Close ad

"اثنان أربع ستات" رواية بين الخيال الجامح وأحلام الثورة الذكورية

10-4-2018 | 16:24
اثنان أربع ستات رواية بين الخيال الجامح وأحلام الثورة الذكوريةالروائي د.عبد الرحيم درويش
مقال لـ صبري زمزم

أول ما يلفت النظر إلى رواية الدكتور عبدالرحيم درويش، الصادرة عن دار"روعة" للطباعة والنشر2017، هو عنوانها المبهم "اثنان أربع ستات" وغلافها الناطق،  فبقدر ما جاء عنوانها غامضا لا يدري القارئ كنهه ولا يتوقع معناه إلا من خلال مجريات الأحداث، جاءت صورة غلاف الرواية كاشفة لكثير من مضمون الرواية ودلالاتها، إذ تظهر على صورة الغلاف في الصدارة 4 نساء أشكالهن غريبة، لأن كلا منهن ذات شارب يقف عليه الصقر، أما في الخلفية فيقف رجلان بلا ملامح في إشارة إلى تهميشهما مقارنة بالنساء المسترجلات المتصدرات المشهد.

موضوعات مقترحة

وإذا بدأنا قراءة الرواية سنجد أنفسنا أمام رواية غير تقليدية، إذ نسج المؤلف من خياله مجتمعا كاملا بكل ما فيه من عناصر ومفردات وتفاصيل ، فالعصر الذي تدور فيه هذه القصة هو شهر 6 عام 2666، وهنا ندرك معنى عنوان الرواية 26666 فهي اثنان وأربع ستات، وهذا العصر كما تخيله الدكتور "درويش" هو عصر المرأة في مقابل عصر الرجل في القرن التاسع عشر الميلادي.

فكل شيء على النقيض منه تماما، فالمرأة هي صاحبة السلطة العليا، هي رئيسة الجمهورية ورئيسة الوزراء، وهي الوزيرة والمديرة والضابطة والقاضية.... إلخ حصريا، إذ لا وجود للرجل في أي من هذه الوظائف ولا غيرها،  فالرجل مكانه البيت ووظيفته الأساسية إمتاع الزوجة «السيدة» وولادة الأطفال ورعايتهم وإرضاعهم، وتنظيف بيت الزوجة وغسل ملابسها والسهر على راحتها، إذا إنه بلا مؤهل ولا تعليم، فالجامعات مقصورة على النساء، ومن يفكر من الرجال مجرد تفكير في الالتحاق بالجامعة، يكن مصيره كمصير «ثائرعلي» إذ تقف أمامه جدته لأبيه " ريري" معترضة معتبرة ذلك عارا في حق العائلة.

 ولما أصر"ثائر" علي رأيه لم يكن جزاؤه سوى العقاب الأليم منها والضرب المبرح، ليس له فحسب بل أيضا لأبيه وجده، ويعيش الرجال في حالة استسلام تام لبطش المرأة، التي "ترجلهم" في البيوت، وتنفق عليهم وترعاهم وتدافع عنهم، في المقابل لها حق مساءلة الزوج بل وعقابه أشد العقاب إذا قصر  أو أخل بأي واجب من واجباته تجاهها أو تجاه أولادها منه. فهي التي تعمل وتتعب ويبدأ العقاب بالسب والضرب المبرح حتى السجن بتهمة الإهمال في حق زوجته وأولاده... وإذا اعترض الرجل يكون مصيره الطرد من جنة امرأته ويصبح بلا مأوى ولا مورد ينفق منه فيضطر للصبر على مضض وقبول الذل والهوان، من أجل لقمة العيش التي تلقي بها زوجته في وجهه.

أما «ثائر» الذي يرى الوضع كذلك بين أبيه وأمه وجده وجدته، فيرفض أن يكون صورة منهما، يرى لنفسه صورة مختلفة يجب أن يحققها، فلماذا لا يدخل الجامعة، ويصبح ذا شأن في المجتمع، ولماذا لا يستقل عن المرأة، ويصبح ذا دخل يحميه من إذلال الزوجة لكن كيف يتم له ذلك إذا كان المجتمع كله يرفض ذلك وينظر إليه على أنه متمرد مارق.. وما زاد من آلامه تعرضه للتحرش ومحاولة الاغتصاب من بعض الفتيات في الشارع، لولا تدخل بعض المارة لإنقاذه من بين براثنهن، ويحول هو ووالده إلي قسم الشرطة ليُتهم أبوه بالإهمال في حقه وتركه في الشارع عرضه للذئاب من الفتيات العربيدات، ولم يصحبه ليوفر له قدرا من الحماية، وفي قسم الشرطة تحاول الضابطة مغازلة أبيه والتحرش به لفظيا وعندما يرفض والده مجاراتها تلفق له تهمة ويزج به في غياهب السجن.

هنا يثور «ثائر» ويصبح اسمه هو وصفه، وينضم إلى جماعة اسمها «الرجال الحق» هدفها الحد من سيطرة المرأة على الرجل ومحاولة إعادة الرجل إلي مقعد القيادة، والغريب في الأمر أنه يجد في هذه الجماعة سيدات ثائرات على الوضع الراهن ويحاولن مقاومته بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة فيقمن باختطاف السيدات اللاتي يضربن أزواجهن ليخلصنهم منهن، هنا تتنبه الحكومة الأنثوية وتعلن هذه الجماعة جماعة إرهابية محظورة، وتجرم أي نشاط لها وتطلب القبض عليهم ويصبح المجتمع كله من خلال الإعلام الواحد والرأي الواحد مجيشا ضد هذه الجماعة، لدرجة أن الجدة "ريري"عن أبلغت حفيدها "ثائر" ونشاطه مما جعله هدفا لمطاردة رصاص الشرطة ويصاب، وكانت تتباهي بأنها ضحت بحفيدها من أجل مصلحة المجتمع.

وتستمر الأحداث وتتفاقم حيث يسجن ثائر وأبوه في الوقت الذي تتعال فيه أصوات المقاومة وتنجح الثورة التي قام بها رجال الحق، ومن معهم من نساء متعاطفات معهم ليخرج الرجال من السجن، وتدعو السيدات اللاتي يعانين العنوسة- نتيجة منع تعدد الزوجات- وهن كثر إلى تحرير الرجل ليصبح سيدا، وفي النهاية يكون مشهد لرجلين كل منهما تزوج بأربع سيدات برغبتهن وتريبهن هربا من العنوسة، ليتجسد مع كلمة النهاية عنوان الرواية (اثنان ..أربع ستات ).

هذه الرواية عبارة عن فانتازيا تحكمها قوانين خيالية، لكنها في النهاية تعد ثورة علي الواقع المزري لبعض الرجال في الوقت الحالي، أراد الكاتب أن يحذرهم من تهاونهم في حقوقهم التي تسلبها المرأة،حقا وراء آخر، وتضيفها إلي رصيدها تحت شعار «تمكين المرأة» وغيره، ليجد الرجل نفسه في النهاية بلا أي رصيد، مما يؤدي بعد قرون إلي انعكاس الصورة تماما، وتصبح المرأة هي السيدة الآمرة الضاربة المعاقبة المهيمنة ويصبح الرجل هو المهان الخانع القانع الذليل المضروب المعاقب.

استطاع الدكتور عبد الرحيم درويش تقديم هذه الرواية في صورة مشوقة مدهشة، تتلاعب بالعواطف المختلفة ما بين إشفاق الرجال وتشفي النساء، واستطاع رسم صورة متكاملة لا ثغرات فيها ولا ثقوب لمجتمع خيالي ، ليقنع القارئ أنه يعيش في هذا المجتمع بالفعل، ويتحسس موضع أقدامه منه، ويحدد موقفه من هذا المجتمع المقلوب، ويحذره من مزيد من التنازلات.

وجاءت اللغة سهلة بسيطة صحيحة في الوقت نفسه بعيدا عن اللغة العامية المبتذلة التي يستسهل الكتابة بها أغلب الروائيين خصوصا في لغة الحوار، وبعيدة كذلك عن اللغة العربية المتقعرة في الوقت نفسه، وجاء الأسلوب مثيرا سريعا يجعل القارئ يلهث وراء الأحداث ليعرف تفاصيل ما لم يعرف، وما لم يتصور، وكيف سيخرج الرجال من هذا العذاب الأليم، لتأتي الثورة لتكتسح كل التناقضات وتعيد الأمور إلى نصابها.

وقد استخدم الكاتب تقنية الفلاش باك ليلقي الأضواء على بعض أسرار شخصياته مما زاد من التشويق والمفاجأة.

وليست هذه رواية عبد الرحيم درويش الأولى، فله عدة روايات أخري منها "الغيبوبة ،نفوس متمردة ، النزيل الجديد،اسمي رباب، وثلاثية سارة والعسكر وأوهام النصر وأصداء الخيال" ،وله مجموعتان قصصيتان هما أميرة في الخيال وصديقي الوزير.


الروائي د.عبد الرحيم درويشالروائي د.عبد الرحيم درويش

غلاف الروايةغلاف الرواية
كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة