في إحدى قاعات محكمة الأسرة، كانت هناك حميدة مصطفى –موظفة-( 48 عامًا)، تنتظر دورها في دعوى الخُلع التي أقامتها، ضد زوجها والذي تزوج عليها ولا ينفق علي أطفاله الأربعة، ولا يأتي إلى منزل الزوجية إلا حينما يحتاج إلى أموالها لافتة إلى أنها طلبت منه الطلاق أكثر من مرة، ولكنه رفض قائلًا لي "اخلعيني"، مشيرة إلى أنه طلب ذلك منها حتى لا يكون مطالبًا بدفع أية مستحقات مالية لها.
شُرع الخُلع في عدد من الدول العربية في توقيت متزامن تقريبًا مع بداية عام 2000، وهو تشريع إسلامي أقرته السنة النبوية والقرآن الكريم، وأبيح للزوجة التي استحالت العشرة بينها وبين زوجها مقابل التنازل عن كافة حقوقها المادية، إلا أن هذا القانون واجه مشكلات كثيرة في الدول العربية التي أقرته وتعمل به في محاكمها، وعلى رأسها مصر.
وبحسب إحصائيات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أنه في عام 2014 تم تسجيل 180 ألف حالة طلاق وخُلع، بالمقارنة بعام 2013، حيث بلغت زيادة نسبتها 109 %، مؤكدًا أن نسبة الطلاق كانت مرتفعة بسبب الخُلع، حيث بلغ عدد الأحكام بها 3719.
وفي مصر ومنذ إقرار المادة 20 من قانون عام 2000 الخاصة بالخُلع، وعقب عامين فقط من إقراره كان هناك أكثر من 10 ألاف دعوى خُلع في 6 محافظات مصرية.
ورغم تلك النسب المرتفعة إلا أن باحثين اجتماعيين أكدوا أن الخُلع تم تراجع نسبته في السنوات الأخيرة، بسبب الثغرات التي تتضمنها قوانينه والتي تصب في صالح الرجل وليس المرأة، فقد أعلنت محكمة أسرة تقع بمركز أشمون بمحافظة المنوفية في شمال مصر، عن إحصائية كشفت عن انخفاض نسبة الخُلع لديها بالمقارنة بحالات الطلاق، وذلك خلال الأشهر الثلاث الأخيرة في عام 2016، حيث تشير الأرقام إلى وصول حالات الخُلع إلى 82 حالة، قابلها حالات طلاق وصلت إلى 246، مما يعني انخفاض نسبة الخُلع إلى نسبة الطلاق.
وإن كانت نهاد أبو القمصان المحامية، ورئيسة مؤسسة المرأة الجديدة، تنفى تلك الآراء التي تشير بانخفاض إقبال النساء على الخُلع، لافتة إلى أنه لازال هو طوق النجاة لكثيرات، رغم الثغرات الكثيرة بالقانون، وأنه هناك سيدات كثيرات تحتاج إلى الخُلع بشدة، وتتنازل عن كافة حقوقها المادية مقابل حريتها.
واستشهدت أبو القمصان، بالإحصائيات التي كشفتها الأمم المتحدة مؤخرًا عن ارتفاع نسبة الطلاق في مصر حيث وصلت سنويًا إلى 170 ألف حالة، كانت الغالبية العظمى منها عن طريق الخُلع.
وبرغم أن الإسلام أباح للمرأة الخُلع إكرامًا لها، إلا أن إقراره تشريعيًا جاء متأخرًا للغاية، فقد ذكرت الآية الكريمة الخُلع صراحة فيقول الله عز وجل "﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه ﴾، وفي السنة النبوية كانت هناك حكاية حبيبة بنت سهل الأنصاري، زوجة ثابت بن قيس بن شماس، هي أول حالة خلع في الإسلام، وقد استحالت الحياة بينها وبين زوجها، فلما ذهبت للرسول صلى الله عليه وسلم وحكت له، أنها تخاف ألا تقيم حدود الله، فسألها الرسول "أتردين إليه حديقته" فقالت نعم وتم طلاقها.
والخُلع تم إقراراه والعمل به في كثير من الدول العربية، ومنها مصر، والتي تعاني من ثغرات بقانون الخلع كغيرها من الدول، وبالبحث كانت هناك نقاط اختلاف كثيرة في التشريع فيما بينهم في حين كان الاختلاف في نقاط اقتصرت على حق الرؤية، والمهر والحضانة وموافقة الزوج وما إلى ذلك.
منظمة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول العربية، اهتمت من خلال مشروعها "ألف باء" الذي أنشأته منذ عام 2010 للرد على أسئلة النساء العربيات، وأولت قضية الخُلع اهتمامًا كبيرًا ووقفت على عدة مشاكل خاصة بهذا التشريع، وذلك بهدف توعيتهن، وكذلك العمل على معالجة تلك الثغرات في ذلك القانون.
وتقول السفيرة ميرفت التلاوي مدير منظمة المرأة العربية لـ"بوابة الأهرام"، إن قانون الخُلع في الدول العربية اتفق في كثير من النقاط، واختلف في بعضها، لافتة إلى أنه رغم الثغرات التي تعيق هذا القانون إلا أنه جاء لينقذ كثير من السيدات المتعرضات للعنف الأسري والجسدي والجنسي كذلك في بيوتهن.
كانت مواقع إلكترونية قد نشرت أطرف وأتفه الحالات التي طلبت بسببها سيدات الخلع-بحسب وصفها- ففي مدينة نصر، و في 15 من نوفمبر لعام 2015 طلبت زوجة الخلع من زوجها بسبب رائحته الكريهة حيث يرفض الاستحمام بعد مرور شهرين على زواجهما، في حين رفعت أخرى دعوى خلع لرفض زوجه التحدث معها بالإنجليزية التي يتقنها، وذهبت أخرى لسبب آخر وهو إصدار زوجها أصوات مزعجة أثناء النوم "الشخير"،في حين أكدت زوجة مسنة ( (61 عاما)، أنها تقيم دعوى قضائية على زوجها بسبب بخله.
وأشارت التلاوي، إلى أن السيدات لا يلجأن إلى قانون الخلع إلا إذا استحالت العشرة بينها وبين زوجها، مطالبة عدم الإنصات لما يبثه الإعلام من أسباب واهية تتحجج بها المرأة لطلب الطلاق عن طريق الخلع مؤكدة، أنه لا توجد امرأة عاقلة سترفع دعوى خلع وهي تعلم أنها ستتنازل عن كافة حقوقها، لمجرد سبب وهمي أو تافه.
وتقول التلاوي، إن السؤال الأكثر تداولًا على الموقع الإلكتروني الخاص بحملة"ألف باء" والخاص بمنظمة المرأة العربية،كان عن التنازل عن حضانة الطفل مقابل الخُلع.
ولفتت التلاوي، إلى أن المنظمة خلصت من خلال الخبراء القانونين الداعمين لها، إلى أن عدم جواز التنازل عن الحضانة مقابل الخُلع في الإمارات، والأردن، وفلسطين ومصر، والمغرب والبحرين والسودان، سوريا والعراق، واليمن, في الوقت الذي كانت هناك دول مثل ليبيا وموريتانيا، يجوز فيها التنازل عن الحضانة مقابل الخُلع.
أثبتت التجربة مع الخُلع على مر سنوات أن هناك ثغرات في القوانين المنظمة له، تختلف من دولة إلى أخرى، منها التنازل عن حضانة الأطفال مقابل الخلع، من عدمه كذلك رد المهر أو الصداق المسمى كما يطلق عليه في مصر، والذي لا يتجاوز في عقد الزواج عن جنيه مصري واحد، أو 25 قرش، الأمر الذي جعل العديد من الأزواج والزوجات يتحايلن على القانون، ويكون هناك طرف مظلومًا على حساب مصلحة الآخر، مما جعل سيدات كثيرات يعزفن عن الخُلع.
تعاني السيدات المصريات الراغبات في الخُلع، من عدة مشاكل على رأسها عدم حضور الزوج إلى الجلسات المحددة للدعوى القضائية، بالإضافة وذلك بالاتفاق مع "المُحضر" وهو الموظف المسئول عن تسليم الدعوى إلى الزوج في محل عمله أو في المنزل، ويكون الاتفاق بين الزوج والمُحضر، أن يقول أنه لم يجده، مقابل دفع مبلغ مالي، بالإضافة إلى تلاعب الزوج في المهر ومؤخر الصداق المتفق عليها عند الزواج، والتزوير فيهما وليس هذا فحسب بل جلب شهود للمحكمة لإثبات ذلك، مما يجعل الزوجة تتكبد أموالًا لم تحصل عليها وتدفعها للزوج حتى تحصل على الطلاق، وهو ما يعتبر استغلالًا لها.
تقول المحامية منى ربيع المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية لـ"بوابة الأهرام"، منذ أن تم تشريعه عام 2000، يمثل طاقة نور لكثيرات لتخرجهن من ظلمات زيجة فاشلة، واستحالت فيها العيشة بينها وبين زوجها، لافتة إلى أن التجاوزات تكون استغلال الثغرات في القانون فيما بعد هي ما أساءت للخلع.
وتشير، إلى أن كثير من الرجال باتوا يضغطن على زوجاتهن، نفسيًا وعصبيًا وماديًا ليضطررن لطلب الخُلع، حتى تتنازل عن كل شيئ من منقولات، ومهر وكافة مستحقاتها المادية، مؤكدة أن التلاعب من الأزواج في دعاوى الخُلع بات كثيرًا، مما جعل زوجات كثيرات يحجمن عن طلب دعاوى الخُلع حتى لا تخسر كل شئ.
التلاوي، تؤكد أن نسب تراجع دعاوى الخُلع في الدول العربية، لا يمكن الفصل فيها أو تأكيدها حيث لا توجد أرقام بارزة تؤكد ذلك عن كل دولة.
ومن المشاكل التي تعيق تنفيذ هذا القانون بشفافية، هو حضور الزوج إلى الجلسة وموافقته على الخُلع والذي تشترطه بعض الدول العربية، مثل البحرين وليبيا والجزائر والأردن، وسلطنة عمان، وموريتانيا، في حين تشترط موافقته في لبنان وليبيا والمغرب، واليمن والإمارات والسودان، وفي مصر، وهذا ما تؤكد السفيرة التلاوي العمل عليه، لتوحيد البنود في قوانين الخُلع في كافة الدول العربية.
سيدات كثيرات وقفن منتظرات دورهن بمحكمة الأسرة الحكايات متشابهة والأسباب تختلف اختلافًا بسيطًا، وكان على رأسها الزواج الثاني، والخيانة، التهرب من الإنفاق على الأسرة، أو بسبب البخل، وغيرها.
منذ إنشاء محكمة الأسرة المصرية، وإقرار قانون الخُلع، أنشأ بالمحكمة ما يسمى بمكتب تسوية المنازعات الأسرية ويكون بحضور الزوج والزوجة المتخاصمين إلى ذلك المكتب للجلوس مع أخصائيين نفسيين واجتماعيين و متخصصين في تلك الأمور ليقدموا استشارة زوجية للزوجين، علها تصلح ما بينهما، ولكن وكما سبق وأن ذكرنا فإن الزوج في أغلب الحالات لا يحضر.
ويشير المستشار حسني السيد، بمحكمة الأسرة إلى أن مكتب تسوية المنازعات الأسرية فقد دوره منذ فترة كبيرة، وذلك لتهرب الزوج وعدم حضوره الجلسات، مما أدى إلى عدم وجود حالة تصالح واحدة، أجراها هذا المكتب، لافتًا إلى أن المحامين القائمين بتلك الدعاوى للخُلع، لا يقومون بدورهم في تسوية تلك النزاعات الأسرية، وذلك بهدف الحصول على المال في حالة رفع الدعوى وحصوله على الخُلع للزوجة.
ويؤكد السيد لـ"بوابة الأهرام" أنه لا يتفق مع قانون الخُلع حيث يجد فيه إهانة كبيرة للرجل، كما أن المرأة تفقد معه كافة مستحقاتها المالية، برغم إشارته إلى أن الخُلع جاء لينقذ كثيرات كن يرفعن قضايا طلاق ولا يتم الحُكم فيها لسنوات كثيرة، وتبقى أسيرة المحاكم مما يضيع عليها حقوقها.
وأشار، إلى أن الرجال يتحايلون كذلك على هذا القانون، مما يستوجب على القاضي مراعاة وسائل التحايل الحديثة، وخصوصًا التزوير في المبلغ الخاص بمهر الزوجة، ومؤخر الصداق المكتوب في العقد، مضيفًا، أن ما يعيب هذا القانون كذلك هو أن الحكم فيه يكون نافذًا ولا يتم الطعن عليه.
ويؤكد، المستشار القانوني، أن قانون الخُلع هام للغاية، ولكنه لا يصلح مع وجود تلك الثغرات التي تم ذكرها، وأنه على المشرعين، مراعاة تعديله.