المدقق في سيرة الكاتب علاء الأسواني، سيصطدم غالبا في كل محطاته بحقيقة واحدة وهي عداؤه الشديد لكل شيء وأي شيء ورغبة غير مفهومة في الخروج عن كل القيم، فلا يوجد أي أطر دينية أو أخلاقية تحكم كتابته، وكأنه أراد أن يسوق نفسه في هذا الإطار، لكن الأسوأ من ذلك، محاولته الفجة في استغلال كتاباته لتسويق مواقف سياسة شخصية بطريقة تفتقد كثيرًا للحرفية ما جعل بعض مشاهد رواياته تفضح الكثير من تحالفاته مع جماعات ظلامية يحاول أن يتنكر منها في العلن.
موضوعات مقترحة
الحقيقة أنه ليس عيبا أن يطرح الكاتب موقفا سياسيا أو اجتماعيا في رواياته، أو تسجيلًا لحالة أو طبيعة فترة زمنية ما، لكن يجب أن يحدث ذلك عن طريق "الحكي" المسترسِل على لسان الراوي أو الأبطال، دون إعلان هذا الرأي صراحة، لأن القيمة تكمن في عرض الحدث بحد ذاته وليس التعليق عليه، مثلما جرى في رواية 1984 لچورچ أورويل، أو "الأم" لمكسيم چوركي، أو "الثلاثية" لنجيب محفوظ.
شيكاغو
وإذا أخذنا الرواية الأخيرة للأسواني التي تعد "كارثة أدبية" بكل المقاييس، سنجد أنه قد فضح تورياته الأدبية منذ العنوان المأخوذ عن مقال للأسواني نشره في مارس 2014 (تسقط جمهورية كأن)، الذي كان يهاجم فيه رموز الدولة بالأسماء ومؤسساتها وأعضاء المجلس العسكري.
كان من الممكن أن يكتفى الأسوانى بالكشف عن آرائه من خلال مقالاته السياسية، دون أن يلبس عباءة الروائى، أما أن يبدو روائيًا يستخدم أدوات السياسى فى التعبير، أو يغلب عليه السياسى فيستخدم الرواية للتعبير، فهذا امتهان للأدب وتقليل منه.
الأسواني المثير للأزمات
طرح الأسواني عام 2006، روايته عمارة يعقوبيان والتي قدم من خلالها شخصيات واقعية، كالفتاة الكادحة، التي تكافح من أجل الحصول على قوت يومها، ولكن جمالها جعلها مطمعا للشهوات وفرصة سهلة للشهوانيين، فيما كان بطل الرواية رجلا شهوانيا، يعشق الساقطات، ليصبح كالأسد العجوز الذي يتهاوى، وينتظر سقوطه بين الحين والآخر، ولاقت هذه الرواية بعد تحويلها إلى فيلم في عام 2007، هجوما كبيرا على الأسواني، لعرضه قضايا الشذوذ الجنسي بكل وضوح وصراحة.
حكاية الأسواني مع الإباحية لم تتوقف في يعقوبيان، بل امتدت إلى روايته شيكاغو التي لجأ فيها إلى وصف الحياة الجنسية تفصيلا لأغلب شخصيات الرواية، بالإضافة إلى ما ذكره عندما تحدث عن الحجاب، قائلا "مصر في أسوأ أحوالها يا صلاح، كل ما ناضلنا من أجله أنا وزملائي كان سرابا؛ لم تتحقق الديمقراطية، ولم نتحرر من التخلف والجهل والفساد... كل شيء تغير إلى الأسوأ.... الأفكار الرجعية تنتشر.. هل تتصور أنني المسلمة الوحيدة في إدارة التخطيط من بين خمسين موظفة، التي لا ترتدي الحجاب".
حب الأسواني لإثارة الأزمات لم يتوقف على الجنس، بل تجاوز الحدود الأخلاقية إلى هدم الثوابت برواية "نادي السيارات" في عام 2013، بعدما سمح بترجمتها للعبرية وتوزيعها في إسرائيل دون أي اعتبار للمقاطعة الأدبية المساندة للأخوة في فلسطين.
نادي السيارات
أهداف واضحة
هذه الإرهاصات الأولى لتاريخ الأسواني ربما لم توضح أهدافه الكبرى وراء إثارته كل هذه الأزمات، لكن روياته الأخيرة "جمهورية كأن" كشفت كراهيته الشديدة لكل ثوابت مصر الوطنية، إذ راح يبث سمومه الفكرية في كل تفصيل دون أي لمسة فنية، بل وأقحم شخصيات بلا معنى، فما عدا شخصية المسيحي الثري، الممثل الفاشل وخادمته، وقصة الحب التي جمعتهما، فإن حضور باقي الشخصيات ظل باهتًا وبدون أي تأثير، حتى لو أننا حذفنا نصفها، لن يحدث أي خلل أو ارتباك في الرواية، فقد كان من الواضح أن رغبة المؤلف في كتابة رواية سياسية صادمة، جعلَته يتناسى أولويات كتابة الرواية، وهي تقريبا نفس الرغبة التي دفَعَته لكتابة أسماء الأعضاء التناسلية للأنثى بألفاظها العامية الدارجة، بل أن محاولته للتحيز للشباب في ثورة يناير جاءت نقمة عليهم، بعدما حول أبطالها إلى مسعورين جنسيا وحشاشين، (يختلسون دقائق من زحمة التحرير لتدخين سيجارة محشوة بالحشيش تعين على صخب الميدان، وينزلون للتظاهر بعدما استبدت بهم الشهوة شوقا للرفيقات كى يخطفوا قُبلة عابرة).
عمارة يعقوبيان
الأسواني حاول في روايته ترسيخ أن الشرطة هى التى فتحت السجون، ومن خلال حوار لا تنقصه الركاكة يصدر القصة باعتبار الإخوان أبعد ما يكون عن التورط فى الحدث:
الوزير: الضباط عندهم تعليمات شفوية بالتعامل بالرصاص للسيطرة على المظاهرات، لا توجد ورقة واحدة تثبت تسليحهم بالرصاص، التسليح المثبت فى الدفاتر خرطوش وغاز.
علوانى: طبقاً للخطة ممكن تفتح السجون؟
ده حيحصل فقط فى حالة فشلنا فى السيطرة على المظاهرات.
حنفتح نحو خمسة سجون وعدد الهاربين حيكون بين 25 و30 ألف مسجون طبعًا زى ما كتبت فى الخطة، الهدف إحداث حالة هلع بين المصريين بحيث إنهم يقفون مع الدولة ضد المخربين.
عندك غطاء قانونى؟
الموضوع سيتم تقديمه على أنه محاولات تمرد فى السجن تصدى لها الضباط، لكن هناك قوة خارجية ساعدت المساجين على الهرب.
عظيم لكن فيه نقطة مهمة، الضابط اللى طول عمره عقيدته إنه يحرس السجن، إزاى ممكن يقتنع فجأة إنه يسمح للمساجين بالهرب.
ابتسم الوزير وهمس: أنا شكلت داخل الوزارة مجموعة خاصة من الضباط الأكثر ولاء، المجموعة دى تتلقى أوامرها منى شخصياً وهم موجودون فى كل مكان، لكن زملاءهم لا يعرفون عنهم شيئاً، ضباط المجموعة الخاصة هم اللى حينفذوا فتح السجون.
طيب افترض أن الضابط العادى تصدى ومنعه
تعليماتى حتكون واضحة لضباط المجموعة الخاصة إنهم لا يسمحوا بتعطيل الخطة مهما يكن السبب.
هذه الرواية هي حرفيا ما تريد جماعة الإخوان الإرهابية ترويجه، لذلك لم يكن غريبا أن تقوم قناة الجزيرة الراعية الأولى للإرهاب بنشر تحليل للكتاب ومدحه.
جمهورية كأن
ردود الأفعال المنتقدة للرواية لم تخرج في مصر فقط بل أيضًا على المستوى العربي، إذ يقول الكاتب الأردني محمد أبو رمان، في تغريدة له "شيء بائس أن يكتب كاتب الثورة مؤلفًا عنها ومؤرخًا لها فيظهر مثل هذا العمل المغرق في الجنس والجنس فقط ، والمبتسر".
الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق لم يخف رأيه كذلك في الرواية المبتذلة قائلا "الأسواني كعادته لا يجد مشاكل في استعمال الجنس في قصصه، بل هو يستعمله هنا بشكل فاق كل قصصه السابقة، هناك صفحات فيها كم شتائم يثير ذهولي..هذا يرفع السقف لأجيال قادمة من الكتاب.. فيما بعد لن تكون أسماء الأعضاء الجنسية التي تقال بالعامية كافية.. هناك كذلك أجزاء مثل تعرية ضباط الأمن لزوجات المساجين، يحكيها بالتفصيل الشديد لدرجة أنك تجد أن بعض السادية يتسرب لنفسك".