هناك شخصيات إسلامية صنعت وحفرت خطوطًا عريضة في التاريخ الإسلامي؛ سواء من بيت النبي أو من الصحابة أو من الشخصيات التي لعبت دورًا بارزًا في الدين الإسلامي، ومن هذه الشخصيات السيدة جويرية بنت الحارث زوجة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسيحدثنا عنها الدكتور أسامة فخري الجندي الباحث بالأزهر الشريف، ومن علماء وزارة الأوقاف، في حوار خاص لـ"بوابة الأهرام": وإلى نص الحوار:
ماهو نسب السيدة جويرية بنت الحارث وإلى أي قبيلة تنتمي؟ وما أسباب زواج رسول الله "صلى الله عليه وسلم" منها؟
السيدة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك ابن جذيمة، وجذيمة هو المصطلق من خزاعة، قال ابن عباس: كان اسم جويرية: برّة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم جويرية، ولدت قبل البعثة بنحو ثلاثة أعوام تقريباً، تزوجها النبي "عليه الصلاة والسلام" وهي ابنة عشرين سنة في سنة خمس للهجرة، أو سنة ست على اختلاف بين المؤرخين، تعود أسباب زواج النبي "صلى الله عليه وسلم" من هذه السيدة جويرية إلى غزوة بني المصطلق، وتسمى بغزوة المريسيع، هذه الغزوة التي بلغ النبي "صلى الله عليه وسلم" أنباء بشأنها، وهي أن بني المصطلق يجمعون له ويستعدون لقتاله، وكان قائدهم الحارث بن أبي ضرار، فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام بهذا خرج إليهم حتى لقيهم على ماء، يقال له: المريسيع، فتزاحم الناس واقتتلوا، (فهزم الله بني المصطلق).
ما قصة إسلام أبيها ( الحارث بن أبي ضرار)؟
وكان أبوها الحارث سيداً مطاعاً، قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم . وقصة إسلامه يرويها لنا ابن هشام فيقول : لما انصرف النبي عليه الصلاة والسلام من غزوة بني المصطلق، ومعه جويرية بنت الحارث، وكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار، وأمره بالاحتفاظ بها، لكونها بنت سيد قومها، وكان هذا قبل توزيع الغنائم، وقدم النبي "عليه الصلاة والسلام" المدينة، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته، وأخذها ليجلب قومه، فلما كان بالعقيق نظر أبوها إلى الإبل التي جاء بها، ليفدي ابنته، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى النبي "عليه الصلاة والسلام"، وقال: يا محمد، لقد أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال "عليه الصلاة والسلام": أين البعيران اللذان غيبتهما في العقيق في شعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أنك رسول الله؛ لأن هذا الذي فعلته لا يعلمه أحد إلا الله.
كيف كان حال السيدة جويرية في بيت النبوة؟
كان لا بد أن يكون للرسول "صلى الله عليه وسلم" أثر كبير في تربيتها وتهذيبها وتشكيل عقلها، حتى أعدها لتكون أمّا للمؤمنين، فتأثرت به رضي الله عنها في عبادتها وتصرفاتها وسائر حركاتها، فكانت تصوم من النوافل الكثير، حتى صامت يوم جمعة منفردا وأمرها الرسول "صلى الله عليه وسلم" بأن تفطر، وكانت تظل تذكر الله بعد الفجر حتى الشروق، كما كان الرسول "صلى الله عليه وسلم" يفعل ذلك.
لماذا لم يطلق النبي "صلى الله عليه وسلم" سراحها؟ ولكن تزوجها!!!
ذكر ابن إسحاق عن السيدة عائشة أنها قالت: لما قسّم النبي عليه الصلاة والسلام سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بالسهم لحارث بن قيس بن شماس، أو لابن عم لها، فكاتبته على نفسها، دائماً ابنة سيد القوم لها عزة وكرامة، فكاتبته أن تعطيه شيئاً من المال على أن يعتقها، فأتت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" تستعينه في كتابتها، فلو تعينني على أن أدفع المال لهذا الذي كنت نصيبه لعله يعتقني.
قالت عائشة: فلما دخلت على النبي "صلى الله عليه وسلم"، قلت: يا رسول الله، جويرية بنت الحارث سيد قومه، قالت: يا رسول الله، قد أصابني من البلايا ما لا يخفى عنك، وكاتبني على نفسي، فأعني على كتابي، فلما رأى النبي "عليه الصلاة والسلام" أنها هذه المرأة بنت سيد قومها الحارث الذي جمع الجموع لقتاله، تسترحمه وتستنجد به، للتخلص من الرق والعبودية، حفاظاً على كرامتها، وكرامة أبيها، وقومها، وهو الرؤوف الرحيم، وأنه لا بدّ أن يستجيب لأمرها ، ويلبي طلبها.
معلوم أن رسول الله كان بإمكانه أن يطلق سراحها بلا فداء، وهو ضامن، ولكن ماذا فعل النبي "صلى الله عليه وسلم" ؟- فقال عليه الصلاة والسلام: أو خير من ذلك، أتحبين شيئاً خيرًا من ذلك؟ قالت: ماذا؟ قال: أؤدي عنك كتابك، وأتزوجك، قالت: نعم، ففعل ذلك.
فبلغ الناس أنه قد تزوجها فقالوا: أصهار رسول الله عندنا، أطلقوا سراحهم جميعاً، لذلك قالوا: أعتق الله بها مئة من أهل بيت قومها، فما كانت امرأة مباركة على قومها كهذه المرأة))
لماذا تكره السيدة جويرية الرق والعبودية وتتشوف للحرية؟
وقد ظهر هذا واضحًا جليًّا بما لا يدع مجالًا للتفكير، وذلك حينما حاولت افتداء نفسها من الرق بالاكتتاب، فكاتبت على نفسها واتفقت مع ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري على مبلغ من المال تدفعه له مقابل عتقها، رغم أنها لم تكن تملك ما تفك به نفسها؛ إذ إنها أتت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وطلبت منه أن يعينها على المكاتبة.
تعتق من حر مالها:
فعَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَرَدْتُ أَنْ أَعْتِقَ هَذَا الْغُلَامَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَعْطِيهِ أَخَاكِ الَّذِي فِي الْأَعْرَابِ يَرْعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِكِ»
ماهي أهم الصفات التي اتصفت بها السيدة جويرية؟
من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات :
فقد ورد أنها كانت تذكر الله من بعد الفجر وحتى شروق الشمس، ولندع السيدة جويرية تروي لنا هذا فتقول : (خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي مُصَلَّاي فَرَجَعَ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ وَأَنَا فِيهِ، فَقَالَ: «لَمْ تَزَالِي فِي مُصَلَّاكِ مُنْذُ خَرَجْتُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: " قَدْ قُلْتُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَّ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ " ) ومن الصائمين والصائمات.
هل كانت تكثر من الصيام؟
أَصُمْتِ أَمْسِ؟
ولأن السيدة جويرية تشكل عقلها ووجدانها بالتعاليم النبوية المشرفة ، فكانت تحب العبادات ، وكانت تكثر من الصيام ، فلما أرادت أن تصوم يوم الجمعة منفرداًا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر ، فعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟»، قَالَتْ: لاَ، قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: لاَ، قَالَ: «فَأَفْطِرِي»
هل لها من الأحاديث عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"؟
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ جُوَيْرِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَزْوَاجِكَ يَفْخَرْنَ عَلَيَّ وَقُلْنَ: لَمْ يَتَزَوَّجْكِ. فَقَالَ: «أَلَمْ أُعْظِمْ صَدَاقَكِ؟ أَلَمْ أُعْتِقْ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِكِ؟»
المحدّثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
وقد روت السيدة جويرية عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بعض الأحاديث، فكانت بذلك خير ناقل للتعاليم النبوية إلى الأمة كلها، وقد روى عنها عبد الله بن عباس، وعبيد بن السابق، وأبو أيوب، ومجاهد، وعبد الله ابن شداد .
متى توفيت السيدة جويرية ؟
وتوفيت السيدة جويرية بنت الحارث في ربيع الأول سنة ست وخمسين، قال ابن عمر: وحدثني عبد الله بن أبي الأبيض عن أبيه قال: توفيت جويرية بنت الحارث زوج النبي "صلى الله عليه وسلم" في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في إمارة معاوية، وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة.
قال ابن عمر: وأخبرني محمد بن يزيد عن جدته - وكانت مولاة جويرية بنت الحارث - عن جويرية رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأنا ابنة عشرين سنة، قالت: توفيت جويرية سنة خمسين وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة، وصلى عليها مروان بن الحكم.