د.عادل بدر يكتب: تداخل الأنواع الأدبية.. آفاق الكاتب والنص والقراءة

7-4-2018 | 18:09
دعادل بدر يكتب تداخل الأنواع الأدبية آفاق الكاتب والنص والقراءةد.عادل بدر

لا تخفى أهمية الأجناس والأنواع؛ لأن أى مبدع ينطلق من تصور عام للنص يكتب بصورة أو بأخرى تحت جنس أو نوع محدد. و"على الدرس الأدبي أن يسعى إلى تحديد جنسية "النص" أو نوعيته، والاكتفاء بإعلان -انفتاح النص - وهو سمة جوهرية في أي نص، فقد يعوق انتباهنا إلى أهمية وضرورة الكشف عن النوع في النص، ويحول دون تطور الدراسة السردية وهي ترمي إلى متابعة كل ما يتصل بالسرد من مختلف جوانبه وفي كل قضاياه ومكوناته.

موضوعات مقترحة

وقد ألمحنا أن أرسطو ، في كتابه "فن الشعر"، هو أقدم من تناول مفهوم التطور فيما يتعلق بالتاريخ الأدبي، وقد وضح أرسطو أن أصل التراجيديا يعود إلى شعر الديثرمبوس، في حين يعود أصل الكوميديا إلى الأغاني والأناشيد.

ومما لا شك فيه أن عنصر القص لم يكن في يوم من الأيام غائبًا عن النص الشعري العربي، قديمه وحديثه، وأن الشعر العربي لم يأخذ يومًا بثلاثية أرسطو القائمة على التمييز في نظرية الأدب بين ثلاثة أنواع من المحاكاة تنتج أجناسًا أدبية غنائية أو درامية أو ملحمية، و"النصوص الشعرية العربية التي يمكن إدراجها بحديّة خالصة تحت كل نوع من هذه الأنواع نصوص قليلة جدًا، ولا يمكن مع قلة عددها اعتبار هذا التقسيم في الأدب العربي ظاهرة يمكن الركون إليها.

إنَّ استخدام تقنيات السرد في الشعر العربي لم يرتق إلى درجة اتخاذ هذه التقنيات كوظائف بنائية رئيسة في إنتاج النص الشعري إلا مع موجة الحداثة الشعرية، إلا أن مجرد تداخل السردي بالشعري يعد دليلًا كافيًا على وعي الشعراء بأهمية التقنيات السردية ودورها في التخفيف من ذاتية الشعر والخروج به من حيز الاستعارية إلى مقاربة الكنائية.

إن تداخل الأنواع الأدبية، بعضها ببعض، لا يعنى نفي فن لصالح فن آخر، فالفن يتطور ويجدد نفسه وإبداعاته، وقد تبرز أنواع جديدة تخلق مبدعيها ومتذوقيها. فالفن - ككائن وحيد الخلية- يتكاثر وينقسم ويتكيف، وينتج أنواعًا جديدة تلائم الظروف الجديدة ، وما يبدو واضحًا اليوم أن التمييز أو وضع فروق بين الأنواع الأدبية لم يعد ذا أهمية، فالحدود الموضوعة تهاوت، ويتم عبورها وتجاوزها.

والشعر هو مواجهة تتم في الكلمات وبالكلمات؛ لذلك "يصبح النص الإبداعي بمثابة الفضاء الذي تستعيد فيه الذات حريتها وتنتشل نفسها من عقال المحرمات والممنوعات. بل إن الكتابة تصبح هدمًا للمطلقات ودعوة إلى التمرد على المتعاليات" وهذا يفسر دخول الشعر منطقة السرد، وبالتالي ظهور قصيدة النثر، وهذا الخروج من شأنه أن يضع الذات على درب التمرد على الممنوعات والمتعاليات، ويطلق العنان للأهواء والرغائب والنزوات، هذا الخروج الذي يتحقق في الكلمات وبواسطتها، هو- بالضبط- ما يفسر النتوءات الشعرية الجديدة ووجود النص المفتوح، أو عابر النوع.

والنص نفسه كمتن متحقق مستقل عن كاتبه، ثم القراءة التي تعد النص مكانًا تلتقي عنده آفاق عدة: أفق الكاتب وأفق النص وأفق القراءة لتخلق من أنصهارها وتفاعلها شكل النص الجديد. وهي بذلك ترفض التركيز على قراءة النص، باعتبار منتجه، مما يحول ملفوظاته إلى وثائق ومستندات تلي المرجع وتتبعه وتجسد هيمنته المنتج وكيانه الخارجي دون اهتمام بالمتن ومفرداته ونظمه الداخلية وخصائصه النوعية. أما في مناهج القراءة والتقبل، فكل أجزاء النص إنما تجسد علاقته بنوعه من جهة، وما يحقق من مزايا داخلية تكشفها القراءة من جهة أخرى.

لم تعد قراءة النص إذن مرهونة بوجود المتن لذاته، بل تعدته إلى ما يسبغ عليه القارئ من نشاط تأويلي يسمح به هذا المتن دون أن يعيقه أو يقهره أو يكبته بربطه آليًا بصاحبه وحياته ونفسيته وإيديولوجيته. وغدا نشاط القراءة والتأويل جزءًا متممًا للتأليف لا يطابقه بالضرورة ولا يفرض نموذجًا موحدًا للشرح والفهم والتفسير وبذلك تحققت حرية النصوص بعدم إخضاعها لمعنى (أو غرض) نهائي. وضمنت حرية القارئ عبر تعدد القراءات وتنوعها، شرط استنادها إلى المعطيات النصية ومستنداتها وما تثيره على مستوى التلقي. وبهذا دخلت إلى حقل تحليل المتون الشعرية مصطلحات كثيرة نتداول بعضها اليوم في لغتنا النقدية مثل (النص) و(القراءة) و(التأويل) و(الإيقاع الداخلي) وسواها مما لا يدخل في موضوعنا. ولكل من هذه المصطلحات مفهوم يحف به هو الآخر مستحدث في خطابنا النقدي العربي. فالنص هو الاسم الجديد للعمل الأدبي شعرًا ونثرًا، كما أن الدلالة تقابل المعنى الذي اختص بوحدات الجمل والعبارات، بينما تكمن وحدة الدلالة في النص بوصفه كينونة محددة من القول ذات وجود كلي.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: