Close ad

ذو الشعر الأبيض (قصة قصيرة)

8-1-2018 | 13:31
 ذو الشعر الأبيض قصة قصيرةلوحة للفنان النمساوي جوستاف كليمت
قصة لـ: د.عصام حسين

ماذا لو لم يكن هذا الرجل الذي يجري مسرعًا نحوي سائس الجراج؟ هو ليس مسرعًا فقط وإنما هو منقض أو يبدو كمن يسرع للحاق بشيء ثمين، أو شيء إن فاته خسر الكثير، خائف من شيء ما.

موضوعات مقترحة

يواصل الجري بينما أحاول إدارة السيارة كي أكون في مواجهة مقام السيدة نفيسة مباشرة، هذه المواجهة هي التي ستتيح لي رؤية صديقي وهو آت. سألني وصدره يعلو ويهبط إن كنت سأخرج. الغريب رغم أني نزعت مفتاح التشغيل ونزلت منها، ظل يسأل، بينما قطة بيضاء بشريط أسود على الظهر ترفع ساقها اليمنى الخلفية، بينها وبين عمود الإنارة مسافة لا أستطيع تحديدها.

لا أعرف إن كانت تبول أو أن هذه المسافة وهمية، أو أنها تستغل العمود في حك شعر ساقها أو أنها عرجاء، أو ربما الساق غير مرفوعة أساسًا، لست متيقنًا من شيء. السائس ما زال يسأل ويلح في سؤاله، قلت له تأكد أنني لن أخرج الآن وسأظل هنا. أخرجت عشرة جنيهات وأعطيتها له، فانصرف مطمئنًا، بينما أحاول أن أحدد بالضبط ماهية العلاقة بين عمود الإنارة وساق القطة التي تبدو لي مرفوعة، وبين عشرة الجنيهات واطمئنان السائس؟

المرأة ذات العباءة السوداء تصطحب طفلًا، ظهرت فجأة، لا أعرف من أي اتجاه أتت، غير أني وجدتها تقف والطفل جنبًا بجنب مع القطة التي لم يتغير شيء في وضعها. من أبعد نقطة في المكان، رجل يمشي ببطء شديد، ظهره في مواجهتي، ذو شعر أبيض، قامته مستقيمة وخطواته وئيدة. وقف بجوارهما وأخرج من جيبه أوراقًا مالية مطبقة، وأعطاها للمرأة بعد حديث قصير بينهما لم أسمع منه كلمة واحدة.

ارتطمت عيناي بمعصمي، أشارت عقارب الساعة إلى العاشرة مساءً تمامًا، انصرفت المرأة مصطحبة الطفل، تقبض علي يده باتجاه النقطة البعيدة نفسها التي جاء منها الرجل، في حين انصرف هو من اتجاه طريقها الذي أتت منه نفسه، والذي يفضي إلى سلم، لم أستطع تحديد ما يفضي إليه،غير بناء صغير أغلبه من خشب قديم.

رغم أني لم أتعرف على تفاصيل ملامحه، فإني تساءلت: هل يعيد الرجل تفاصيل المشهد برمته. رغم انقضاء ما يزيد عن عشر سنوات? وهل هي الأوراق المالية الملفوفة نفسها التي كنت أسددها نفقة متعة لم أحسها يومًا معها؟ وماذا كانوا يقصدون بالمتعة؟ أم يكون هذا اللقاء لأغراض أخرى؟ وهل هذا الشيء أوراق مالية حقًا؟ وهل وطأت قدماي يومًا ما هذا المكان؟

حديقة نفيسة العلوم ضربها الإهمال فبدت بلا أزهار يانعة أو أشجار باسقة، كل ما هنالك حشائش بالكاد تصنع قليلًا من مساحات خضراء، وكثيرًا من حفر طينية سوداء. أرى القطة وقد عبرت الإسفلت واختفت في اتجاه آخر، بينما صديقي يأتي من اتجاه النقطة البعيدة نفسه، جلسنا على المقهى، نري المقام من زاوية رؤية جانبية أخفت الكثير من معالمه، فيما قال صديقي إن اليوم هو الخميس، يذيعون أغاني أم كلثوم فقط، وباقي أيام الأسبوع يبثون "القرآن الكريم"، ثم بدأ يسرد حكاياته عن شارع "الأشراف".

ظهر الرجل، جلس وحيدًا في مواجهتي، سحب كرسيا آخر وطرقه بكف يده، دققت النظر إليه جيدًا فبدا لي وكأني أنظر في المرآة.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: