احتفى المصريون منذ القدم بالخيول، فهم يقعون في عشقها، ويقومون بتكفينها إذا ماتت، ويعتبرون الحصان رمزًا للجمال والنقاء، مثلما اعتبره الفراعنة القدامى، ويرسمونه على البيوت الطينية ويسجلون اسمه على العتبات ويعتبرونه إنسانًا.
موضوعات مقترحة
وتداولت وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية العربية والعالمية، منذ عدة أيام، خبر عثور الباحثين على رفات حصان مصري يبلغ من العمر 3 آلاف عام، دفنه المصريون القدماء بعناية في السودان، ولا يزال يحتفظ بشعر على أحد ساقيه وظهره، وهو أنثى، بلون الكستناء مدفون في كفن، في مؤشر على حب المصريين القدماء للخيول، والمكانة المرموقة التي كانت تحظى بها في ذلك الزمان.
وقال الباحثون، إن التغيرات التي طرأت على عظام الحصان تشير إلى أنه كان يجر عربة قبل نفوقه، كما أن القطع الحديدية القديمة التي دفنت بجواره تظهر أنه كان حيوانًا محبوبًا.
وأوضح البروفيسور ميشيل بوزون، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة بوردو بالولايات المتحدة، "كان من الواضح أن الحصان قد دفن بهذه الطريقة بعناية فائقة"، مضيفا أن "بقايا القماش على الحوافر تشير إلى وجود كفن الدفن، وأن التغييرات على العظام والقطع الحجرية واللجام تشير إلى أن الحصان كان يجر عربة".
ويقول الخبراء، إن العثور على رفات الحصان يمثل تحولًا كبيرًا بخصوص فهم طبيعة الحكم عند المصريين القدماء، لا سيما حكم مملكة كوش، إذ كانت الحيوانات تشكل رمزًا مركزيًا للدولة آنذاك، على ما يبدو.
يقول الأثري فرنسيس أمين لــ"بوابة الأهرام"، إن العملة الذهبية المصرية كانت تختم بختم الحصان، إلا أن "المصري القديم لم يعبده ويجعله إلهًا مثل معبوداته الحيوانية الأخرى"، مضيفًا أن مناظر الخيول "لم تظهر في مصر قبل الدولة الحديثة، حيث لم تكن هناك حروب عسكرية خاضها المصري القديم، إلا أن الفنان المصري في إحدى البرديات كان يؤكد بثقة أنه قادر على رسم الحصان بأكثر من هيئة".
حين اتجه المصري القديم للحروب خارج حدود دولته، حفاظًا على أمنه القومي، ظهر الحصان، كما يقول فرنسيس أمين، حتى في الأناشيد والأشعار، حيث مجده رمسيس الثاني، وصنع له أنشودة شعرية بعد معركة قادش.
في عصر محمد علي باشا، تناول أحمد أحمد الحتة، في كتابه "تاريخ الزراعة المصرية في عهد محمد علي الكبير" الكثير من أنواع الخيل في مصر، حيث كان منها عدة أنواع: (المصري، النجدي، الشامي، الدنقلي، الآسيوي والأوروبي).
وكان النوع المصري يختلف حسب الجهات، فحصان الوجه القبلي أكثر ضخامة وأكثر طولًا من حصان الوجه البحري، وهو مفضل عمومًا، وقد فقد النوع المصري قيمته منذ فتح سوريا ونجد واستيراد الخيل منها.
وكان سكان مصر يعتنون بالخيول فلا يعاملونها بسوء أبدًا، ويقدمون لها المئونة من البرسيم، وكانت الخيول السورية تعرف في مصر بخيل بجير، وخيل عنيزي، نسبة إلى قبيلة عنيزة، أما خيول نجد فقد كان يفضلها الأتراك والمصريون معًا، والخيول الدنقلية جلبت من النوبة العليا بعد أن فتحها محمد علي باشا.
استمر المصريون في احتفائهم بالخيول حتى وقتنا الحالي، وخاصة في الصعيد، فهم يطلقون عليه الكثير من الأسماء، ويعاملونه باحتفاء كبير حتى في سباقات المرماح التي تقام في محافظات الصعيد، وإذا مات مربي الخيول، يقوم الخيالة بإحياء تقاليد عربية قديمة بوصم جبهات الخيول بالطين الأسود حزنًا على رحيل صاحبها الفارس، حيث يعتقدون أن الخيول تحزن على صاحبها، أما إذا مات الحصان، فهو يتقبل فيه العزاء، ويفتح له الديوان، ويتم تكفينه ودفنه في مدفن يليق به.
يقول النوبي مصطفى الأمير، أحد مقتني الخيول، لـ"بوابة الأهرام"، إن الفارس والحصان لهما مواصفات خاصة ومعاملة مخصوصة في الصعيد، فلقب فارس بالضرورة يلزمك أن تكون شاعرا نبيلا عالما بأصول التعامل مع الخيول، الذي يصفها أهل الصعيد بفروض وواجبات معاملة الجواهر الثمينة، لافتا إلى أن الفارس لا يجبر الحصان على الدخول لأى مكان لا يهواه، إلى جانب أن لغة الحصان تكون باللمس الرقيق، وأن تسمح لنفسك بمعاملة الحصان بلغة القرب والدفء، فالحصان دائما يعرف صاحبه من رائحته.
ويقسم النوبي، الخيل إلى قسمين خيل سعد (سعيد) يجلب السعادة والبركة لمن يقتنيه، وخيل آخر "نحس" يجلب التعاسة لمن يقتنيه، موضحا أن الخيل السعيد له مواصفات يعرف منها عند شرائه وهى أربع: أن يكون تحت اللسان "بلحة حمراء"، وأن أرجله الثلاث "محجلة" البياض، أما القدم اليمنى فتكون حمراء كالجسم، ويكون صدر الحصان به "نخلة الشريحة"، وهى مجموعة من الشعر تكون على هيئة النخلة، وأن تكون الجبهة بها غرة بيضاء تسمى "السيالة"، وهى تبدأ من نصف الجبهة وتنتهي بشفة الفم السفلى، وهذه مواصفات الخيل الذي يجلب السعد.
أما الخيل "النحس"، فيكون بخلاف ذلك، وأكد أن من التقاليد أن يقوم الفارس بحماية حصانه من الحسد؛ لذا غالبًا ما يضع التمائم والتعاويذ على رقبة حصانه اعتقادًا منه أنها تحميه من الحسد.
في منازل الصعيد ترسم الخيول في موسم الحج خاصة في منازل أسوان؛ حيث تضم المنازل صور الرسام الفطري عيد السلوواي، الذي يرسم المنازل بريشة مصنوعة من طالع النخيل، كما يطلقون عليها في الصعيد "جرباحة"، اقتطعها من نخيل نوع بلح "سكوت"، حيث رسم أشهر الخيول التي حازت علي السباقات مثل القصبجي والإنجليزي وغيرهما.