تصدرت قضية الفقر برنامج الحكومة الجديدة؛ حيث جاء تأكيد د. مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، خلال عرض برنامج الحكومة أمام مجلس النواب، متضمنا حزمة من الإجراءات التي تعتزم تنفيذها لمكافحة الفقر سواء عبر التوسع في شبكات الضمان الاجتماعي أو زيادة تمويل المشروعات الصغيرة أو من خلال سياسات جديدة أخرى تستهدف غير القادرين على العمل.
موضوعات مقترحة
"لن نترك فقيرا في مصر".. تعهد لرئيس الوزراء، أمام مجلس النواب، يطرح العديد من التساؤلات حول الآليات التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة الفقر، وفرص نجاحها.. وهل هناك أفكار غير تقليدية لمكافحة الفقر، وهل برامج الحكومة كافية للقضاء على الفقر؟.
البطالة
مكافحة الفقر، تستلزم مكافحة أخرى للبطالة التي تشكل عبئا على الدولة خاصة أن الدراسات تقول: إن عدد العاطلين عن العمل بلغ 3 ملايين و94 ألفا.
وحمل برنامج حكومة د. مصطفى مدبولي، إطلاق برنامج جديد للتشغيل كثيف العمالة، وأنه يستهدف المرأة والشباب، ويوفر 100 ألف فرصة عمل، فضلا عن التوسع في الإقراض متناهي الصغر، وهو ما أثنى عليه الخبراء، لكنهم أشاروا إلى مخاوف في آلية التنفيذ.
قال د. شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد الدولي، لـ"بوابة الأهرام"، إن المستقبل للمشروعات متناهية الصغر التي اعتزمت الحكومة تنفيذها في برنامجها الإصلاحي، لكنه يخشى التعامل معها كجزئيات وليس كمنظومة كاملة.
التكافل والكرامة
مجلس أعلى للصناعات
اقترح أستاذ الاقتصاد الدولي، د. شريف الدمرداش، إنشاء مجلس أعلى للصناعات، يضم خبراء في جميع التخصصات ضمن خطة قومية للصناعة يقوم من خلالها هذا المجلس بتحديد الصناعات الصغيرة التي يحتاج إليها المجتمع، والتي تكون مكملة ومغذية للصناعات الكبيرة، وهو ما يقلل الاحتياج للاستيراد، ويكون أيضا ضمن اختصاصات هذا المجلس تقديم دراسات جدوى للشباب المقبل على استلام مشروع للعمل فيه.
وطالب الدولة بتقديم التدريب للشباب ودراسات جدوى للمشاريع والتسويق للمنتج؛ حتى لا يكون عائقا للبعض في الحصول على العمل، فضلا عن توفير الآليات التي تحتاجها عملية الإنتاج، لافتا إلى أن الشباب سيكتسب خبرات من هذه المشروعات ما يمكنه من الاستقلال بذاته بعد ذلك، وهو بداية الطريق إلى القضاء على البطالة، قائلا: "المشروعات متناهية الصغر هي طوق النجاة من الفقر والبطالة"، مؤكدا أن تلك هي الطريقة التي تقدمت بها ماليزيا والبرازيل والهند وكوريا الجنوبية.
إعادة تأهيل للخريجين
أشار إلى أنه يجب دراسة احتياجات المجتمع، والتي سينتج عنها التوسع في تخصصات موجوده بالفعل، وإلغاء أخرى، وظهور تخصصات جديدة، كما يجب إعادة تأهيل الخريجين في إطار ثورة تعليمية؛ حيث تضخ الجامعات آلاف الخريجين من الشباب في كل عام لا يجدون فرصة تناسب تخصصاتهم.
وأكد أن العنصر البشري هو الأهم في الاقتصاد، وأن كل ما يؤدي إلى الارتقاء بالمستوى التعليمي والصحي والمهني والتدريبي للإنسان هو ارتقاء بالاقتصاد، وهذا ما أكدته النظريات الحديثة، أن التنمية الحقيقية المستدامة هي تنمية العنصر البشري.
تحديات تواجه الحكومة
ولفت إلى أن هناك عدة تحديات تواجه الحكومة في تنفيذ برنامجها في مكافحة الفقر، خاصة فيما يخص إيصال الدعم لمستحقيه ورفعه عن غير المستحقين، كما جاء في برنامج "مصر تنطلق"، وأن إيصال الدعم لمستحقية يستلزم وجود قاعدة بيانات وطنية لمعرفة من المستحق ومن المنتفع بغير حق، ولحدوث ذلك يجب دمج الاقتصاد غير الرسمي بالاقتصاد الرسمي المثبت لدى الدولة، مشيرا إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يمثل أكثر من 70% من اقتصاد الدولة، وأصحابه سيحاربون دمجه بالاقتصاد الرسمي، و"هنا تلعب الإرادة السياسية دورها في إنجاح ما اعتزمت تنفيذه".
الفقر يهدد الأمن القومي
الظروف الاجتماعية السيئة تتسبب في إصابة الفرد بالأمراض النفسية ويأتي الفقر في مقدمة هذه الظروف، وبحسب دراسات علماء النفس، فإن الفقر وصعوبة ظروف الحياة تجعل الفرد أكثر عرضه للإصابة بالأمراض النفسية.
وعن ذلك، قال د. جمال فريز، استشاري الطب النفسي، لـ"بوابة الأهرام"، إن الفقر يعد مرضا في جسد الدولة تمس أعراضه الأمن القومي، فضلا عن صحة المواطن؛ حيث استشعار المواطن أنه غير قادر على الحصول على احتياجاته الأساسية في الحياة يقلل عنده الولاء والانتماء للدولة، ويولد العنف ضد مؤسساتها؛ يسبب وقوع كثير من الجرائم بدافع البحث عن متطلبات الحياة، وهو ما يمس أمن المجتمع.
صحيًا.. الفقراء في خطر
يسبب الفقر أيضا بحسب تصريحات استشاري الأمراض النفسية، أضرارا صحية على الفقير نفسه منها قلة نسبة "الدوبامين، والسيروتنين، و5ht، وزيادة نسبة النورأدرينالين، وهي مادة قابضة للأوعية الدموية عندما تزيد تسبب صداعا وارتفاع السكر والضغط، وأيضا مشكلات في المعدة، وآلاما بالمفاصل، واضطرابات في النوم"، قائلا: "تزداد الأمراض النفسي جسمية عند الفقراء بسبب الشعور بالضيق والضغط الاقتصادي، وتتولد شرارة عنف ينتج عنها أضرار صحية وأمنية يعاني منها المجتمع وليس الفرد فحسب".
العشوائيات فى مصر
مستشار نفسي للحكومة
أشار استشاري الطب النفسي، إلى ضرورة احتواء الحكومة الحالة النفسية للمواطن الفقير التي قد تتسبب في تقبله برامجها الإصلاحية أو تمرده عليها، مضيفا "على الحكومة قبل إصدار القرارات التي تخص الإصلاح الاقتصادي، وتمس احتياجات المواطن، يجب عليها دراسة الأثر النفسي لتلك القرارات".
ولفت إلى أن برنامج "مصر تنطلق"، يقدم خطوات جيدة لصالح المواطن الفقير، ولكنه للأسف يفتقر إلى طريقة العرض النفسية الصحيحة، مطالبا بضرورة وجود مستشار نفسي للحكومة ضمن منظومة لدعم القرار النفسي يعرض عليها قرارات الحكومة قبل العرض على الشارع لتقوم بدراسة نفسية لهذه القرارات، وأثرها على الفقراء ومدى تقبلهم، وما إذا كانت هناك أدوات أخرى للدعم تستعين بها هذه الطبقة في تقبل القرارات الضرورية للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.
بالإضافة إلى التركيز على المشروعات التي تهم هذه الطبقة، وهي عادة تتعلق بالغذاء والدخل المادي؛ حيث لا يهتم المواطن الفقير بمشروعات الدولة الكبرى كالطرق والكباري وغيرها، بل يرى اقتصار الإعلام على الحديث عنها تهميشا له ولقيمته في المجتمع، لذا يجب أن تهتم الحكومة بالمشروعات الصغيرة، والإعلان عنها بقوة، وتوصيل ذلك إلى المواطن الفقير، و"على الحكومة أن تضع رضا الفقراء ضمن منظومة عملها"، وتابع: "الفقير لا يمانع من المساهمة في بناء الدولة حبا في الوطن، لكنه يحتاج إلى طريقة نفسية صحيحة لعرض قرارات الحكومة الإصلاحية".
1000 جنيه للفرد و5000 للأسرة
السبب الجوهري للفقر هو قلة المال عند الفرد أو عدمه بحيث لا يكفي المتيسر منه لتوفير الالتزامات الرئيسية للإنسان، وعليه يصبح المال أو النقود هو العنصر الجوهري في حياة الإنسان، وعندما يفتقد الإنسان قدرته على توفير احتياجاته الأساسية لا يشعر بالوجود والتمتع بالحياة.
وكانت حكومة مصطفى مدبولي، أعلنت عن تقديم برامج حماية للفقراء يتم توحيدها في برنامج "تكافل وكرامة" الذي يحوي 5.3 مليون أسرة تضم نحو 18 مليون مواطن بتمويل سنوي يقارب الـ20 مليار جنيه، منها نحو 5 مليارات جنيه لذوي الاحتياجات الخاصة.
وبحسب آخر بحث قام به الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عن "الدخل والإنفاق في الأسرة المصرية" فإن معدلات الفقر وصلت في 2015 إلى 27.8% أي نحو 25 مليون مصري تحت خط الفقر، ويقل دخل الفرد في هذه الشريحة عن 482 جنيها شهريا، ويعيش نحو 5.3% من السكان تحت خط الفقر أي 4.7 مليون مواطن، ويبلغ متوسط دخل الفرد في هذه الفئة 322 جنيها شهريا.
وهنا يأتي السؤال.. كم يحتاج الفرد ماديًا ليرتفع فوق خط الفقر؟
أجاب عن ذلك د. مصطفى الوكيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمتخصص في دراسات التنمية، قال لـ"بوابة الأهرام"، إن المواطن الفقير حتى يصعد فوق خط الفقر لابد أن يتوفر له ما يشبع حاجاته الأسياسية في الحياة من دخل كريم يتيح له الحصول على مسكن لائق، ومأكل مناسب وبيئة نقية، ويتمكن من دفع فواتير الخدمات التي تقدمها الحكومة، والإنفاق على أبنائه في المدارس، وتوفير الاحتياجات لهم ثم يتبقي له دخل يتيح له الترفيه عن نفسه وأسرته، وهذا هو المطلوب حتى يشعر المواطن أنه ارتفع فوق خط الفقر.
وأكد أن الفرد الواحد يحتاج إلى نحو 1000 جنيه دخل شهري، وأن الأسرة التي تتكون من فردين إضافة إلى الزوج والزوجة بحاجة إلى نحو 5000 آلاف جنيه لسد احتياجاتهم، ولنستطيع القول أنهم فوق خط الفقر.
بيئة صحية
لا شك أن الفقير الذي لم يجد ما يكفي حصوله على قوت يومه ستكون إقامته في مسكن غير صالح للحياة الآدمية، فلم يكن صاحب أملاكا ليسكنها، ولم يكن ذا القدرة على استئجار المسكن، وبالتالي تحتويه غرفة أو خيمة أو الشارع لمجانية العيش به، وهنا تأتي بداية الأمراض والفيروسات التي هي نتيجة حتمية لبيئة غير نظيفة، ويجد الفقير نفسه أمام عبء مادي أكثر حيث تكلفة الشفاء.
وعن ذلك، قال د. محمد الزرقا، خبير البيئة الدولي، لـ"بوابة الاأهرام"، إن مكافحة الحكومة للفقر تقتضي الالتفات إلى البيئة؛ حيث الحفاظ عليها ومواردها، مشيرا إلى تنقية المياه للشرب والزراعة لما في ذلك من تأثيرات بالغة الخطورة صحيا وماديا على الفقراء.
وأوضح أن المواطن الفقير ليس لديه القدرة على شراء مياه معدنية، وعندما يشرب مياه ملوثة يصاب بالأمراض، وأيضا المحصولات الزراعية التي يتم ريها بمياه ملوثة سينعكس ذلك بالأمراض على الأفراد، مما يؤدي إلى إصابة الفرد نفسه ما يشكل عبئا ماديا على الفقراء الذين يعانون ثمن العلاج وعبئا اجتماعيا.
الدكتور مصطفي مدبولي خلال القائه كلمته بمجلس النواب
عدالة اجتماعية
قال د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، لـ"بوابة الأهرام"، إنه لا يمكن القضاء نهائيا على الفقر في أي مجتمع، ولكن يمكن تخفيف ذلك، لافتا إلى أن الشريعة الإسلامية قررت وسائل لتخفيف الفقر والحاجة والعول في المجتمع؛ وتتمثل في أمور مهمة منها "العدالة الاجتماعية"، مستشهدا في ذلك بقول الله تعالي "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"، ومستشهدا أيضا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم فقد كفر بما أنزل على محمد".
برامج اجتماعية لدعم الفقراء
وأكد أستاذ الشريعة الإسلامية، أن الشريعة حرمت وجرمت الغراء والتمايز الطبقي بين الناس فالأصل "الناس سواسية كأسنان المشط"، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بتقوى الله، مشددا على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
وأشار إلى ثمار تحقيق العدالة الاجتماعية فقال: إنها تحقق انتماء الناس إلى الدين والوطن واختفاء الحقد والحسد والغل والتطرف والغلو لذا على الحكومة تحقيق هذه العدالة من خلال برامج اجتماعية لدعم غير القادرين وتوفير فرص عمل للشباب من خلال مراعاة المشروعات الحقيقية كتشغيل المصانع المتعثره، وأن تكون الوظائف متاحة للجميع وليست لطائفة دون الأخرى، وتكافؤ الفرص، بالإضافة إلى دور مجتمعات المؤسسات المدني في مواساة ذوي الحاجات.
فقراء يتحدثون
في جولة لـ"بوابة الأهرام"، في شوارع القاهرة، تحدثت فيها مع عينة عشوائية من الفقراء الذين وعدت الحكومة بالارتفاع بهم فوق خط الفقر، فكانت البداية مع محمد عليان، رجل ستيني، قادم من صعيد مصر إلى رمسيس، حاملا أدوات معدنية ثقيلة تعينه على أداء مهام عمله؛ حيث يعمل في تكسير الحجارة ليصبح من عمال التراحيل، وبالحديث معه قال: إنه "يعاني في الحصول على قوت يومه إذ أن مهنته غير مضمونة الرزق، فقد يأتي من بلدته إلى القاهرة، ويظل منذ الصباح دون عمل ليعاود في المساء فارغ الأيدي".
ويضيف "عليان"، ذو الجلباب الرمادي، وهو يجلس على أحد أرصفة شارع الجلاء، ويمتلئ جبينه بكثير من العرق: "كيلو اللحمه بـ130 جنيها أجيبه إزاي"، وتابع أنه ذهب لأحد المطاعم برمسيس، ليتناول الإفطار فوجئ بمعاناة أثناء الحساب، قائلا: "حسبولي رغيفين العيش بجنيه ونص؛ يعني الرغيف الواحد بـ75 قرشا".
أحمد حسني، حاصل على ليسانس حقوق جامعة القاهرة، ويعمل مساعدا لسائق "باص"؛ حيث يقوم بجمع الأجرة من الركاب، ويعيش بمفرده بعد أن توفي والداه وهو وحيدهما، ولم يرث منهما سوى شهادته الجامعية التي لم تضمن له الوظيفة، والمستقبل كما كان يخبره والده، فقال: "أبويا قاللي إحنا فقرا بس أنت هتبقى غني بشهادتك".
وتابع الشاب العشريني، في انكسار: "4 سنين في الجامعة، وفي الآخر بلم الأجرة من الناس".
وبسؤاله لماذا لم تعمل بأحد المكاتب القانونية، قال: إن "العمل يستلزم فترة تدريب وذلك بدون مقابل مادي، وليس لدي من يتكفل بمصاريفي أثناء ذلك" متابعا "أنا عايز شغلانه في مجالي.. قولي كده للحكومة".
أما ذكية عرفة، التي توفي زوجها وترك لها أبناءه في ذمتها فتكفلت بهم، وزوجتهم جميعا بنين وبنات، رغم ظروفها الصعبة؛ حيث كانت تعمل على عربة فول بحي الدقي، وكانت هي المصدر الوحيد للدخل قالت: إنها "تتقاضى 333 جنيها معاشا، وتسكن بمفردها في شقة مكونة من غرفتين بمنطقة ميت عقبة، ولا يكفي المعاش حاجتها من الطعام والدواء؛ حيث تعاني من مرض السكري والضغط"، قائلة: "والله ما بناكل الفراخ ولا بندوقها".