يسري حسان شاعر وكاتب وصحفي يملك من أدواته الكثير والكثير، يسير على درب السابقين من رواد شعر العامية لكنه وأبناء جيله واكبوا الحركة الشعرية الحديثة وأصبحوا بارزين في مجال قصيدة النثر العامية. ولأن العامية لغة جميع الطبقات فهي سهلة الوصول إلى الجميع، وقد تغنوا بها فكان إبداعا يلمس شغاف القلب ويصل إلى الروح والوجدان دون عناء.
كان لـ"بوابة الأهرام" معه هذا اللقاء..
يقول يسري حسان: إن شعر العامية عموما يعانى إهمالًا شديدًا من قبل المؤسسات الثقافية والتعليمية، فبالنسبة للأولى لاتحتفى به بشكل يليق بمنجزه وحتى بعض مجلاتها لاتنشره ، ودائمًا وأبدًا مايكون مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة من شعراء الفصحى، ودائمًا مايكون المرشحون للسفر للمشاركة فى مهرجانات أو منتديات شعرية دولية من شعراء الفصحى ،وكأن شاعر العامية فاقد للأهلية أو أقل قيمة، أما المؤسسات التعليمية فهى لاتعترف به أصلاً ولم يحدث أن اشتمل مقرر دراسى على قصيدة بالعامية ، وفى الجامعات هناك رسائل ماجستير ودكتوراه عن كل من هب ودب من شعراء الفصحى ،أما العامية فلامكان لها فى الدراسات الأكاديمية ، وفى حدود معلوماتى لاتوجد سوي رسالة دكتوراه للشاعر أسامة فرحات عن صلاح جاهين وهذا يؤكد تعمد تجاهل شعر العامية رغم إنجازاته التى لاينكرها سوى جاهل.
عن أحدث أعماله يقول حسان: الكتابة لاتتوقف وهناك أكثر من ديوان انتهيت من كتابته لكن مشكلتى أننى كسول نسبيًا فى مسألة النشر ، كما أننى لاأتعجل أى شيء وأقول دائما "كله بأوانه" فعندما يحين الوقت سأنشر ، ثم أننى أصاب بالرعب عند الشروع فى إصدار ديوان جديد وأفضل دائمًا التأنى فى مسألة النشر ، فما أنشره سأحاسب عليه وما يظل فى أدراج مكتبى يخصنى وحدى ولاأحد سيحاسبنى عليه، وإذا شعرت أن عملًا لى لن يمثل إضافة شخصية لى وللشعر بصفة عامة فإن السؤال الذى أسأله لنفسى ماجدوى النشر إذن، لاأحب فكرة التراكم وأفضل عليها فكرة الإضافة، لذلك لم أصدر سوى خمسة دواوين حتى الآن.
وعن دور الدولة في تشجيع الشعر العامي يقول: الدولة كما أوضحت لاتعير شعر العامية اهتمامًا يليق به، ولذلك فهى لاتمنح شعراءه جوائز كبرى ، ودعك من جائزة عبدالرحمن الأبنودى فقد كان الرجل نجمًا ومشهورًا وأرادت الدولة تكريمه لشخصه وليس لشعره، ويكفى أن شاعرين عظيمين فى حجم فؤاد حداد وصلاح جاهين لم يحصلا على تقدير الدولة بشكل يليق بما أنجزاه من كتابات مبهرة شكلت إضافة مهمة إلى الشعر المصرى فى عمومه وليس شعر العامية فقط.
وعن التجديد في الشعر العامي يقول صاحب ديوان "عن نفسي": قصيدة النثر بالعامية هى واحدة من مراحل تطور هذا اللون الإبداعى ومثلت رؤية جديدة من الشاعر للشعر ودوره ولم تكن مجرد التخلى عن أوزان الخليل، ففيها انفتحت القصيدة على عوالم جديدة وسعت إلى شق مجرى يخصها وتنوعت عطاءات الشعراء الذين أصبحت الذات الشعرية حاضرة بقوة فى كتاباتهم ، كما تخلصت القصيدة من المحسنات والصور الجزئية وأصبحات عارية إلا من قوة الشعر وحيويته، لكن علينا أن تعترف أن هناك من أساء التعامل مع قصيدة النثر وكتبها لمجاراة الموضة وليس كموقف فكرى وجمالى ، لكن ذلك يحدث مع قصيدة الفصحى أيضًا وكل ألوان الكتابة ، وعلينا أن نترك أمر الغربلة للتاريخ.
ويضيف يسري حسان:مازالت الدراسات والمقالات النقدية التى تواكب شعر العامية قليلة بل ونادرة، فأغلب النقاد ينصرفون إلى الكتابة عن الفصحى إما عن موقف من العامية أوعن رغبة فى ترويج كتاباتهم لدى الجرائد والمجلات التى تهتم بالفصحى بخاصة المجلات والجرائد العربية، من يقوم بكتابة دراسات ومقالات نقدية عن العامية الآن هم شعراء العامية أنفسهم.
وعن دور وسائل التواصل في نشر الإبداع والثقافة يقول حسان: لاشك في أن وسائل التواصل لعبت دورًا مهمًا فى نشر الإبداع ورواجه وتطوير الكتابة ، لكنها أيضا لعبت دورًا كبيرًا فى إفساده ، فقد أسهمت فى الترويج لكتابات تافهة وضحلة لمجرد أن أصحابها ناشطون على هذه المواقع ، فمنهم من ينشر كلامًا فارغًا ولأن لديه أصدقاء كثيرين على صفحته فإنه يتلقى تعليقات من عينة : هذه قصيدة عظيمة أو هذا هو الشعر كما ينبغى أن يكون .. والناس تصدق وتقوم بعمل شير وأصحاب المواهب التى فى طور التشكل يظنون أن هذه هى الكتابة التى عليهم السير على نهجها وهكذا يفسد كل شيء.
وعن الشللية يصرح حسان بأنه من المؤكد أن الشللية أضرت بالإبداع وأفسدته وهى تتجلى فى الترويج لكتابات الأصدقاء أو كتابات الإعلاميين الذين دخلوا الأدب من باب الإعلام وليس العكس ، وتتجلى كذلك فى الجوائز ولجان التحكيم والترجمات، لكن فى كل الأحوال فإن الكاتب الحق صاحب الموهبة يستطيع تخطى كل هذه العراقيل ومواصلة الإبداع وتطوير تجربته.
ويضيف يسري مختتما حديثه: بالنسبة لى وعلى عكس مايردده زملائى من الأدباء العاملين بالصحافة فقد أفادنى العمل الصحفى بوضعى فى قلب المشهد الإبداعي وجعلني على صلة دائمة بكل إبداع جديد مما أسهم فى تطوير تجريتى ، كما أن الصحافة أتاحت لى زيارة عشرات البلدان العربية والأجنبية ,وأتاحت لى الوجود كشاعر وربما كنت بدونها قد عانيت كثيرًا سواء فى التواجد على الساحة او فى النشر..الصحافة صاحبة فضل لاينكره سوى جاحد أو غير قادر على الإبداع فيتهمها بأنها عطلت تجربته.
يسري حسان