن أصول الفقه.

وهو ما حدث مع رواية "أولاد حارتنا"، حيث فُسرت في إطار ديني بالرغم من أن رمزية النص رمت إلى أمور واختلالات سياسية واجتماعية في الواقع المصري ولم تهدف إلى سرد حول قصص الأنبياء والمرسلين.

واستطاع محمد شعير ببراعة واقتدار - كما يضيف "عبدالفتاح" -  أن يعيد بناء السردية حول السردية من خلال استكناه الجوانب الخفية، والمكشوفة كليهما معًا، من خلال خطابات الأطراف المتنازعة، وما وراءها، فاستطاع أن يبرز وبوضوح أن الرواية، وما دار حولها لم تكن سوى صراع سياسي محتدم، بين اليمين واليسار، والدين والدولة، ملتقطًا بذلك ماهية الأطراف المتنازعة وخلفية انحيازتها الأيدولوجية، إيذاء النص الروائي وما انطوى عليه خطابها الديني من محمولات سياسية تجاه النظام في ظل توتراته وصراعاته مع الإخوان. 

وطرح الناقد والروائي طارق إمام، في مستهل حديثه عن الكتاب، سؤالًا حول مصير المخطوط الأصلي لرواية "أولاد حارتنا"، وتساءل "هل المخطوط مع نجيب محفوظ؟ أم مع الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل أم هو ضمن أرشيف جريدة الأهرام؟ أم في حيازة دار الآداب البيروتية؟، لكن خلص في النهاية أن المخطوط مُفتقد، ولم يعد له وجودًا من الأساس.

 وقال "إذا كانت أولاد حارتنا كرواية وعمل تخييلي، صار من المستحيل العصور على مخطوطها الأصلي، فنص الواقع أيضًا الذي أنتجت هذه الرواية باعتبارها نص تخييلي في سياقه، والذي انتجها هذا الواقع، هو نص مفقود، لم يصلنا منه سوى شذرات وحديث متضارب، وصار العصور عليه كنص متماسك أقرب للمستحيل، لكن محمد شعير حاول العصور على النص الغير المتخيل للرواية".

وأشاد "إمام" بالجهد الذي وصفه بالمؤسسي في إحياء، أرشيف مقبور يكاد يستحيل العثور عليه بأركانه الواسعة التي شملها الكتاب، زمنيًا وجغرافيًا، في بلاد مثل بلادنا يكاد يستحيل فيها أن تعثر على أرشيف مع كافة المعوقات والمنفرات التي تجعل من مهمة كهذه جحيمًا وتحيل حلم إتمامها ضربًا من المستحيل.

وحاول "شعير"، أن يضع الروايات المتناقضة والمتضاربة في سياقات التساؤل بحثاً عن نور الحقيقة في نفق التاريخ المظلم والملغز، كما رأي أن تجربة محمد شعير في "سيرة الرواية المحرمة" تتماهي مع تجربة الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا اليكسفيتش في تركيزها علي الأصوات الإنسانية وفكرة سرد التاريخ من جانب آخر مغاير للطرق التقليدية.

واعتبر "طارق"، أن محمد شعير تجاوز دوره دور المحقق الصحفي في كتابه "سيرة الرواية المحرمة"، إلى فكرة المتشكك فقرر أن يتدخل بنفسه ليعيد التساؤل حول الرواية بالأدلة المقنعة.

من جانبه وصف الدكتور محمد بدوي، في كلمته حول الكتاب، محمد شعير بالفنان التشكيلي الواقع بين بين التجريد والتشخيص، فهو مؤرخ أعطى لنفسه حقوق الفنان، فهو حين يكتب يوهم القارئ بأنه مؤرخ، يستخدم كل الأدوات البلاغية والسردية التي يستخدمها الروائيون.

وأضاف الناقد الدكتور حسين حمودة، أن هذا الكتاب يلتقط ويحلل ويحيط بأبعاد ظاهرة كبيرة في التاريخ المصري الحديث كله، لا تقف عند حدود مصادرة كتاب، ولا عند محاولة اغتيال صاحبه، فهي ظاهرة كبيرة موصولة بسياق سياسي واجتماعي وثقافي وديني وأدبي متشعب ومتداخل ومتصل.

وهي اختبار لأعراف وتقاليد وحدود لحريات التفكير والاعتقاد واختبار لمستويات الفهم والقراءة، ومن المؤكد أن هذه الرواية التي يتناول تجربتها هذا الكتاب، كانت أكبر من القاء حجر على مياه ساكنة، كانت بالإضافة إلى ذلك مثار سؤال حول كل المياه الساكنة، وحول إمكان مدّها بأسباب التدفق والحركة، وقد اتصل هذا بمغامرة كبيرة كان يُفترض أن نعيد النظر في أن نجيب محفوظ هو الكاتب الذي يسير بجوار الحائط، أي سير؟ وأي حائط؟ وأي سير بجوار حائط يمكن أن يجنّب ذلك السائر ما لم يتجنبه نجيب محفوظ: الدفع بحياته كلها، لولا الملابسات الغريبة التي أنقذته.
 
ورأى دكتور حمودة، أن كتاب محمد شعير، هو الكتاب الأشمل والأكثر إحاطة وأمانة وتفصيلًا ودقة بكل ما اتصل بـ"أولاد حارتنا"، وبالتجربة الكبيرة التي صاحبت هذه الرواية، إذ تناول المؤلف التجربة بطرائق خاصة به، معالجًا قضايا خطيرة  تستدعي لغة سلسلة وبساطة، مطيحًا بطرق التأريخ والتوثيق والتحقيق التقليدية ويفتح لها مجالات جديدة.

وقال "كتاب محمد شعير عابر للتصنيفات الضيقة، فهو يجمع بين اهتمامات تغري الشغوفين بالتصنيف بالبحث عما يجاوز معارفهم، هو ببساطة كتاب يجمع بين التحقيق الصحفي والنقد الأدبي وعلم التاريخ والأنثروبولوجيا الثقافية والتحليل السياسي".

ندوة محمد شعير

ندوة محمد شعير

ندوة محمد شعير

ندوة محمد شعير

ندوة محمد شعير

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة