Close ad

أخطر مذكرات أنيس منصور السياسية

17-10-2017 | 14:42

أقضي وقتا طويلا ممتعًا ومتعبًا منذ فترة، لمراجعة مذكرات سياسية تعد من أهم وأخطر المذكرات في السنوات الأخيرة، بقدر ما تعد من أخطر المذكرات السياسية التي كتبها صاحب الذكرى الخامسة التي تمر علينا هذه الأيام، وقد رحل عنا في 21 أكتوبر2011 .

عن أنيس منصور أتحدث.. عن أوراقه السياسية والعاطفية والصحفية التي حملني - كتلميذ له - مسئولية الحفاظ عليها، ضمن أعماله الكاملة التي تخضع ملكيتها الفكرية الآن لزوجته وشريكة حياته السيدة رجاء حجاج.

أوراق كثيرة ومثيرة، وجديدة وجريئة، وجادة وحادة، ومتنوعة وذات نوعية غير مسبوقة.. أعيش معها هذه الأيام أكثر إذ يتغشاني طيفه محلقًا في أجوائي.. وأجد نفسي تلقائيًا مع هذه المذكرات التي ترهقني إرهاقًا جميلًا، وعذوبتها في عذابها وطرائق التعامل معها..

وضع أنيس منصور على رفوف المكتبة العربية أكثر من كتاب سياسي عن الرئيس السادات وفترة حكمه فتناول في كتاب "من أوراق السادات" قضايا كثيرة، ورصدًا دقيقًا لأحداث ثورة يوليو 1952 سنة بسنة، وثورة مايو 1971، وتوثيقًا تاريخيًّا لمعركة أكتوبر 1973 باليوم والساعة والدقيقة، وموضوعات ذات حساسية فائقة عن الذئب الرمادي والشيوعية والحياد غير الإيجابي، وغليان الجليد بين القاهرة وموسكو، والألاعيب السياسية، والأسباب الحقيقية لهزيمة 1967، وناصر فوق صفيح ساخن، ومصر من ملكية إلى جمهورية، والطابور الخامس والصراع على السلطة، وسنة الحسم، وبدأت الحرب، ووقف إطلاق النار، وكيسنجر وزير فوق العادة، والجليد يذوب بين مصر وأمريكا، ومحطات مهمة في حياة السادات، وغير ذلك من الأوراق المشحونة بالأسرار والمسكونة بالذكريات.

مئات الصفحات السياسية كتبها أنيس منصور عن الرئيس السادات، في شكل مقالات وأحاديث وكتب ودراسات، ولديه بنفس القدر وأكثر أوراق وتسجيلات ووثائق ومستندات على قدر كبير من الأهمية التاريخية والسياسية، تسد فجوات في تحولات ونقلات، وتملأ فراغات لا تزال تثير علامات استفهام شتى، بل علامات استنكار لن تنطفئ إلا بعد نشر هذه الأوراق.

وهناك جلسات أخرى مع الرئيس السادات، سجلها في حوالي ثلاثين شريطًا، وتم تفريغها ومراجعتها، وتوثيقها، وفيها يكشف الكثير من الأسرار عن حقبة ما قبل حرب أكتوبر 1973، وما بعدها، والمفاوضات الشاقة التي أعقبت النصر المصري العظيم، وهي تكمل ما ورد في كتابه "من أوراق السادات" سترى النور قريبًا، مع باقة من كتب لم يسعفه العمر ليصدرها، وستنشر لأول مرة..

وبرغم كل ذلك.. فإن المذكرات الأخطر هي التي تركها تحت عنوان "مشواري السري"، وكان قد انتهى من كتابتها وهو حي بيننا، ويعد واحدًا من أهم وأخطر مذكراته السياسية التي ظل عليها عاكفًا عدة سنوات، ويصفها بأنها مذكرات "من نوع خاص"، وعلى" قدر كبير من الخطورة".

وكثيرة هي الأوراق التي أعيد قراءتها قراءة كاشفة.. وقد سمح لي أنيس منصور بقراءة بعض هذه الأوراق المباحة بعض الشيء، بعض المعرفة، بعض البوح، ومنها هذه الورقة ذات المعنى والمغزى :
"أرسل مناحم بيجين خطابًا طويلًا إلى الرئيس السادات يشكو من أحاديث الشيخ متولي الشعراوي، وجاء في إحدى الرسائل أنه يهاجم اليهود لا في إسرائيل، وإنما في كل العالم؛ مما يؤدي إلى نشر كراهية اليهود، وتهديد السلام بين البلدين.."، وفي رسالة أخرى "تضايق منها الرئيس السادات، فكلام بيجين معناه أنه قد ضاق بما يقوله الشيخ الشعراوي، ولا بد أن يجد الرئيس حلًّا أو حدًّا لذلك!!

وطلب مني الرئيس السادات أن أشاهد الأحاديث الأخيرة للشيخ الشعراوي، وعدت للرئيس أبلغه أنها عادية، فالشيخ الشعراوي أحد علماء البلاغة القرآنية، ولم يذهب بعيدًا في تفسير القرآن الكريم.

وتلقيت من الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية نص الخطاب الذي ألقاه وزير التعليم الإسرائيلي.. وفي الخطاب يقول: "إنه لن يتحقق السلام إلا إذا حذفنا من القرآن الكريم الآيات التي تتهجم على اليهود".. فأرسلني الرئيس السادات لكي أقابل بيجين وأقول له: "إما أن تتوقف عن اتهاماتك للشعراوي، وإما أن ننشر خطاب وزير التعليم على أوسع نطاق، ونوقظ الكراهية النائمة عند ملايين المسلمين".. وقرر بيجين أن يكف عن مهاجمة الشيخ الشعراوي، وأن يخرس وزير التعليم في إسرائيل.

ومرة أخرى فوجئنا في مصر بكتب مطبوعة في إسرائيل لمذاهب إسلامية منحرفة، فأوفدني الرئيس مبارك لمقابلة رئيس الدولة إسحاق نافون، وقرأت عليه الرسالة، وذكرت أسماء الكتب التي فوجئنا بتوزيعها في القاهرة، ولا نعرف كيف دخلت، وكيف انتشرت، فأعلن الرئيس نافون أسفه، وأنه لا يعرف شيئًا عن هذه الكتب، وركبت سيارة واتجهت إلى الشارع الذي توجد به المطبعة التي نشرت هذه الكتب.. فلا وجدت الشارع ولا المطبعة في مدينة حيفا، وإذا كان أحد يهاجم دين أحد ففي إسرائيل، ولكننا لا نطبع ولا ننشر أي شيء يعادي السامية لسبب بسيط جدًّا، وهو أن أنبياءنا جميعًا ساميون: موسى، وعيسى، ومحمد، وكذلك أصحاب الرسالات الإصلاحية: بوذا، وكونفوشيوس، وزرادشت، أما أعداء السامية فهم الخواجات الأوروبيون الذين يحكمون إسرائيل، ويقتلون الساميين أبناء فلسطين"!

هذا بعض من كل.. وما خفي كان أخطر.

رحم الله أستاذنا أنيس منصور.. والبقية في حياة مذكراته..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة