يعقوب الشاروني لـ"بوابة الأهرام": لا توجد في مصر مناهج جامعية تثري موهبة من يكتبون للطفل (3-3)

6-1-2017 | 12:35
 يعقوب الشاروني لـبوابة الأهرام لا توجد في مصر مناهج جامعية تثري موهبة من يكتبون للطفل يعقوب الشاروني
خالد عبد المحسن

في الحلقة الثالثة، والأخيرة، من حوار "بوابة الأهرام" مع الأديب يعقوب الشاروني يضع الشاروني يده على المشكلات التي يعانيها أدب الطفل فيما يخص دراسة الأدب، كما يلقي الضوء على كيفية تنمية موهبته في هذا المجال، فيقول: تراكم الخبرة أساس للنجاح في أي عمل يقوم به الإنسان. ولابد أن نلاحظ أنه لا توجد في مصر حتى الآن أية مناهج جامعية متخصصة تعمل على إثراء موهبة وخبرة من يكتبون ويرسمون وينقدون أدب الأطفال، كما لا توجد حركة نقدية نشطة متواصلة حول أدب الأطفال. إن المعاهد العليا للسينما والمسرح والنقد الفني بأكاديمية الفنون بها أقسام للنقد وكتابة السيناريو، لكن كل هذا لا يقترب من أدب الأطفال.
 
ويضيف: وتوجد في كليات التربية والتربية النوعية مناهج تدور حول أدب الأطفال، لكنها غير مؤثرة إلا إذا قام بتدريسها أديب أو فنان أو ناقد صاحب خبرة حقيقية في هذا المجال. لذلك كان لابد أن أعتمد على نفسي في التعرف إلى عالم الكتابة للأطفال. وقد استفدت كثيرًا من الدراسات النقدية حول الأدب والمسرح الموجه للكبار، فهناك عناصر كثيرة مشتركة في هذا المجال بين أدب الكبار وأدب الأطفال. وخير مثال على ذلك كتاب "فن كتابة المسرحية"، الذي ترجمه أستاذنا "دريني خشبة" عن "لايوس إجري"، فهو كتاب مهم جدًّا، وإذا كان يتحدث عن المسرح (الذي كان أهم هواياتي في شبابي المبكر)، إلا أنه فتح أمامي أبوابًا متسعة لمعرفة أساسيات بناء العمل الفني وشخصياته وعناصر الصراع فيه.ومع متابعتي قراءة النصوص المسرحية والروائية الموجهة للكبار، اكتشفت في مكتبات إنجلترا وأمريكا كثيرًا من الدراسات المتخصصة المتميزة حول فنون الكتابة للأطفال، وترجمت واحدًا من أهم هذه الكتب تحت عنوان "مهارات الكتابة للأطفال"، ونشره المركز القومي للترجمة، وأعادت مكتبة الأسرة نشره.

ويستطرد: وهكذا ثابرت على الاستفادة بكل ما أمكنني أن أصل إليه من نصوص ودراسات حول أدب الأطفال، ومن دراسات تربوية ونفسية حول مراحل الطفولة والشباب . كما أن مشاركتي في معارض الكتب ومهرجانات سينما ومسرح الأطفال قد زودتنى بخبرات ثمينة حول عالم الكتابة للطفل. لقد كنت حريصًا على المشاركة سنويًّا في لجان مشاهدة أفلام مهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل، وكنت رئيسًا لهذه اللجان سنوات متعددة، ومشاركًا في لجان التحكيم في بعض السنوات. وكم استفدت من الخبرات التي كانت تأتي إلينا من كل أنحاء العالم . 

وينوه: إن المتابعة المنتظمة لمختلف الفعاليات في مجال أدب وثقافة الطفل، والمشاركة في المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية، ثم القراءة الناقدة لأهم الأعمال العالمية التي أحبها الأطفال، والتفاعل المباشر مع مجموعات الأطفال، كانت وستظل من أهم وسائلي لكي أكتسب ما وصلت إليه من خبرة في مجال الكتابة للأطفال. 

 وعن الاهتمام بالطفل يقول الشاروني: كل طفل أو شاب صغير ملتحق بمدرسة أو جامعة في عام 2017، عندما يتخرج في الجامعة  سيكون قد قضى (16) سنة دراسية على الأقل، بينما المعرفة تتضاعف حاليًّا مرة كل عام. معنى هذا أنه سيجد الحياة قد تغيرت على نحو شبه كامل عندما يبدأ البحث عن عمل بعد انتهاء فترة دراسته. وأبسط مثال على ذلك  هذا التحول إلى الاعتماد على الشاشات، والابتعاد في كثير من النواحي عن الاعتماد على الورق، وهو انقلاب يتطلب مهارات جديدة تتناسب مع هذه التطورات السريعة التي تغير شكل الحياة على نحو كامل . 

ويضيف: وإذا لم يتسلح الإنسان منذ طفولته وشبابه المبكر بالقدرة على رؤية المتغيرات والاستعداد لها وامتلاك المهارات لمواجهتها، لن يجد النجاح سهلًا في حياته .معنى هذا أنه إذا لم يتسلح أديب الأطفال برؤية مستقبلية تتسع لاستيعاب ما سيطرأ من متغيرات على مختلف نواحي الحياة، فإنه سيكون قد تغافل كثيرًا، فيما يقدمه للقراء الصغار، عما يجب أن يقدمه إليهم من رؤية للعالم والإنسان لابد أن يتعامل معها الصغار عندما يتقدم بهم العمر . 

لهذا السبب تستغرق قراءاتي في مجال العلم كثيرًا من وقتي؛ لأنه المجال الذي أستطيع من خلاله أن أتبين الآثار الكبيرة لكثير من المتغيرات المستقبلية. كذلك أتابع الدراسات الاجتماعية التي تدور حول توقعات العلماء والدارسين لما بدأ يسود العالم من علاقات إنسانية تختلف في كثير أو قليل عما نعيشه الآن نتيجة التغيرات العلمية والاجتماعية. مثلًا عندما أهتم في رواياتى بدور المرأة الذي أصبح حاسمًا في كثير من نواحي الحياة، فإنني بهذا أساهم في تغيير نظرة كثير من الصغار للمرأة، والتنبيه لدورها المتزايد في جميع نواحى الحياة، ذلك أنه لن تكون هناك تنمية متكاملة دون اشتراك المرأة. وهذا مثال واحد لتغيرات كثيرة نشهد الآن بدايتها، وتتعاظم أهميتها يوميًّا، مثل قبول الآخر، والتعايش مع الاختلاف، وأهمية التفكير الناقد، ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف أنشطة الحياة. 

ويتابع: إن مبدع أدب الأطفال إذا لم يجعل القارئ مشاركًا له في الاستعداد للمستقبل فإنه يكون قد أهمل عنصرًا من أهم عناصر تكوين عقل وشخصية القارئ الصغير .

عن مكامن ودقائق عالم الأطفال يقول الشاروني: نشرت أول قصة كتبتها للأطفال عام 1959، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أحرص أن ألتقي بالأطفال لأحكي لهم الحكايات عن طريق عروض الصور الثابتة (الفانوس السحري – البروجكتور). وقد اكتشفت منذ ذلك الوقت المبكر أهمية الحوار والمناقشة والمشاركة مع الأطفال، وإعطائهم أدوارًا رئيسة أثناء عملية حكي الحكاية، وكذلك في الأنشطة التي نقوم بها معهم بعد قص القصة، مثل إعادة قصة القصة مع تغيير الخاتمة، أو تغيير بعض المواقف فيها، أو تشجيعهم على حكي قصص مشابهة، أو تشجيعهم على ابتكار حوار جديد في مختلف مواقف القصة. وقد اكتسبت مني ابنتي د.هالة هذا الأسلوب في قص القصة، وأصبح عندها الآن مكتبة "شرائح" تضم حوالي 700 قصة تحكيها للأطفال من خلال برامج "الفانوس السحري. 

ويضيف: لقد تعلمت من هذه اللقاءات المباشرة، التي كنت أهتم بالاشتراك فيها مرة كل أسبوع على الأقل، تعلمت كيف يفكر الأطفال، وكيف يتخيلون، بل كيف يفهمون الأمور على طريقتهم وفي حدود خبراتهم . عرفت الألفاظ والعبارات التي يعبرون بها عن أنفسهم. اكتشفت كيف يرون عالم الكبار، وما مدى فهمهم لقيم الكبار ومعتقداتهم. كل هذا قادني إلى حساسية شديدة نحو كل كلمة أو عبارة أو موقف أكتبه في قصصي ورواياتي للأطفال .ويهمني أن أشير إلى أن الأطفال قبل سن 8 أو 9 يعبرون عن أنفسهم عن طريق رسومهم أفضل بكثير عن التعبير بكلماتهم المكتوبة. لذلك أهتم دائمًا برسوم الأطفال في مختلف الأعمار. ومن خلال هذه الرسوم اكتشفت ما الذي يهمهم، وما أحلامهم ومخاوفهم ، وما رؤيتهم لعالم الكبار الذين يحيطون بهم . 

ويردف: إن نصيحتي الدائمة التي أقولها لمن يكتبون للأطفال أنه لابد من تعايشهم الدائم مع مجموعات الأطفال، في ندوات المكتبات المدرسية، وفي النوادي العامة، وحتى مع أطفال العائلة، ليس فقط لكي نكتب لهم ما يجذبهم ويرضيهم، بل أيضًا لنحاول تصحيح الاتجاهات وتنمية الأحلام وتوقعات المستقبل، وبناء الشخصية المتوازنة، المستعدة للتعاون، القادرة على التفكير والنقد، وعلى الإبداع والتميز .وأعتقد أنه بغير هذه المشاركة والتفاعل المستمر والمباشر مع الأطفال يستحيل أن يقدم كاتب الأطفال شيئًا يعيش طويلًا على نحو إيجابي في نفوس القراء الصغار .

ويختم حديثه قائلًا: إنني أضع في ذهني هذا القارئ المتخيل عندما أكتب قصة أو رواية، فأراعي السن الذى أكتب إليه: الألفاظ والعبارات التي يفهمها، الموضوعات التي تثير اهتمامه، الخبرات التي تعينه على أن يتعايش مع ما أقدمه إليه .إن العمل الأدبي لا يعيش وهو كلمات على الورق، بل يعيش عندما يتفاعل مع خبرات القارئ واهتمامه. وبغير أن يكون في استطاعة المبدع أن يصل إلى عقل وقلب ونفس القارئ، فإن كتاباته ستظل حبرًا على ورق. وأختتم هذا الحوار فأقول إن أعظم جائزة أحصل عليها كل يوم هي أن أجد أحد الآباء أو الأمهات يقول لي: "لقد تربينا على قصصك."

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة