ارتفاع معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج إحدى المشكلات المعقدة، التي تشترك فيها العديد من العوامل، ولعل أبرزها هو عدم تربية الأبناء على تحمّل المسئولية، وانتشار المخدرات بشكل غير مسبوق طال كل مستويات الشعب المصري، ولم يستثن حتى أعلى المستويات العلمية من الأطباء الذين يدرسون خطر المخدرات أو حتى الأسر المتدينة، وكذلك أبناء الطبقات العليا.
تحول مجتمعي
لم يعد أحد في مأمن، إضافة إلى ذلك التحول الاجتماعي الخطير، والخلل في منظومة القيم الذي ظهر بشكل واضح في المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح كثير من الرجال يفضّلون البطالة وترك مسئولية الإنفاق على الزوجة.
لمّ الشمل
أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نشرته ارتفاع معدلات الطلاق وانخفاض معدلات الزواج في الـ10 سنوات الماضية، حيث بلغ عدد عقود الزواج 912606 عقود عام 2017 مقابل 938526 عقدًا عام 2016، بنسبة انخفاض قدرها 2.8٪، بينما بلغت عدد شهادات الطلاق 198269 شهادة عام 2017، مقابل 192079 شهادة عام 2016 بنسبة زيادة قدرها 3.2٪.
وقد أطلق الأزهر الشريف للمرة الأولى في أبريل الماضي وحدة تحت عنوان "لمّ الشمل"، تهدف إلى مواجهة ظاهرة انتشار الطلاق، استطاعت لمّ شمل 350 أسرة.
"بوابة الأهرام" استطلعت آراء رأي الخبراء والمختصين للوقف على أبعاد هذه الظاهرة المجتمعية.
اختلاف المعايير
كانت البداية مع دكتورة أسماء عبد العظيم، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، التي تقول إن المعايير اختلفت في اختيار الزوج والزوجة، فهناك "خلل بـالعلاقات الزوجية، حيث أصبحت النظرة للزواج نظرة مادية، على وهم أنها تحقق الأمان للمستقبل، فبالتالي بدأ التغاضي عن القبول"، مشيرة إلى أن المستوى المادي هو المقبول حاليًا بصرف النظر عن التوافق الفكري والاجتماعي والثقافي الأنسب والأقرب لشخصية المرأة أو الرجل سواء بسواء، فبالمستوى المادي يمكن أن يتم التغاضي عن (غيره من الأمور)".
وترجع عبد العظيم ارتفاع معدلات الطلاق في الـ10سنوات الماضية إلى بحث كل من الطرفين عن "الاحتياج وليس شريك الحياة"، فأصبحت معدلات الاختيار هي "إكمال الناقص لكل منهما، فضلًا عن المشكلات التي تحدث بعد الزواج، ويكون أحد أسبابها الأنانية من الرجل دون مراعاة الشريك الثاني، هذا بالإضافة إلى تدخل الأهل في الشئون الأسرية"، لافتة إلى اختلاف الأدوار "بحيث تقوم المرأة بمهمات ومسئوليات الرجل، والتي انتشرت بكثرة خلال الأعوام الماضية".
لغة الحوار
وترى استشاري العلاقات النفسية والأسرية أن أحد أسباب ذلك هو "اختفاء لغة الحوار والنقاش بين الزوجين، والتي حلت مكانها ثقافة فرض الرأي، فبالتالي لا توجد لغة حوار والذي ينشئ حالة من الصراع والخلاف"، موضحة أن "من أحد الأسباب أيضًا عدم رضا أي من الطرفين عن العلاقة الحميمة، والتي ترجع إلى عدم الاهتمام بمعرفة الاحتياجات سواء للزوج أو الزوجة، ولأننا في مجتمع شرقي، يتجنب دائمًا البوح ومواجهة تلك المشكلة والتطرق لها على العكس من أنها محور أساسي ومهم لاستكمال العلاقة الأسرية".
توضح عبد العظيم أن الاتجاه إلى الزواج أحيانًا يكون "طوق النجاة من العنوسة هذا بالنسبة للفتيات، أما بالنسبة للشباب فيرى الشاب أنه تخطى عمر الـ35 عامًا دون زواج مع ضغط من أسرته لإتمام الزواج رغبة منهم في تكوين أسرة والإتيان بولي العهد، كل هذا يؤدى إلى التملص من المسئولية والبعد عن مفهوم السكن والرحمة عملًا بالآية الكريمة: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
أنتِ طالق
وتضيف عبد العظيم أن من أهم الأسباب أيضًا "الخيانة الإلكترونية" التي "انتشرت بشدة خلال الأعوام الماضية، فالخيانة الإلكترونية أحد الأسباب المتقدمة في حالات الطلاق، بعد اكتشاف الزوج خيانة زوجته على مواقع التواصل الاجتماعي وارتفاعها بين الرجال أكثر من السيدات، هذا بالإضافة إلى عدم النضج العاطفي للوصول لاحتياجات الطرف الآخر والإحساس بالمسئولية واستحضار كلمة (أنتِ طالق) دائمًا لإنهاء تلك المسئولية والخلاص منها"، مشيرة إلى أن "افتقار المرأة أو الفتاة للشعور بالآمان وانتهاك آدميتها وإهدار حقوقها يجعلها تطلب الطلاق والتنازل عن جميع حقوقها في سبيل الخلاص من تلك الحياة المشوهة، هذا يجعلنا نتطرق إلى أن كون الطلاق في معظم الحالات يكون هو الحل الأمثل، ولكن في حالات ضئيلة جدًا لا يمكن تعميمها".
وتنصح الدكتور أسماء عبد العظيم كل المقبلين على الزواج بمراعاة اختيار الشريك، وأن يكون المعيار هو "التوافق الفكري والأنسب لشخصية الطرفين حتى نتمكن من إعداد جيل سوي، فالزواج مشروع ومؤسسة مهمة يجب التخطيط له من كافة الجوانب"، مشددة على ضرورة عمل برامج توعية من الدولة بأهمية بناء الأسرة والإنسان.
أسباب اقتصادية ونفسية
ومن ناحية أخرى، يرجع الدكتور وائل وفاء، استشاري العلاقات الإنسانية، ارتفاع معدلات الطلاق لأسباب اقتصادية ونفسية، حيث إن "عدم كفاية الدخل والقدرة على إيجاد مرونة بين الدخل ومعدلات الإنفاق يؤدى إلى حدوث ضغوط اقتصادية وخلافات بين الزوجين"، لافتًا إلى أن "الأثر النفسي أو السبب النفسي هو عدم معرفة دور كل فرد من أفراد الأسرة، وبالتبعية يلقي بالخطأ كل طرف على الطرف الآخر ويرفض أيضًا كل طرف الاعتراف بخطئه".
مجتمع ذكوري
ويتفق الدكتور وائل وفاء مع الدكتورة أسماء عبد العظيم في أن هناك "سوء اختيار للزوج والزوجة، دون معايير واضحة، حيث يكون دائمًا الاختيار من الجانب المادي الذي يمثل المعيار الأساسي، وبالتالي هناك عدم وضوح رؤية غير المؤهلين نفسيًا للدخول في الحياة"، لافتًا إلى أن "هناك اعتبارات كثيرة، منها أننا في مجتمع ذكوري، وأن الدليل على الرجولة هو أن يأمر فيطاع، كل هذا من المغلطات في الحياة، فليس هناك رابط بين السكن والمودة مع الاصطدام بهذه المعايير والذي ينتهي بالطلاق للتخلص من المسئولية".
العزوف عن الزواج
وعن عزوف الشباب عن الزواج، يوضح وفاء لـ"بوابة الأهرام" أن "هناك عدة أسباب، منها: ارتفاع المهور، والمغالاة في طلبات الأهل، ووجود بدائل غير أخلاقية وشرعية أخرى مثل الزواج العرفي، فانتشاره وتعميمه أدى لفقد الثقة بين الجنسين، وكان البديل هو الزواج من الأجانب للتحرر من قيود التقاليد"، مضيفًا "ليس هناك ضمان معنوي و ضمان أخلاقي ولا ديني، وأحل مكانهما الضمان المادي فقط".
وشدد وفاء على ضرورة تغيير طريقة التفكير والتيسير في الزواج وعدم مغالاة الأهل في طلباتهم، لافتًا إلى أن "الدعم المعنوي والإيمان بالطرف الآخر يصنع المستحيل".
راية تحذير
ومن جانبها، تقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر: "لقد أصبح العزوف عن الزواج ظاهرة ملموسة في الفتيات، وهذا العزوف له بٌعد اجتماعي، حيث إن الفتاة الآن لم تعد لديها ثقافة (ضل راجل ولا ضل حيطة)، حيث إنها أصبحت تحسن الانتقاء وترفض دون خوف، وقد تفشت هذه الثقافة بكثرة خلال الأعوام الماضية"، مضيفة أن الفتيات أصبحن الآن "على قدر كبير من الثقافة، وكينونة علمية ومالية وإنسانية، وواقع اجتماعي أحدث نوعًا من الامتلاء، بل أصبحت ترفض وتضع مواصفات".
وتضيف نصير: "في الوقت ذاته لم يختلف الرجل المصري، وما زال يعيش في دور (ابن الست أمينة، بثقافة سي السيد)، التي لن يجدها في فتيات اليوم، الأمر الذي يحدث نوعًا من التباعد"، لافتة إلى "عدم تشكيل الشباب الذي يتوازن مع الثقافة المعاصرة".
وترى نصير أن كل هذه الفوارق بين ثقافة الفتاة المصرية المعاصرة والفتاة سابقًا هي سبب للعزوف عن الزواج، كما أنها أيضًا من مسببات الطلاق، متسائلة عن كيفية تفادي ظاهرة الزواج من الخارج، وخاصة للشباب، واستفحال عزوف الفتيات عن الزواج.
ولفتت أستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية إلى أن "الزواج بالأجانب يؤدى إلى زحف ثقافات أجنبية على مجتمعنا، مما يشكل خطورة بالغة على القيم المجتمعية والروحية".
وشددت نصير على ضرورة أخذ هذه القضية على محمل الجد دون تهاون، حيث إن "تصدر مصر قائمة ارتفاع معدلات الطلاق على مستوى العالم جرس إنذار خطير يجب الالتفات له"، لافتة إلى أننا "في حاجة ماسة إلى دعوات تحليلية وأخلاقية وإنسانية للشباب والشابات والأسر، هذا بالإضافة إلى دور الخطاب الديني وحملات التوعية عبر التلفاز قبل فوات الأوان".
التجسيد الدرامي
وفي السياق ذاته، تشير الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى "إحساس الفتيات بالاكتفاء الذاتي ونظر المجتمع لها على أنها حرة، هذا بالإضافة إلى أن الدراما والسوشيال ميديا تركزان على شكل وجسد المرأة أو الفتاة، وشعور الزوج بأن هذه مواصفات زوجة المستقبل جاءت بنتيجة عدم الثقة وأدت إلى عزوف كل من الطرفين عن الزواج"، مضيفة أن "انتشار الخيانة الزوجية وتجسيدها دراميًا جعل هناك اعتقادا سائدا بترسيخ مفهوم الخيانة وعدم ثقة بين الطرفين، هذا بالإضافة إلى عدم الشعور بالثقة والأمان".
وترجع خضر أسباب العزوف عن الزواج وارتفاع معدلات الطلاق إلى "انهيار في العلاقات الأسرية والأخلاقية وبلوغها الحضيض، حيث أصابها الكثير من البرود والخشونة"، مشددة على "ضرورة الإصلاح من خلال تجسيد درامي لمفهوم الأسرة لما أصاب المجتمع من شرخ كبير، هذا بالإضافة إلى تنظيم حملات فنية تعيد لنا جمال الأسرة المصرية".