نشأنا منذ الصغر، ونحن نسمع من آبائنا وأمهاتنا، أن شهر شعبان شهر مميز له منزلة عظيمة، ونراهم وهم يكثرون من الصيام والعبادة فيه، وعرفنا أن فيه ليلة هي من ليالي التجلي وقبول الدعاء، فما السر وراء ذلك؟ هذا ما حاولنا معرفته من آيات القرآن الكريم، ومن سيرة نبينا الكريم "صلى الله عليه وسلم".
كان رسولنا محمد "صلى الله عليه وسلم" يكثر من الصيام فيه؛ لما روى الإمام أحمد، والنسائي، من حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: "لم يكن (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) يصوم من الشهر ما يصوم من شعبان، فقال له: لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
وفي هذا الشهر المبارك جعل لنا الله هدية عظيمة الثواب، ألا وهي ليلة النصف من شعبان، وهي ليلة الخامس عشر، أي الليلة التي تسبق يوم 15 شعبان، وتبدأ من بعد صلاة المغرب، وحتى دخول صلاة فجر اليوم التالي، ولهذه الليلة أهمية خاصّة في الإسلام؛ حيث تم فيها على ما ذكره البعض، تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام بمكة المكرمة.
وهي أيضا الليلة التي قيل إنها قد نزلت فيها الآية الكريمة التي تبين قدر نبينا العظيم عند الله "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" سورة الأحزاب.
وقد ورد في هذه الليلة أحاديث كثيرة، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، فمن الأحاديث الصحيحة الثابتة عند بعض العلماء، ما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطلع الله على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن).
من أسماء ليلة النصف من شعبان
عرفنا أيضًا أن لليلة النصف من شعبان عدة أسماء منها:
ليلة الإجابة، وليلة الشفاعة، والليلة المباركة، وليلة الدعاء، وليلة البراءة
وليلة الغفران والعتق من النيران، وليلة القِسمة والتقدير
وتسمى أيضا ليلة التكفير، وليلة الحياة.
دعاء النبي في ليلة النصف من شعبان
ولأنها ليلة مباركة؛ فإن للدعاء فيها سحرًا خاصًا وفضلًا عظيمًا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل ـ عليه السلام ـ فقال: هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب، لا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل، ولا إلى عاق لوالديه، ولا إلى مدمن خمر، قالت: فسجد ليلا طويلا وسمعته يقول في سجوده: "أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جل وجهك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "، قالت: فلما أصبح ذكرتهن له، فقال: يا عائشة تعلمتهن؟ فقلت: نعم فقال: تعلميهن وعلميهن، فإن جبريل عليه السلام علمنيهن وأمرني أن أرددهن في السجود. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
تحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان
ومن أهم الأحداث التي رويت في هذه الليلة، أن الإمام النووي في الروضة رجح أن تحويل القبلة كان في ليلة النصف من شعبان، استجابة لرغبة رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، حيث كان يقلب وجهه في السماء فأنزل الله عليه قوله تعالي: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ).
وكان النبي "صلى الله عليه وسلم" قد صلى الركعتين الأوليين من الظهر فاتجه في الركعتين الأخريين إلى المسجد الحرام.
وكان هذا في العام الثاني من الهجرة على أرجح الآراء - بعد أن صلى المسلمون قرابة الستة عشر شهرًا تقريبًا تجاه المسجد الأقصى.
وهكذا نرى أن الاحتفال بهذه الليلة المباركة الجميلة بالتقرب إلى الله عز وجل فيها والإكثار من الدعاء أرجى للقبول وللثواب لما ورد فيها من فضل عظيم وأجر كريم، فيارب أعنا على طاعتك فيها كما تحب وترضى...