Close ad

السريالية والثنائيات الضدية في مجموعة "خارج أضلاع الدائرة"

8-10-2017 | 11:51
السريالية والثنائيات الضدية في مجموعة خارج أضلاع الدائرة مجموعة خارج أضلاع الدائرة
أميرة عبد الشافي

يقول إرنست همنغواي: "على الكُتاب أن يكتبوا واقفين، فإنهم حينها سيتقنون كتابة الجمل القصيرة".

موضوعات مقترحة

في سبيل التأصيل للقصة القصيرة جدًا لتأخد مكانها في شجرة السرد، كان لا بد من توافر إنتاج أدبي تراكمي، متماثل، ليثبت وجودًا على خارطة الإبداع، وبالتالي كنا دائمًا بحاجة إلى أن يعي الكُتاب المصريون هذا، فيصير لديهم شيء من الولاء والتفاني لكتابة هذا الشكل الأدبي مسايرة ومواكبة لما وصلت إليه باقي الدول العربية التي أبدعت ونظّرت لهذا الشكل الأدبي.

حقق ذلك الكاتب محمد الحديني الذي ثابر وواصل المسيرة التي بدأها، فكتب ثلاث مجموعات قصيرة جدًا، في كل مجموعة يتطور مستواه الإبداعي والفكري، ونحن الآن بصدد الحديث حول مجموعته "خارج أضلاع الدائرة".

وحتى يمكننا تأويل ما طرحه الحديني من خلال منهجه السريالي، لا بد أن نقف على الأدوات التي استخدمها لصياغة أفكاره على هذا النسق، وبصورة يمتزج فيها المرئي باللامرئي، لينقل لنا ما يتصوره العقل الباطن من أفكار خيالية وأحيانًا غير منطقية، تركها الكاتب تنساب كما هي بتلقائيتها وغرابتها.

من تلك الأدوات:

 الثنائيات الضدية: تعد المفارقة عنصرًا رئيسًا في بناء القصة القصيرة جدًا، وهدفًا يثابر الكاتب ليحققه عند كتابتها، "والمفارقة تعني في أبسط صورها القصصية جريان الحدث بصورة عفوية على حساب حدث آخر هو المقصود في النهاية، وهي معطى لغوي تتحكم في التضادات الثنائية وتكمن جماليتها في أنها تورط المتلقي في اكتشاف (قول شيء وتقصد غيره)، وهنا في طرح الحديني لقضايا الواقع الإنساني كان يحتاج لإبراز تلك المفارقات التي تعج بها الحياة والنفوس على حد سواء، وفيما يلي نعرض للثنائيات الضدية التي تجلت في المجموعة صانعة المفارقة في الكثير من القصص.

1. ثنائية النص والنص الموازي:

في نص مكثف ومختزل كالقصة القصيرة جدًا، كل حرف فيها له دلالته، فإن العنوان يعد أقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي، هو العتبة الأولى التي تثير فضول القارئ للقراءة أو عدمها، ويعد نصًا موازيًا للنص المتن، يعمق الدلالة ويمنح فرص تأويل، ويطرح إشارات ما.

نلحظ ذلك في مجموعة من القصص منها "زفاف" ص10، التي خلقت فيها تلك الثنائية مفارقة صارخة؛ فشتان بين العنوان وبين المتن. يقول فيها الكاتب:

"فتح الستار.. الصناديق تملأ خشبة المسرح.. بمجرد أن انساب اللحن الجنائزي، خرج الممثلون منها يرتدون أكفانًا.. بدأوا الرقص.. انبعثت صيحات الإعجاب من داخل صناديق أخرى تملأ الصالة".

2. ثنائية الواقع والمأمول: وهذه الثنائية ملأت المجموعة لما فيها من تمرد ورفض للواقع ومحاولة للبحث عن بديل حتى وإن كان على شكل حلم، تتصدر هذه الثنائية القصة التي احتلت الغلاف الخلفي وقد ذكرناها.

ومنها قصص "علامات" ص33، حيث يعيش الناس بلا عيون في انتظار ساعي البريد الذي يحمل زجاجات تقبع فيها عيون مفتوحة.

3. ثنائية الموت والحياة: فكما ذكرنا في استخدام الرمز كان للموت دلالات عدة عند الحديني، لكنه عندما يكون في مواجهة الحياة يمنحنا مفارقة مدهشة كتلك التي قابلناها في قصة "أمومة" ص102. يقول فيها الحديني: "أحضروها معصوبة العينين.. مكبلة القدمين.. ألقوها في ساحة القرية.. بدأ كبيرهم ذو اللحية الكبيرة والجلباب القصير في قراءة حكم معاقبة السارق.. بمجرد أن رفع الجلاد سيفه خبأت ابنتها الصغيرة الواقفة في مقدمة الجموع المتبقى من رغيف الخبز.. الذي كانت تطعم به دميتها" حيث جاء موت الأم في مقابل حياة الابنة، وتلك قمة المأساة.

4. ثنائية الأنا والآخر: نوع الكاتب تلك الثنائية بأكثر من شكل بطريقة تقابلية تواجه فيها كل شخصية أخرى، خالقًا حالة من المفارقة، وذلك كما في قصص مثل: "أفق مغلق" ص28، التي صورت حالة التقابل بين (هو والعالم) في إطار غرائبي يعكس حالة من الضياع التي تلحق بـ"هو" حينما يتطلع إلى العالم.

• التناص:
والكاتب هنا استغل هذه التقنية في أكثر من موضع، متناصًا مع مجموعة نصوص:

مع القرآن الكريم: سواء كان التناص على مستوى القصص القرآني أو اللفظ القرآني، أما عن القصص فجاء التناص معها في قصص "مريم" ص18، و"تراجيديا آدم" ص58، حيث كان العنوان هنا هو مفتاح الدلالة التناصية ومكمن الإسقاط، وهو المرشد والدليل لما يرمي إليه متن كل قصة.

مع الحديث الشريف: كان ذلك في قصة "ميراث" ص34، الذي جاء التناص موافقًا للشكل مخالفا للمعنى، وهو تناص مع الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم، لتكون القصة على النحو التالي:

"مات السلطان .. انقطع عمله إلا من ثلاث:
كرسي وثير لم يشعر أبدًا بالوحدة،
مصفق لم تكل يداه بعد،
وعصا غليظة تعاني ضعف البصر".

مع القصص التاريخية والأساطير: وقد وظف الكاتب ذلك في قصة "لا مفر" ص67، حيث يقول فيها:

"أجنحة (إيكاروس) التي حلقت بها عاليًا،
سرعان ما احترقت، سقطت على قمة الجبل،
تدحرجت إلى أسفل، عند السفح،
اصطدمت بصخرة (سيزيف)، تفتت رأسي إلى رؤوس صغيرة، كانت جميعها في مرمى خنجر (ماكبث)."

كذلك تناص مع الموروث الشعبي، وذلك في قصة "تحديث" ص82، قائلًا: "بينما كان كبيرهم يبحث معهم ضرورة البحث عن مغارة جديدة تأويهم وتأوي مسروقاتهم، أدار علي بابا جهاز التحكم عن بعد مغلقا الباب عليهم، فزعوا جميعًا، نظروا إلى زعيمهم متسائلين، نكس رأسه ولم يجبهم، سلوا سكاكينهم وقتلوه، بعد حين، بدأ حفل تنصيب علي بابا زعيمًا وقائدًا مفدى".

نحن أمام مجموعة قصصية ثرية تستحق القراءة لمرات عديدة، لما تمنحه من دلالات متنوعة، في تلك المجموعة لم يعمد الحديني لخلق الصور الشعرية ولا الاستعارات، لكنه يعتمد الواقع، وتجاور الجمل المفارقة التي تصنع الدهشة، وتحقق الهدف، وهو الإمتاع والتفكر، وبالتالي توازن لديه الاهتمام بالشكل والمضمون.

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة