تطويق مصر ومنع "أسلمة" البحر الأحمر وكراهية العرب.. مآرب إسرائيل في منبع النيل الإثيوبي

27-12-2016 | 17:33
تطويق مصر ومنع أسلمة البحر الأحمر وكراهية العرب مآرب إسرائيل في منبع النيل الإثيوبيإسرائيل في منبع النيل الإثيوبي - صورة تعبيرية
أحمد سمير

 "النضال في إفريقيا معركة حياة أو موت بالنسبة لنا، حتى أن دولة صغيرة مثل توجو (غرب إفريقيا) قد يمكن استغلال موقعها للحصول على ميزة في القارة"، هكذا وصف "دان أفني" الدبلوماسي الإسرائيلي نظرة بلاده للقارة السمراء.

موضوعات مقترحة

 حديث "أفني" ليس مستغربًا، فقد اتبع خطى "تيودور هرتزل" مؤسس الصهيونية، عندما قال: "لقد كنت شاهدًا على خلاص اليهود –شعبي- وأود أن أساعد أيضًا في خلاص الأفارقة"، وهو نفسه المنهج الذي سارت عليه رئيسة وزراء إسرائيل "جولدا مائير" عندما تحدثت عن الأفارقة قائلة: "إسرائيل يمكن أن توفر أفضل نموذج للدول الإفريقية المستقلة حديثًا، يجب عليهم أن يتعلموا ما فعلناه، فنحن كان علينا أن نتعلم كيفية استعادة الأرض، وزيادة إنتاجية المحاصيل، والري، وتربية الدواجن".

بداية اهتمام إسرائيل بإثيوبيا 

بداية النظر الإسرائيلية إلى إثيوبيا بدأت عام 1950، عندما طلبت دولة الصهيونية تكوين تحالف عالمي مع الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي رفضه "جون فوستر دالاس" وزير الخارجية الأمريكي، ونصح وقتها الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهاور" بعدم الإعلان عن أي موافقة رسمية للدخول في مثل هذا التحالف.

بدأت إسرائيل عقب الرفض الأمريكي لتكوين التحالف، في البحث عن حلفاء جدد يستطيعون مساعدتها في "تطويق" أعدائها، ومن أجل ذلك، بعث "دافيد بن جوريون" أول رئيس وزراء إسرائيلي في أواخر عام 1957 وأوائل عام 1958، ثلاث مندوبين إلى دول "غير عربية" هي (إيران – تركيا – إثيوبيا)، للدخول في هذا التحالف، وتم اختيار هذه الدول تحديدا كونها دولًا غير عربية، ولها علاقات تاريخية مع اليهود، فضلا عن موقعها الجغرافي المتميز، والذي يمثل قيمة مكانية للكيان الإسرائيلي –بحسب دراسة بمكتبة الكونجرس الأمريكية.

مؤتمر باندونج "شوكة" في "الحلق" الإسرائيلي

 كان لمؤتمر باندونج الذي عقد في 1955 بإندونسيا تأثير سيئ على إسرائيل، خاصة بعد دعوة 29 دولة إفريقية وآسيوية –ليس من بينها إسرائيل- للمشاركة في فعاليات المؤتمر، وتبنت الدول المشاركة خلال أيامه الست قرارات في صالح قضايا الدول العربية، وأخرى ضد استعمار الدول، الأمر الذي اكتشف معه الكيان الصهيوني أنه بعد 7 سنوات من احتلاله للأراضي الفلسطينية، مازال معزولاً بهذه المنطقة من العالم، لم يتقارب مع الدول الإفريقية التي يتواجد على بوابة قارتهم الشرقية، ولم يتواصل مع القارة الصفراء التي يحتل جزءًا منها.

كسر العزلة

 إجراءات الكيان الاستيطاني التي اتخذها لكسر هذه العزلة، كانت عبر التفكير في تكوين علاقات دبلوماسية مع الدول الإفريقية، من خلال تقديم المساعدات التي تحتاجها تلك الدول، ولم تفرض إسرائيل على تقديم هذه المساعدات أية قيود، ولم تتفق على أي اشتراطات لتبادل الخدمات مع الدول الإفريقية التي عرضت تقديم المساعدات لها، خوفًا من تدخل مصر لملأ فراغ نقص المساعدات -في حالة تقصير الكيان الصهيوني- وهذا التخوف جعل حركة التجارة الإسرائيلية مع إفريقيا في اتجاه واحد فقط، وهو استيراد الزيوت والحبوب الإفريقية، فما كان يعنيها في المقام الأول "السياسة" وليس "الاقتصاد" القائم على حركة التجارة.

 بعد 10 سنوات من مؤتمر باندونج، وفي العام 1966، تلقت 10 دول إفريقية مساعدات عسكرية من إسرائيل، وعززت الأخيرة من التدريب العسكري للشخصيات المؤثرة بالدول الإفريقية أو التي ربما تكون مؤثرة، وليس أدل على ذلك من "موبوتو سيسي سيكو" القائد العام للجيش الكونغولي (زائير سابقًا) الذي دربته إسرائيل عسكريًا، ثم أصبح رئيسًا لبلاده فيما بعد.

 غزو إفريقيا.. يبدأ من إثيوبيا

التوغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية دعا الجامعة العربية إلى إصدار بيانا جاء فيه: "إن مساعدات تل أبيب أصبحت واقعًا، ولها مظهر كاذب خداع، يوحي باستعمار جديد يتسلل كالثعبان إلى إفريقيا من الباب الخلفي، بعد طرد الاستعمار القديم المعروف من الباب الأمامي للقارة".

 جهود غزو إفريقيا من خلال المساعدات العسكرية، وتعزيز التجارة البينية، لم تكن المظهر الوحيد في الإستراتيجية الإسرائيلية لإيجاد مراكز قوة لها في صراعها العربي، ولكن كان أحد أهم أوجه سياستها هو تواجدها في الدول ذات الموقع الإستراتيجي في إفريقيا، ويأتي على رأس هذه الدول إثيوبيا.

 وبالنظر إلى إثيوبيا، فإن موقعها في القرن الإفريقي، وامتلاكها خطًا شاطئيًا على البحر الأحمر–قبل حرب الاستقلال الإريترية- جعل الكيان الصهيوني يتقرب إليها، خاصة بعد حرب 56، وتصنيف خليج العقبة كممر ملاحي دولي، ولهذا فقد رأت إسرائيل في الميناء الإثيوبي على البحر الأحمر منفذًا إلى قلب إفريقيا، ليس هذا فحسب، بل إن دولة كإثيوبيا ذات الأغلبية المسيحية، عندما تقف جنبا إلى جنب مع إسرائيل كدولة متشاطئة على البحر الأحمر، سيدحض ذلك جهود العرب والمسلمين في التحكم بحركة التجارة بالبحر الأحمر ويحول دون تحوله إلى "بحيرة عربية أو إسلامية".

إبعاد مصر عن إثيوبيا

 وضعت إسرائيل حماية دولتها الصديقة من الاستحواذ المصري أو السعودي لها في أولوياتها، وزاد من التقارب الإسرائيلي لقلب إثيوبيا، ما حصده الإمبراطور الإثيوبي "هيلا سيلاسي" عندما ساعدته إسرائيل على دحض محاولة انقلاب ضد نظام حكمه خلال زيارته للبرازيل عام 1958، حيث أمر "بن جوريون" بإقلاع طائرة عسكرية لنقل الامبراطور الإثيوبي من البرازيل إلى بلاده، وساعدته إسرائيل بعد وصوله كذلك استخباراتيًا وفنيًا وعسكريًا، حتى تمكن من السيطرة على الأوضاع وحماية نظامه من الانهيار.-كتاب الصراع على إريتريا، مؤسسة هوفر للصحافة، 1983.

بعد أحداث الانقلاب تلك، رأى"هيلا سيلاسي"أن "يرد الجميل" الإسرائيلي، ويعلن إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في مايو 1962، بعد أن ظل التحالف بينهما سرا منذ نشأته، وأنه يجب أن ترقى العلاقات بينهما إلى مستوى وجود السفارات، وعزز من تنفيذ هذه الفكرة، تفكير الإمبراطور الإثيوبي للخروج من عباءة "ناصر"؛ خاصة بعد هزيمة الجيش المصري في حرب 67، ولذا بمجرد أن بعثت إسرائيل اثنين من ممثليها لبحث التقارب بين البلدين سياسيًا وتجارياً، وافق الإمبراطور فورًا، وبعد فترة وجيزة تم إرسال القنصل الإثيوبي إلى القدس، وافتتاح القنصلية الإسرائيلية في إثيوبيا، بعدها بعث جهاز المخابرات الإسرائيلي "موساد" بعدد من عملائه لتدريب رجال البوليس الإثيوبي، وبدأت العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية في الظهور.

 مطامع إسرائيل في إثيوبيا

عزز من وجهة النظر الاستراتيجية الإسرائيلية نحو إثيوبيا، ما فعلته مصر في حرب عام 1967 وإغلاقها لمضيق "تيران" أمام عبور السفن الإسرائيلية، مما جعلها متحكمة في حركة السفن بالبحر الأحمر، وأيقنت إسرائيل بهذا التحرك المصري أن حليفها الإثيوبي على شاطئ البحر الأحمر، يضمن لها تجنب إغلاق المجرى الملاحي أمام سفنها مجددا، حتى أصبحت السيطرة على المجرى الملاحي في البحر الأحمر أكثر أهمية للكيان الصهيوني من زيادة البترول الإيراني الذي يتم تحريكه إلى إسرائيل.–وفقا لـ"بن جوريون" في كتاب"السيرة الذاتية".

عثرات على طريق التوافق

وفي الوقت الذي حاولت فيه الدول العربية دعم التمرد الإريتري للضغط على الحكومة الإثيوبية لوقف المد الشيوعي هناك، ورغم الإطاحة بـ" هيلا سيلاسي" عام 1977، على إثر ثورة دموية اندلعت في أديس أبابا، إلا أن إسرائيل دعمت حكومة إثيوبيا بقيادة "مانجستو هيلا مريام"، حتى أن "مانجستو" طلب من إسرائيل سرًا في عام 1975 إرسال خبراء عسكريين إلى بلاده –قبل قيام الثورة التي أطاحت بـ"سيلاسي"- لدعم الثورة القادمة.

إلا أن إسرائيل بحلول منتصف عام 1977 ومع الضغط العربي على إثيوبيا بدعم التمرد الإريتري، أرسلت حوالي 30 خبيرًا عسكريًا إلى إثيوبيا، قدموا تدريبات عسكرية لمجموعة صغيرة من المجندين، وجمعوا معلومات استخباراتية للموساد الإسرائيلي عن الأوضاع في إثيوبيا، وفي خضم هذه الأحداث عادت إسرائيل لتبيع الأسلحة للحكومة الإثيوبية لمواجهة التمرد الإريتري، حتى أنها نجحت في مفاوضاتها مع الحكومة في دعم الإثيوبيين اليهود بالسلاح.

 الأوضاع لم تسر بهذه السلاسة كما كان الكيان الصهيوني متوقعا لها، فمع إعلان "موشيه ديان" عام 1978 عن الدعم الإسرائيلي للحكومة الإثيوبية بخطوط إنتاج للسلاح سرًا في ثورة 1977، حتى لفظ الشعب الإثيوبي التقارب الإسرائيلي لمدة 4 سنوات تقريبًا، وتحول ولاء الحكومة الإثيوبية من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى المعسكر الذي تتبع فكره – الشيوعية- في الاتحاد السوفيتي، رغم إقرار الولايات المتحدة لمساعدات عسكرية إلى إثيوبيا عام 1953 لمدة 25 عامًا، وإنشائها لمحطة راديو "كينجوا" في مدينة أسمرة -تحولت بعد ذلك لمحطة تجسس أمريكية- حتى أنه بحلول عام 1976 كانت الولايات المتحدة قد قدمت مساعدة عسكرية إلى إثيوبيا بقيمة 200 مليون دولار، بما يعادل نصف قيمة المساعدات المقدمة لكل الدول الإفريقية، وبدأت المساعدات الاقتصادية في الزيادة التدريجية.

استعمار القرن الإفريقي

الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر"، كان قد بدأ يضيق ذرعًا بالممارسات الإثيوبية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وعمليات القتل العشوائية التي تتم في إثيوبيا، وأخذ على إثر ذلك قرارا بتعليق المساعدات إلى إثيوبيا، إلا أن إثيوبيا لم تقف مكتوفة اليدين أمام –ما رأته- التعنت الأمريكي تجاه مصالحها، فقامت على إثر ذلك بإغلاق محطة الإذاعة الأمريكية في "كينجوا"، وإغلاق برنامج معلومات الولايات المتحدة، وتخفيف درجة المساعدات العسكرية القادمة من أمريكا–بحسب دراسة لجامعة كاليفورنيا.

 تأزُم الأوضاع بين إثيوبيا والولايات المتحدة، استغلته إسرائيل –كالعادة- لصالحها، حينما ذهب "مناحم بيجن" رئيس الوزراء الإسرائيلي عقب توليه المنصب يرجو الرئيس الأمريكي "كارتر" إعادة جميع المساعدات التي توقفت إلى إثيوبيا مرة أخرى، إلا أن محاولات "بيجن" باءت بالفشل، ومع بُطء التحرك السوفيتي تجاه إثيوبيا، وجدت إسرائيل في ذلك فرصة سانحة لغزو القرن الإفريقي وبقوة من باب المساعدات من جديد.

أرسلت إسرائيل قطع غيار الأسلحة الأمريكية إلى الحكومة الإثيوبية التي استفادت منها خلال فترة المعونة الأمريكية، خاصة بعد فشل الجيش الإثيوبي في هزيمة حركة التحرر الشعبية في إريتريا، في نوفمبر 1982، كما أنها استولت على الأسلحة السوفيتية التي كانت بحوزة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وقامت ببيعها هي الأخرى إليهم.

صداقة إثيوبيا أمر سهل

مع هذا التاريخ الطويل للعلاقات الإسرائيلية الإثيوبية، وجدت إسرائيل ضالتها للعودة ليس فقط لإثيوبيا، ولكن إلى إفريقيا كذلك، ووفقا للإيكونوميست- فقد عزز من التواجد الإسرائيلي في القارة السمراء، إدراك الأفارقة أن الدول العربية المنتجة للبترول غير راغبة في مساعدتهم كما وعدت، ولكن كان شاغلها الأول تقويض اقتصاد إفريقيا – حسبما يظن الأفارقة- بالإبقاء على أسعار البترول باهظة الثمن بالنسبة لهم، ومن هنا وجد الإثيوبيون خاصة، والأفارقة عامة، مع إسرائيل ضالتهم، في تقديم المساعدات، ونمو الاقتصاد، والتزود بالسلاح، في مقابل الإبقاء على الصداقة.. وهو أمر سهل!!.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: