إن مفهوم النوع الأدبي لا بد أن يُعدّل؛ فنحن إزاء أنواع تاريخية، وأنواع نظرية: الأنواع التاريخية نتاج لملاحظة الظاهرة الأدبية، أما الأنواع النظرية فتُستنتج من نظرية الأدب كما يقول تودوروف، بل إننا لنميز في الأنواع النظرية بين الأنواع وحيدة العنصر والأنواع المركبة، تتميز الأولى بوجود - أو غياب- سمة بنائية واحدة، أما الأخيرة فتتميز بوجود - أو غياب- اتحاد لمجموعة من السمات.
موضوعات مقترحة
ويوحي كل شيء بأن الأنواع التاريخية هي مجموعات متفرعة عن أنواع نظرية مركبة، وفيما يتعلق بموضوعية وحدود أية دراسة للأنواع الأدبية فلابد لأية دراسة أو بحث مثلاً أن يلبيا باستمرار المتطلبات العملية، والمتطلبات النظرية، والمتطلبات التجريبية، والمتطلبات المجردة؛ فالأنواع التي نستنتجها من النظرية لا تكفي إلا إذا كانت مدعمة بالرجوع إلى النصوص، فمن البديهي أن العمل الأدبي أو الفني يتم إبداعه، والعمل السابق لا يماثله، والأدب يقول ما يستطيع هو وحده أن يقوله؛ طبقًا لمبدأ التميز والتفرد.
وهناك الوجود الخاص للأدب الذي يعني أنه لا يمكن لغير الأدب أن يحل محله.
فالشعر نوع مختلف عن بقية الأنواع من حيث الشكل والمضمون. وهو جنس أدبي لـه خصائصه الذاتية وطبيعته الخاصة وكيانه المستقل عن غيره، والشعر فن، والفن بطبيعته ذاتي وليس موضوعيًا، ولكل قصيدة طبيعتها الخاصة المختلفة قليلًا أو كثيرًا عن غيرها من القصائد، فهي نظام علامي خاص لا يتكرر، له بنيته الخاصة وعلاقاته الداخلية المتميزة.
ومما يساعدنا في فهم قضية النوع التوقف عند مفهوم "العنصر المهيمن" كما وصفه ياكبسون، بوصفه مفهومًا لدى المدرسة الشكلية، وحدده بأنه "العنصر الذي يحتل البؤرة من العمل الفني؛ فهو الذي يحكم غيره من العناصر أو المكونات ويحددها ويحورها، فالعنصر المهيمن هو الذي يمنح العمل بؤرة تبلوره، وييسر وحدته أو نظامه الكلي، بل إن فكرة التغريب نفسها تتضمن معنى التغير والتطور التاريخي...".
والمدرسة الشكلية اتجهت إلى فهم تاريخ الأدب بوصفه ثورة دائمة واحدة على نحو غدا معه كل تطور جديد بمثابة محاولة لرفض الألفة الجامدة والاستجابة المعتادة.
كذلك فإن هذا الفهم للعنصر المهيمن قد أتاح للشكليين سبيلًا لتفسير التاريخ الأدبي، وطريقًا لفهمه، على نحو أصبحت معه الأشكال الأدبية لا تتغير أو تتطور بطريقة عشوائية، بل هي ترتبط بالعنصر المهيمن، فنتيجة تغير العنصر المهيمن نفسه، ثم تحول دائم في العلاقات المتبادلة بين العناصر المختلفة للنسق الشعري، وأيًا كان العنصر المهيمن فإنه ينظم بقية العناصر في العمل الفردي؛ فيقدم عناصر على غيرها في الاهتمام الجمالي، أو يتراجع بعناصر ربما كانت من قبل في المقدمة بوصفها مهيمنة في أعمال أدبية تنتمي إلى عصور سابقة.
فالعمل الفني لابد أن يُعرَّف باعتباره رسالة، تكون وظيفتها الجمالية هي العنصر المهيمن فيها، والعلاقات الدالة على تحقق الوظيفة الجمالية - بالطبع- ليست علامات ثابتة أو غير قابلة للتغير، إن كلّ قانون شعري مجسّد، وكل مجموعة من المعايير الشعرية المؤقتة، تشكل بالضرورة عناصر فارقة لا يمكن للعمل دونها أن يكون عملًا شعريًا، ومن هذا المنظور يمكن أن نرى التطور الشعري بصفته مسألة تغيرات في عناصر النظام الشعري، يقوم بها "عنصر مهيمن متغير".
والأنواع الأدبية ينظر إليها على أنها أصناف عريضة لها حدود موسعة ومرنة وحرّة في العادة، وهي تتشكل من نصوص تؤدي فيها السمة الشكلية نفسها، الدور المنظم والمؤثر الذي يؤديه العنصر المهيمن، وتخضع كل السمات الأخرى لتأثيرها، و"وجود هذه السمة ليس معيارًا كافيا لأن يدخل النص في نوع ما، لابد أن تكون هذه السمة حاضرة وتؤدي وظيفة العنصر المهيمن، إذا كان لنا أن نسلم بعضوية النص في النوع، وليس المهم أيضًا أن السمات الشكلية الأخرى ربما تتعايش مع العنصر النوعي المهيمن؛ لأن هذا العنصر المهيمن "يحكم من أعلى" وظائف هذه السمات.
وإنَّ البحث في الأنواع الأدبية العربية يقودنا للعودة إلى القسمة التقليدية، القائمة على أساس أن الأنواع الأدبية منها ما هو نثري، ومنها ما هو شعري، وبطبيعة الحال لا تقوم هذه القسمة على أساس تاريخي؛ بمعنى أن الأنواع النثرية مثلًا لم تسبق الأنواع الشعرية كما يقول أحمد كمال زكي، وأن القطعة الملحمية من حيث هي ضرب شعري يقوم على الحكاية، ليست متقدمة على الخرافة أو الخطبة.