Close ad

"بوابة الأهرام" تنشر فصلين من رواية "أمير تاج السر" الجديدة (2-2)

30-11-2017 | 17:40
بوابة الأهرام تنشر فصلين من رواية أمير تاج السر الجديدة لوحة للفنان الإنجليزي فريدريك جودال
أمير تاج السر

اختص الكاتب السوداني أمير تاج السر "بوابة الأهرام" بنشر فصلين من روايته "جزء مؤلم من حكاية.. قصة قاتل" التي تصدر قريبًا.

موضوعات مقترحة

أمير تاج السر، كاتب سوداني، صدر له من قبل عدد من الأعمال من بينها: "صائد اليرقات"، "366"، "العطر الفرنسي"، "إيبولا 76"، "منتجع الساحرات"، وغيرها، ترجمت أعماله لأكثر من لغة، فاز بجائزة "كتارا" للرواية العربية في دورتها الأولى 2015 فئة الروايات المنشورة، كما بلغت روايته "صائد اليرقات" القائمة القصيرة لجائزة البوكر عام 2011.
......

 

-٢-

أمام باب نزل الأخوات في بوادي ما أزال أقف، تركض إلى رأسي الأفكار المختلفة، وأحس بشيء من التعب، أتذكر مهنتي ولا أحس بأي إحساس مخزٍ.

 
أنا قاتل.


 نعم سارق أرواح حقيقي، منحرف، ومتعجرف، وأمارس مهنتي هذه منذ أكثر من عشرين عامًا، بلا أية رغبة في التوقف، أو الالتفات إلى خربشة الكوابيس في أحلامي، وكانت فجة، ضارية، في بداية اشتغالي بسرقة الأرواح، وتحولت بمرور الوقت إلى ممارسة عادية مثل الجوع والشبع والتثاؤب، ومضغ الطعام، أكثر من ذلك، أضحى بعضها مستأنسًا، وصديقًا لي، وأفتقده إن غاب ولم يظهر في ليلي، ويوقظني، أو نهاري، ويثير في النشوة.


 من تلك الكوابيس المستأنسة، كابوس صدقات، صياد السمك الفارسي، الذي كان ضحية أولى، لا بد أن تترك تداعيات ما،  وكابوس بستان، الحلاق، واللص، الذي كان لا بد أن يتكون لأسباب خاصة جدًا، والياطور حسن، الذي كان ينشط اجتماعيًا، ويعارض السلطة، ولا بد أن السلطة هي من أرادت روحه، وثمة كابوس رابع كان يأتي أيضًا لكني كنت أكرهه، لا أحبه أبدًا، ولم أسع لمصادقته، لأنه كان مؤلمًا ويذكرني بلحظة خزي كبيرة، إنه كابوس: سلالة، تلك العروس النضرة، التي تسربت من الدنيا وهي في شهر العسل.

ومنذ أن وظفني "ديباج الفارسي"، صانع التمائم السمين، الأكثر حظًا بين زملائه صانعي التمائم في البلاد، وكان صديقًا مقربًا ووحيدًا في الواقع، في هذه المهنة الغريبة، الملعونة،  النادرة حقًا في ذلك الوقت، وربما في أي وقت آخر، وأنا أؤديها بالطبع في الخفاء، بلا سعادة كبيرة، ولا أستطيع إلا أداءها بتلك السعادة  المحدودة، مبتعدًا عن مهن أخرى، تمارس في العلن، وربما كانت ستسعدني أكثر إن كنت أخلصت لها، مثل مهنة الحاوي التي تعلمت بعض أحاييلها صغيرًا، بعد فراري من بلدتي في الشمال، ومارستها مساعدًا لساحر مغرور، متقلب المزاج، وأعور، اسمه: الطبطب، بعض الوقت وطردني، لأنني اغتظت من عنز متغطرسة كان  يستخدمها في عدد من الحيل، ذبحتها، ورميت بلحمها للكلاب، ومهنة صناعة الأقفاص  من الخشب والحديد، وعيدان الشجر التي لم أبق فيها إلا أشهرًا معدودة، وكانت من المهن المنهكة التي بلا رزق كبير، وأيضًا مهنة غاسل الموتى، عند رجل محنك، شبيه بالموتى، اسمه: قدار، وهذه أكسبتني الجلد، وسهولة تقبل الموت، وألحقني بها ديباج، لهذا الغرض بالتحديد.

 لا أعرف كم روحًا، بريئة أو مذنبة، سرقت حتى الآن، من دون أن يشتبه في أمري أحد، أو تتحاوم من حولي مجرد شكوك عادية أو فضول، باستثناء مرة واحدة، تم تسويتها بسرعة، وكم نهرًا من الدموع أريق على تلك الأرواح الضائعة، والأسوأ من ذلك، أنني لم أعرف أبدًا، لماذا كان على بعض الناس أن يموتوا بيدي وحدي، ولم أكن أعرف معظمهم، ولا بيني وبين أحد عداء ظاهر أو باطن، ولطالما أحسست وأنا أعبث بالأرواح في الظلام، بأن العيون المتخبطة في الرؤية تسألني لماذا؟ واللسان الذي يتمدد ويجف في اللحظة التي تسبق الصمت الأبدي، يسألني أيضًا، ولا أعرف لماذا؟ وحتى الفارسي  صانع التمائم  نفسه لا يعرف لماذا؟ هو وسيط متحجر، أو ربما يكون عاطفيًا، ويرتدي التحجر، يعرف الجاني، ومن يدفع من أجل الجناية، ولا شيء آخر، وكنت سألته منذ سنوات إن كان ثمة رذاذ من الكوابيس، يغزو أحلامه، أو يتسلل إليها أحيانًا، أو يتبعه أثناء صحوه، مثلما يحدث معي، فابتسم، في الواقع، ضحك:

- لا كوابيس عندي يا أخ، إلا كوابيس  الاستحلام، الكوابيس الممتعة، اللطيفة، صحبة نساء أتمنى أن ألعق غبار أحذيتهن في الواقع، ويأتين كاملات في الليل، أنا لم أقتل أحدًا، ولم أسع لقتل أحد، أنا ناقل رسائل، ولست  سكينًا أو خنجرًا.

ربما كان محقًا في رده، ولا يعرف إلا ما يراد له أن يعرفه: بعض  الجوانب النائمة، أو المسترخية في زوايا الموت التي آتي أنا لايقاظها، لإشعال ضجيجها الكئيب، لاختراع تعازيها وملامح العيون التي ستدمع داخلها.

 بعد أيام  من ذلك السؤال، وبلا مقدمات، وجدته يزورني في بيتي فجأة، في وسط  أحد النهارات التي كنت موجودًا فيها، أمارس طقوسًا تأملية شبيهة بالتي يمارسها الهنود المنتشرون بشدة في المملكة، ولم يكن يزورني في بيتي إلا نادرًا، وحين يجد شيء يريدني أن أعرفه، وكنت من ناحية أخرى، أتردد على ركنه في سوق "الدُفار" الشعبي، بصفة شبه دائمة.

 كانت بصحبته فتاة ناعمة، فتاة آسرة فعلًا، لها عينان  براقتان، وفم واسع لكنه جذاب، وأنف صغير يبدو حساسًا، وبه بثور حمراء، وجسد لا أعرف إن كان مكتملًا حقًا، أم مجرد جسد عادي لفتاة عادية، ذلك أن ثقافتي في النساء لم تكن على ما يرام، كانت مريضة جدًا، ومختصة بنساء الليل الباردات في جحورهن الرطبة، أغشاهن ساعة أن تكشر الرغبة السيئة عن وجهها، وتبحث عن جسد سيء لتخدشه.

وكنت أمرت مرات عدة بسرقة أرواح عدد من أولئك الهائمات، العاريات، لكن تلك الأوامر دائمًا ما كانت تسحب قبل أن تبدأ نشوتي المخبولة في التسكع قريبًا من الفاجعة، ويأتي ديباج ليسترد دنانير الوقاحة التي أمقتها وأحبها في الوقت نفسه.

 من أولئك الهائمات: سيدا الطيبة، أو سيدا أخت القمر كما كانوا يسمونها، وكانت فتاة ليل راقية، ولا تشبه فتيات الليل في كثير من التفاصيل، ولولا أن لها بيتًا في حي  "وطرة" الموبوء، وسريرًا من الخشب الرخيص، ووعاء كبيرًا لغسيل الشوائب، ودلوًا به ماء، وأن هناك من يطرق بيتها ومن يدخل ومن يخرج  ومن تسيل النشوة من تحت قميصه، لما تجرأ عليها الليل، وسماها فتاته.

 أيضًا "ملك سهرانة"، تلك الحسناء، التي جاءت من الحبشة في واحدة من الهجرات المعتادة، وكانت مغنية رائعة الصوت، وصديقة نزوات لرجل متمكن أو مقرب من القصر، كما يبدو، وأراد أن تنتهي تلك الصداقة على يدي، لكن ذلك لم يحدث.

قلت فتاة آسرة، أوقفها ديباج، في حوش البيت الصغير، ووقف بجانبها يردد:
- سنزوجك من مبروكة يا مرحلي، هذه غسيل ناعم للكوابيس، ستزيلها تمامًا، وفي ليلة واحدة، فقط، ماذا تقول يا أخ؟ هل قبلت؟ هل أحضر من يعقد القرآن؟

كان الفارسي قصيرًا إلى حد ما، وممتلئًا جدًا، له ثديان مترهلان، وقد ترك شاربه يستبد بشعر كثيف، ولحيته  خشنة، مبعثرة، وقد تحولت عيناه إلى ثقبين ضيقين وسط وجهه الممتلئ، كان على النقيض من الفتاة مبروكة، هي تشد النظر ليمتصها، وهو يمعن في إبعاده.

تلك اللحظة، تملكني خوف مستفز، ليس من الجمال والرقة وغسيل الكوابيس المتجسد أمامي بالطبع، وإنما من أن يكون سريًا انفتح أمام مبروكة، وفتاة  غضة مثل هذه، وإن كنت لا أعرف طبعها، ولا أعرفها أصلًا، أو أعرف صلتها بالفارسي حتى الآن، بالرغم من أنني شاهدتها مرة أو مرتين من قبل قريبًا من ركن التمائم، يمكن أن تبوح بما عرفت بكل يسر، ولا تعتقد أنها تذيع سرًا. ارتبكت واحدًا من ارتباكاتي المباغتة القليلة، وفي مهنتي لا يجب الارتباك، أو حتى مجرد التفكير فيه، أخذت أتأمل عنقها النحيل الناعم، وأفكر في إيذائها، أردد في سري، إن سرقة روحها لن تأخذ من يدي القوية سوى لحظات معدودة، نفذت بخيالي إلى ما تحت قميصها الأحمر الملتهب، وقلت في سري أيضًا، إن الخنجر التركي الذي اشتريته من تاجر سلاح  إفريقي متنقل بين الممالك، بسعر غير عادي، وأنزهه منذ سنوات في المهام المؤذية، سيتنزه  بسلاسة فائقة، وبلا أي تعثر تحت ذلك الثوب.

كنت قاسيًا، كنت مختلًا في الواقع، وأعرف أنني مختل، أستطيع استخراج الشوك، حتى من حديقة لا تحوي سوى زهور ملساء.

كان الفارسي يتعقب نظراتي، يتعقب أفكاري، ولم يكن ذلك غريبًا، فقد قام بصياغتي، بتهذيب الشر داخلي وتحويله إلى وظيفة. غمز بعينه وابتسم، وأظنه رفع أحد أصابعه السمينة وأنزله، وكانت كلها حركات تنبيه معروفة، وتصبح حركات طمأنة موثوقًا بها، إن استخدمها معلم في حق تلميذ، أو صديق في حق صديق آخر، ثم  لتنمحي بعد ذلك تلك الأفكار المربكة، وأعود لأواجه الفتاة بوصفها غاسلة للكوابيس: هل أريدها أم لا؟

-لا..

قلت بالجلد نفسه الذي أستخدمه حين أشرع في سرقة الروح:

-لا  أريد امرأة يا ديباج.. عد بها من حيث أتيت. عد بها. لا أريد امرأة؟

كانت صرخة كذابة، لأنني أريد امرأة، أحتاج إلى امرأة باستمرار منذ عرفت فراغات جسدي، وملأتها في الظلام، فقط لم تكن فتاة الفارسي من يلائم حياتي، أنا قاتل متعجرف، بلا مشاعر، وهذه فتاة تحتاج إلى أطنان من المشاعر، لترتوي روحيًا، وذلك العنق الرقيق الذي فكرت في إيذائه بيدي القاسية، قطعًا هناك من يفكر في خنقه بالذهب والعقيق.

 كانت تردد:

- لماذا يملك كوابيس يا عم؟

والفارسي يجيب ووجهه صارم جدًا:

- هناك شيطان داخله. لا تهتمي، تعالي.

كانا يغادران بيتي، هو ثابت المشية وهي متعثرة، وأعود إلى عزلتي التي كانت خيارًا قاحلًا ممتازًا، والفارسي يعرف أنها كذلك ما دمت أداته، وأداة من يدفع لذلك، ولا بد أتى بالفتاة، لهدف لا أعرفه، وسأسعى لمعرفته.

الآن فقط بدت لي مسألة تزويجي من امرأة جميلة، مسالمة، غريبة حقًا، ولم أفطن إلى غرابتها إلا بعد أن انصرف  ديباج وفتاته.

كان تزويجي يعني حصاري باستقرار ما، كشف سرية عملي لشخص آخر، تعريضي للوهن والخسارات وربما أساق للذبح، وهذه إضافات لا أريدها ولا يريدها ديباج بالطبع.

 في اليوم التالي، كنت عنده في ركن التمائم الذي يجلس فيه عادة، في  سوق: "الدُفار" الشعبي، وسط المدينة، حيث معظم فوران العاصمة هناك، ومعظم الحيل التي يحتال بها الناس على بعضهم، هناك أيضًا. لا بد من ضاربي رمل، وقراء كف، وصناع تمائم وأوهام، وباعة ألقاب مبجلة، لن تفيد أحدًا حتى لو اشتراها فعلًا. وهناك من يعرض خدمات لا تخطر ببال أحد قط، مثل تنعيم الحلق بزيوت خاصة، لمن يرغب بالغناء، وخلخلة الركبتين، ببعض اللبخات والأعشاب اللزجة، لممارسي رياضة العدو، ومط الأعضاء الذكورية بمعاجين خاصة، وتعليم المزاح بشتى أنواعه، للمتجهمين،  والبكاء بحرقة، لاستخدامه في لحظات الفقد التي تستوجب البكاء بحرقة، وإرشاد النظرات إلى أفضل المناظر التي تستحق أن تسقط عليها في المدينة، إضافة إلى وشم الشفاه  للأنثى، وثقب الأنف والأذنين من أجل الزينة، الذي كان نشاطًا مقدرًا، ويحظى بتزاحم غريب، وتظليل العيون بالكحل، وأشياء أخرى عديدة.

 وجاء في أحد الأيام مهاجر من إحدى ممالك الجوار، اتخذ مكانه هناك، ونثر بضاعة غاية في الإرباك تزاحم على اقتنائها الناس، كانت أوراقا ذهبية مقصوصة بعناية، كتب عليها: تذاكر الدخول من باب التوبة، وكانت متباينة الأسعار، تختلف بحجم الأخطاء التي يعتقد المعنيون بالأمر أنهم ارتكبوها. وكنت اشتريت واحدة من تلك الأوراق، ليس بغرض الدخول من باب التوبة الذي لم يستطع البائع أن يوضح  في أي أرض أو سماء هو، وكيف حصل على تذاكر الدخول منه؟ ولكن من أجل لم التذكارات، خاصة تلك العديمة الجدوى التي امتلأت بها غرفتي.

 وجدت ديباج غارقًا في العمل، كان يغلف تميمة متوسطة الحجم، انتهى من كتابة مادتها للتو، وقال لي من دون أن أسأله، إنها ضد عقوق الوالدين، وقام بصياغتها لرجل مسن يريد استعادة ابنه البكر الذي هجره.

 قلت مباشرة وأنا أحدق في عينيه الصغيرتين، متناسيا وضعًا مماثلًا حدث في عائلتنا، وكنت فيه الطرف العاق، وفقط لم يكن ثمة تحرك لتعديله بتميمة أو بغير تميمة:

- اعطني تفسيرًا لما حدث أمس يا ديباج. أعني محاولة توريطي بامرأة.

لم يرد مباشرة، كان لسانه الضخم مشغولا بترطيب الصمغ، حتى يغدو لينا، من أجل لصق التميمة، رد بعد أن انتهى:

-عدم إدراك مني يا أخ، لا تفسير آخر.

كان غريبًا في كثير من الأحيان، وقد التقيت بزوجته التي ماتت منذ سنوات، وحكت لي عن حياتهما في كل مستويات نضجها وتشتتها، كان ديباج يحبها هذا لا شك فيه، وكان يسعى ليعكر مزاجها، هذا لا شك فيه أيضًا، وحين ماتت من مرض تقيح الجلد الذي انتشر في المملكة مرة، بكاها كثيرًا وما زال يتذكرها أحيانًا، يتذكر كم كانت رائعة بالرغم من أنها لم تجد طبخ الطعام قط، ولا كانت تحب أحاييل النساء أو تستخدمها في إرضائه إلا نادرًا.

 جلست بجانبه على مقعد منخفض من الخشب، منسوج بالحبال، أطالع زبائنه الذين لا يهدأون، وأستغرب من نساء مليحات، يرتدين الثياب اللماعة، وعقود الخرز، والخواتم الذهبية، ويتحدثن بأصوات منغمة، ورجال يبدون وجهاء، وحاملي علم أو معرفة، يلتفون من حول صانع تمائم، يبيعهم ورقًا مطلسمًا.

كان النهار قد انتصف تقريبًا حين لمحت الفتاة مبروكة تتمايل من بعيد في اتجاهنا، كانت ترتدي عباءة سوداء بأطراف ذهبية، وصندلًا من الجلد المطعم بالقماش، وشهقت حالما شاهدتني بجانب ديباج.. تحدثت بما يشبه الهمس:

-صاحب الكوابيس الليلية.. متى يخرج شيطانك يا أخ؟
-قريبًا.

قلت ونظراتي عليها، ليست نظرات  بمعنى محدد، بل مجرد نظرات شبيهة بتلك التي تخرج من أي عين. ابتسمت، أسنانها بيضاء نظيفة، وجديرة بالابتسام. كانت جميلة فعلًا، وتصلح ممحاة لكوابيس الدنيا كلها، وليست كوابيسي وحدي. ولولا أنني سارق أرواح متأرجح العواطف، وصاحب مهنة تستوجب عزلة كبيرة، ويقظة، واستهانة بالدنيا كلها، لتعمدت أن أحبها، وأن أخترع اشتهاء حارًا من أجلها، وربما آخذها فورًا إلى أي ركن ساتر، لأنال قبلة.

 القاتل راهب، هكذا تعلمت وحدي ولم يعلمني ديباج أو أحد غيره. الفرق أن الراهب يتعبد بعزلته، بينما سارق الأرواح يستنجد بها من الافتضاح. لم تتوقف كثيرًا، ولا حيت "ديباج" حتى، ولا هو أجل انشغاله قليلا وطالعها، كان يكتب تميمته بهدوء، وانسجام مدهش، وتخرج من حلقه دندنة طفيفة، كأنها أغنية، أو كأنها محاولات أغنية.

تلك اللحظة خطر لي أن أسأله عن عمرها، عن ميولها، عن سعة الأحلام في ليلها، عن وظيفة حلمتي أذن مثقوبتين، بلا حلق يلمع، ولم أفعل، كان مجرد خاطر بزغ في الذهن قليلا وانزوى.
مددت بصري في اتجاه تمايلها وهي تبتعد، كانت وحيدة، وخطر لي أن في ظهرها الرقيق حزنًا قاتمًا، ولم أستطع أن أعرف، كيف يرتسم الحزن على ظهر امرأة.

كلمات البحث
اقرأ ايضا: