Close ad

العالم كأس! وهزيمة الدقيقة الأخيرة

26-6-2018 | 00:12

العالم مسجون في شاشة كأس العالم.. عيون الملايين مشدودة إلى الملعب الروسي.. وكأنه لو زلزلت الأرض زلزالها فلن تحرك هذه الكتل البشرية.. اللعبة أقوى من السياسة.. وأقوى من الاقتصاد.. وأقوى من السلاح وأقوى من كل شيء.. وأقوى وأقوى.. إنها ثقافة الكرة.. ثقافة اللعب (!!).

من وحي هذا الحدث العالمي، الذي لا يتكرر إلا كل أربع سنوات.. تستغرقني اللحظة.. تتمدد خواطر شتى.. تستدعي التأمل في وقت يعز فيه التأمل إلا قليلا.. وأتوقف أمام مفارقة.. إذ تبدأ المباراة في الثانية المحددة بالضبط.. وتنتهي في الثانية الموقوتة بالتمام والكمال، وإذا تأخرت صفارة الحكم يثور الجمهور واللاعبون وكل خلق الله الرياضيين.. حتى الوقت الضائع يحسب بدقة متناهية ليس كمثلها دقة بشرية! - كل ضربة محسوبة.. وكل حركة بحسبان.. وكل لحظة بثمن.. وكل ثانية تحسب بمقياس يعد أجزاء الثانية.

أية دقة هذه؟!، وأية (جدية) في هذه (اللعبة)؟!

لا هزل في اللعب.. إنه لعب فصل.. ثم هناك (الحدود) والويل إذا تجاوزت الكرة (حد) الملعب أو إذا اقترب اللاعب من (الخط).

إلى هذا الحد تكون المعاناة في اللعب.. ما لنا لا نلعب (كرة الحياة) بمثل هذه الدقة والأصول والقوانين والحدود؟!

ما لنا نحول حياتنا إلى (وقت ضائع) حتى ليصبح (الوقت الضائع) هو القاعدة، ودونه الاستثناء؟!

ساعات العمل تمر ثقيلة الخُطى على الصدور!.. قضاء مصالح الناس أثقل من الهم على القلب!..

عندما نكون على (موعد) لا نعبأ ولا نهتم.. أما موعد بدء المباراة فنلبيه قبله بوقت طويل!..

حدود الله نقربها.. وحدود الملعب مقدسة!.

قوانين المجتمع نخرقها، وقوانين اللعبة لا تمس ولا ينبغي!.

إنذار الحكم نتعامل معه على أنه فوري.. وإنذار السماء ننظر إليه على أنه نسبي!.

صفارة المباراة تجبر على الخضوع.. وصفارة الحياة لعبة أطفال!.

أوامر الحكم نافذة لا محالة.. وأوامر الأعراف والمجتمع دخان في الهواء!.

حارس المرمى يقظ كله حيوية وانتباه.. وشبكة حياتنا يقذف فيها ألف "جول"، ولا نصد ولا نرد - حتى لتتمزق شباك أنفسنا.. ولا تستجيب للكارت الأحمر ولا الأصفر ولا الأسود!.

وتتسع اللحظة الرياضية والعالم قد صار كأسًا تشربه الملايين وتقاسمني التأمل رسالة في «الميديا» أحدق فيها طويلا.. إذ خرجت معانيها من الخاص إلى العام.. لتنسحب على كثير من متواليات في حركة الحياة.. وحتى لا تتفرع السطور فإنها انطلقت من ظاهرة الخسائر العديدة للمنتخبات العربية في اللحظات الأخيرة.

ومن هذه المتواليات ما تذكره الرسالة: (هزيمة الدقيقة الأخيرة)، وهذا التعبير تحول من النسبي إلى المطلق ضمن حدود الحياة، لذلك بدأت بعلامة استفهام: لماذا نخسر في اللحظات الأخيرة؟

الأمر لا علاقة له بلعنة ولا بالحظ، بل ويتعدى إشكالية اللياقة البدنية.. إنه مرتبط بطبيعة لياقتنا الذهنية وفهمنا للأمور، أسلوب حياة وثقافة!!

شاهدت في كأس العالم خسائر عديدة للمنتخبات العربية في اللحظات الأخيرة.. لأننا لا نتعلم احترام الوقت كاملًا.

الدقائق الأخيرة من العمل عندنا تعتبر دقائق انتظار للنهاية.. تململ وملل ونظر في الساعة.. راقب كيف نتعامل مع الدقائق العشرة الأخيرة من العمل في أي جهة وستدرك ما أقول.. تذكر كيف كنا نتعامل مع الحصة الأخيرة في المدرسة والدقائق الأخيرة من تلك الحصة تحديدًا.

إنها لحظات ترقب للمغادرة، حاول أن تنهي أي مصلحة في الوقت الأخير من يوم العمل وسترى رفضًا ومقاومة ودهشة لأن «اليوم خلص»، برغم أن موعد العمل لم ينته (عمل بعضهم ينتهي الثانية والنصف، وإذا حضرت الثانية إلا عشرة يطردك، ويقول لك: "انتهى وقت العمل").

هل تذكر كيف كان المدرسون في المدارس يمرون مرور الكرام على الصفحات الأخيرة من الكتاب؛ لأن العام أوشك على الانتهاء.. هل رأيت عندما تهبط الطائرة على الأرض فيبدأ الكثيرون في مغادرة مقاعدهم والوقوف، والمضيفة تصرخ؛ لأن الرحلة لم تنته.

ويجاوز المعنى إلى نقطة في غاية الأهمية في سلوكياتنا وهي .. أننا لا نحترم خواتيم أي شيء منذ الطفولة، ويستمر الأمر معنا في جميع مراحل العمر.. بينما أطفالهم وشبابهم ورجالهم يتعلمون أن وقت العمل هو وقت العمل.. والاستعداد للمغادرة لا يبدأ إلا بعد انتهاء الدقيقة الأخيرة من الوقت.

وتأسيسًا على ذلك يفوز غيرنا في الدقائق الأخيرة.. بينما نتحسر نحن على هذا الفوز، ونعتبر حدوثه لعنة وسوء حظ.. بينما هم يرونها مجرد دقائق عادية مثلها مثل ما سبقها من دقائق.. كلها تعتبر وقتًا مناسبًا للفوز.

عجبت لك أيها العالم..
توحدك الرياضة.. وتمزقك السياسة...!!.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة