مفاوضات "النهضة".. 5 سنوات من التحرك في "سد" والعام المنقضي شهد "ضحكة" إثيوبيا الساخرة

30-12-2016 | 17:26
مفاوضات النهضة  سنوات من التحرك في سد والعام المنقضي شهد ضحكة إثيوبيا الساخرةرئيس الوزراء الاثيبوبي وسد النهضة
أحمد سمير

هو أحد أكبر "كوابيس" المصريين، الذي يهدد "سبب الحياة" في شريانهم الوحيد "نهر النيل"، لقد اعتاد المصريون دوما تلقي طعنات الغرب، ومساندة الشرق، وعدم العداء مع الجنوب، إلا أن الوضع انقلب -كما يبدو- رأسًا على عقب، معلنًا اتحاد أشقاء الشرق وجيران الجنوب على العداء مع مصر، في وقت قد يتراجع فيه الغرب، بعد رؤيته تحركات أشقاء وجيران المصريين تجاههم.

موضوعات مقترحة

سد النهضة الإثيوبي، هو ذلك الكابوس أو "المانع" المائي الذي تقوم إثيوبيا ببنائه على النيل الأزرق، المصدر الرئيس والأكبر لمياه المصريين، ورغم أن جولات المفاوضات حول السد مستمرة منذ 5 سنوات، كان لعام 2016 نصيب منها، في مشاهدة "ضحكة" إثيوبيا الساخرة من المفاوض المصري.

ففي الربع الأخير من 2016، جلست دول حوض النيل الشرقي الثلاثة (مصر، السودان، إثيوبيا)، إلى مائدة المفاوضات للمرة الـ12، للتوقيع على العقد الاستشاري حول تأثيرات سد النهضة، الذي ينفذه مكتبان استشاريان فرنسيان هما، "بي.أر.إل" بنسبة تنفيذ 70%، و"أرتيليا" بنسبة 30%، و من المقرر أن يتم تنفيذها خلال 11 شهرًا.

بالتوقيع والاتفاق على إجراء الدراسات الاستشارية، في العاصمة السودانية الخرطوم، في 20 سبتمبر 2016، تكون إثيوبيا قد وصلت لمبتغاها، ووضعت السد كأمر واقع، مشتتة جهود جولة مفاوضات استمرت 5 سنوات في جدال، وتحرك في دوائر، لتتعالى ضحكتها ساخرة في النهاية، "فمن يضحك أخيرًا يضحك أكثر".

إثيوبيا أنهت مايقرب من 80% من أعمال إنشاءات السد – بحسب تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي- بما يعني أن الانتهاء من الدراسات سيكون "تحصيل حاصل"، لأنه بعد عام من الآن سيكون قد اكتمل بناء السد، كما أن الدول الثلاث لم تتفق خلال جولات المفاوضات الطويلة على التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات، وإنما احترام النتائج، بما يعني أنه في حالة عدم التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات، يمكن لمصر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ليس للتحكيم وإنما للشكوى، بما يعني إضافة "ورقة" إلى الملف دوليًا، لأن اللجوء للتحكيم لابد أن يتم بموافقة إثيوبيا.

استغلت إثيوبيا الظرف الدقيق التي كانت تمر به مصر بعد ثورة 25 يناير، وأعلنت في 31 مارس 2011، توقيعهاعلى عقد إنشاء السد بقيمة 4.8 مليار دولار، وأسندت أعمال الإنشاءات إلى شركة "سالينى" الإيطالية، وفى 2 إبريل 2011 وضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق "مليس زيناوى" حجر الأساس.

مر "قطار المفاوضات" على محطته الأولى في مايو 2011، عندما أعلنت إثيوبيا عن مشاركة مخططات السد مع مصر؛ لدراسة مدى تأثيره على دول المصب، وفى الفترة من أغسطس حتى نوفمبر 2011 تم الاتفاق على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار السد بعد زيارات متبادلة بين الجانبين.

بعد عام "كامل" على وضع حجر أساس بناء السد، وتحديدًا في مايو 2012 بدأ عمل اللجنة التي تم الاتفاق على تشكيلها، وضمت10 خبراء، اثنين من كل دولة (مصر - السودان –إثيوبيا)، بالإضافة إلى 4 خبراء دوليين، في مجالات، هندسة السدود (ألماني)، تخطيط الموارد المائية والنمذجة الهيدرولوجية (جنوب إفريقي)،التأثيرات البيئية (فرنسي)، التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية (إنجليزي)؛ لتقييم الآثار المترتبة على بناء السد، واستمر عمل اللجنة عام كامل، لتصدر تقريرها في 31 مارس 2013، بتوصيات تؤكد ضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب.

تضمن تقرير اللجنة، تقييم جميع الدراسات التي تقدمت بها إثيوبيا للجنة، والتي بلغت 153 دراسة، منها 103 "رسومات"، و7 خرائط، و43 دراسة مكتوبة، ودراستان عن الآثار البيئية، ودراسة اجتماعية، و7 دراسات عن هندسة السد، و3 عن هيدرولوجيا المياه، و16 دراسة جيولوجية.

وأثبت التقرير النهائي للجنة، أن دراسات التي قدمتها إثيوبيا لم تكن كافية لتقييم آثار السد، ولم تكن ذات صلة أو أنها قديمة، كما لم تثبت الدراسات البيئية والاجتماعية التي تم تقديمها للجنة تأثير السد على دول المصب (مصر، السودان).

بعد حوالي 8 أشهر، وفى نوفمبر 2013 بدأت المفاوضات الفنية بين وزراء مياه دول حوض النيل الشرقي الثلاثة، للاتفاق على آلية تنفيذ توصيات تقرير لجنة الخبراء الدوليين، إلا أن "قطار المفاوضات" قد تعطل في هذه المحطة، وفشلت المفاوضات،بعد رفض مصر تشكيل لجنة فنية لا تضم خبراء أجانب، وانسحبت على أثر ذلك من المفاوضات،وظل "الجمود" سيد الموقف حتى منتصف 2014.

مع تأزم الموقف، تطلب الأمر تدخلًا رئاسيًا لحل الخلاف، وفي يونيو 2014 عقدت قمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي"هالي ماريامديسالين"، على هامش أعمال القمة الإفريقية، تم خلالها الاتفاق على استئناف مفاوضات سد النهضة، التي بدأت من جديد في أغسطس 2014 بالخرطوم، بتشكيل لجنة من 12 خبيرًا من الدول الثلاث، بواقع 4 خبراء من كل دولة، لبحث آلية القيام بالدراسات الفنية للسد.

وخلال 4 أشهر، من معاودة القطار لتحركه بـ"الدفع الرئاسي"، وصل إلى منتصف الطريق في يناير 2015، ودارت اجتماعات بين الدول الثلاثةلاختيار المكاتب الاستشارية لدراسة تأثيرات "سد النهضة"، والاستعانة بمكتب "كوربت" الإنجليزي للشئون القانونية.

في مارس 2015، كانت محطة مضيئة في المحطات الـ 12"الدائرية" للمفاوضات، عندما وقّع في هذا التاريخ رؤساء الدول الثلاث،على "إعلان المبادئ" في الخرطوم، وتضمن 10 بنود تتلخص في المحافظة على المياه وعدم الإضرار بحقوق شعبي المصب في مياه النيل، وعدم رفض التنمية في دول النيل الشرقي، بما لا يضر بحياة شعوب دولتي المصب.

وبعد شهر واحد فقط، عقد وزراء مياه دول حوض النيل الشرقي اجتماعًا في أديس أبابا، انتهى باختيار المكتب الفرنسى "بي.آر.إل."، لإعداد الدراسات الفنية لسد النهضة، بمساعدة المكتب الهولندى "دلتارس"، إلا أن 2015 أبت أن تنتهي مضيئة فيما يخص سد النهضة، ليعلن المكتب الاستشاري الهولندي انسحابه من إجراء الدراسات الفنية مع المكتب الفرنسي، معللًا ذلك بأسباب تتعلق بعدم دقة وحيادية الدراسات.

بعد شهر آخر من انسحاب المكتب الاستشاري الهولندي، عقد وزراء مياه الدول الثلاث اجتماعات فنية في القاهرة، انتهت بتحديد موعد جولة جديدة للتفاوض في الخرطوم، بحضور وزراء الخارجية والمياه، إلا أن حضور وزراء الخارجية للاجتماع الذي عقد في ديسمبر 2015، لم يُجدِ ولم يتم التوصل إلى اتفاق، ومع تأزم الموقف، تم الاتفاق على الاجتماع مرة أخرى بالخرطوم بعد أسبوعين،وتم خلال الاجتماع الثاني في الخرطوم، الاتفاق على دخول مكتب "آرتيليا" الاستشاري الفرنسي، بديلًا عن المكتب الهولندي، لتنفيذ الدراسات في فترة لا تتجاوز 11 شهرًا.

اقترب القطار من محطة النهاية – أو بالأحرى نقطة البداية- وفى فبراير من العام الجاري 2016، عقدت اللجنة الوطنية لسد النهضة اجتماعها الـ 11 في الخرطوم؛ لبحث العروض الفنية والمالية والقانونية، لتنفيذ الدراسات، والتي تم التوافق حولها، وتوقيع عقود تنفيذ الدراسات في منتصف سبتمبر 2016.

الدراسات بحسب ما هو مقرر ستستغرق 11 شهرًا، ومن المنتظر أن تحدد عدد سنوات ملء بحيرة السد، بما لا يسبب ضررًا لمصر والسودان، وتبلغ تكلفة الدراسات نحو 4 ملايين يورو، تتحملها الدول الثلاث بالتساوي.

هذا يعني الانتهاء من الدراسات الفنية بحلول أغسطس 2017، حينها سيكون سد النهضة قد اكتمل، ولا تملك مصر الاعتراض، فقد أصبح السد أمر واقع، بهيكله الخرساني، الذي يبلغ ارتفاعه 145 مترًا كسد رئيسي، بالإضافة إلى سد جانبي"ركامي" بارتفاع 50 مترًا، يجعل سعة التخزين الكلية 74 مليار م3، ويحتضن محطة لتوليد الكهرباء بقدرة 6 آلاف ميجاوات، بتكلفة 4.8 مليار دولار أمريكي، لتقرر إثيوبيا في النهاية ما أعلنته منذ البداية عن انتهاء بناء السد في 2017.

وحتى إذا حددت الدراسات، عدد سنوات ملء بحيرة السد، فمن يستطيع الجزم بالتزام إثيوبيا بتنفيذها؟ -لا أحد يستطيع- لذا فالحقيقة الوحيدة التي أصبحت ظاهرة في التعامل مع إثيوبيا، أنه "لا شيء مؤكد.. ولا شيء مضمون".


السد الجانبي

محطة السد الكهربائية

كلمات البحث
اقرأ ايضا: