"الحكاية مش حكاية السد.. الحكاية حكاية الكفاح اللي ورا السد"، فقبل 114 عامًا، وعقب توجيه العديد من الدعوات لكبار رجال الدولة المصرية والبريطانية وسفراء الدول، افتتح الخديو عباس حلمي الثاني أكبر سد مائي في العالم في أسوان جنوب مصر، معلنا تمكن الدولة المصرية من ترويض فيضان النيل.
موضوعات مقترحة
فيضان النيل الذي تحتضنه ضفتا النهر سنويًا، قادمًا من جبال شرق إفريقيا، كان رغم قسوته، واندفاعه الذي يذهب به حتى محافظة الجيزة بالقرب من الأهرامات، متسببا في إغراق أراضي المصريين، إلا أنه كان يحمل لهم بعض الخير، فالمياه "الموحلة" – التي تحمل الطمي- كانت تخلق تربة خصبة لزارعة المحاصيل.
انتظار هذا "الخير" سنويا، تحول شيئا فشيئا لدى المصريين من حلم ينتظرونه إلى كابوس أغرق أراضيهم، وجعل ذلك قادة مصر يحلمون على مدى أكثر من قرن من الزمان، ببناء سد للسيطرة على عنفوان النهر القديم، وتنظيم تدفقه، والتحكم بمياهه، وتخزينها للاستعمال في موسم الجفاف.
محاولات بناء سد أسوان لم تبدأ في العام 1898 كما هو معروف، بل كانت المحاولة الأولى المسجلة لبناء سد قرب أسوان كانت في القرن الحادي عشر، عندما استدعى الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، المهندس العربي "ابن الهيثم" إلى مصر؛ لتنظيم فيضان النيل، وبعد عمل "ابن الهيثم" الميداني، أقنع الخليفة الفاطمي بعدم جدوى هذا المشروع، حتى إنه من شدة خوف "ابن الهيثم" من غضب الخليفة، تصنع الجنون، وجعله ذلك تحت الإقامة الجبرية من عام 1011 حتى وفاته في عام 1021، وهي الفترة التي كتب فيها كتابه المؤثر عن "البصريات".
تجددت أحلام السيطرة على فيضان النهر من جديد؛ ودعا هذا الحلم القديم الذي بدأ يراود المصريين من جديد الخديو عباس حلمي الثاني – آخر خديو لمصر والسودان-إلى ضع حجر أساس لإنشاء خزان عند أسوان على نهر النيل، عند الشلال الأول للنهر بمصر، في عام 1899، لينتهي بناء أكبر سد في العالم في مصر بعدها بـ 3 سنوات وتحديدا في يوم 10 ديسمبر من العام 1902، لتخزين مياه الفيضان السنوية، وزيادة تدفقاتها خلال موسم الجفاف، للسيطرة بشكل أكبر على نظم الري، في الأراضي الزراعية التي كان يغرقها الفيضان قبل بناء السد.
دعوة لحضور حفل افتتاح خزان أسوان مشروع السد صممه السير "ويليام ويلكوكس" ذلك المهندس الإنجليزي الذي ولد في الهند، وتخرج من كلية "توماسون" للهندسة المدنية، في عام 1872، وانضم إلى وزارة الأشغال العامة الهندية في العام نفسه، وفي أعقاب الغزو البريطاني واحتلال مصر، بدأ العمل مع وزارة الأشغال العامة المصرية "وزارة الري حاليا" في عام 1883، وشغل فيها منصب مدير عام الخزانات.
خطط "ويلكوكس" في عام 1896 لبناء خزان أسوان، ليكون أول خزان على نهر النيل، وأشرف على بنائه منذ 1899 وحتى اكتماله في عام 1902، كما صمم وساهم في بناء سد آخر على النيل وهو قناطر أسيوط "القديمة"، والتي أُنجزت أيضا في عام 1902.
تشارك مع السير "ويلكوكس" في بناء سد أسوان العديد من المهندسين البارزين في ذلك الوقت، منهم السير "بنيامين بيكر" المهندس الإنجليزي البارز، الذي عمل من منتصف إلى أواخر العصر "الفيكتوري"، وساعد كذلك في تطوير السكك الحديدية تحت الأرض في وقت مبكر في لندن، وكذلك السير "جون أيرد" مقاول الهندسة المدنية الإنجليزي الذي شغل منصب عضو المحافظين بمجلس النواب الإنجليزي، وكان أول رئيس لبلدية "بادينغتون" البريطانية في عام 1900.
دعوة لحضور حفل افتتاح خزان أسوان التصميم الجانبي لسد أسوان كان بمثابة دعامة لاستيعاب العديد من البوابات، التي كانت تفتح سنويا لتمرير مياه الفيضان والرواسب الغنية بمغذيات التربة الزراعية، دون الاحتفاظ بأي كمية من المياه، وتم تشييد السد من أحجار الجرانيت فوق صخور شلال أسوان، وتضمن تصميمه تأمين الملاحة النهرية، بما يسمح بمرور سفن الشحن عبر النيل، والتي كانت تنقل البضائع قبل بنائه برا.
ورغم القيود الأولية التي فرضت على ارتفاع السد، بسبب القلق على معبد "فيلة"، ومع عدم كفاية المياه المخزنة مع هذا الارتفاع لتلبية احتياجات التنمية، أثُير تعديل ارتفاع السد، وتمت تعليته على مرحلتين، الأولى كانت بارتفاع 5 أمتار "16 قدما" بين عامي 1907- 1912، والثانية كانت بارتفاع 9 أمتار "30 قدما"، بين عامي 1929- 1933.
يبعد سد أسوان 946 كم تقريبا عن قناطر الدلتا، ويبلغ طول الخزان 2141 مترا، وعرضه 9 أمتار، وبه 180 بوابة، وتم استغلال المياه المندفعة إليه لعمل محطتين للكهرباء، هما محطة توليد أسوان الأولى، ومحطة توليد أسوان الثانية، مع طريق يربط بين ضفتي النيل الشرقية والغربية.
بينما يبلغ طول السد 1950 مترا "6400 قدم"، بمستوى قمة يصل إلى 36 مترا "118 قدم" فوق مجرى النهر الأصلي؛ ويوفر لطريق الرئيسي للسد حركة للمرور بين المدينة والمطار.
خزان أسوان مدعم بمحطتين لتوليد الطاقة الكهرومائية، المحطة الأولى "أسوان 1" أنُشئت عام 1960، تتضمن 7 مولدات قدرة الواحد منها 40 ميجاوات تعادل 54 ألف حصان، تعمل مع كابلات توربينية لتوليد الطاقة لتنتج حوالي 280 ميجاوات تعادل 380 ألف حصان، وتقع هذه المحطة إلى الغرب من السد.
وتتضمن المحطة الثانية "أسوان 2"، والتي أنُشئت في عامي (1985-1986)، 4 مولدات قدرة الواحد منها 67.5 ميجاوات تعادل 90500 حصان، لتبلغ طاقتها 270 ميجاوات بما يعادل 360 ألف حصان، وهي توجد عند أسفل طرف السد.
سد أسوان في عام 2009 أعلنت وزارة الموارد المائية والري الانتهاء من المرحلة الثانية من دراسات إعادة تأهيل خزان أسوان، والتي استهدفت الوقوف على حالته الحالية، وبحث أفضل السبل لزيادة كفاءته بعد مرور أكثر من مائة عام على إنشائه، لزيادة عمره الافتراضي حتى 70 عاما أخرى تضاف لقرن من العمر.
كان بنك التعمير الألماني هو القائم على تمويل الجهود البحثية لـ5 مكاتب استشارية هندسية دولية، بمنحة بلغت مليوني يورو لمشروعات الدراسات، التي تنتهي مرحلتها الثالثة بوضع البعد الاجتماعي والبيئي لمحددات إعادة التأهيل لخزان أسوان.
وتضمنت الدراسات في أولى محدداتها لتأهيل خزان أسوان، الطريق الذي يربط شرق النيل بغربه، وإيجاد البديل له، خاصة أن الدراسة أكدت أن الحركة المرورية أعلى الخزان أصبحت أكبر من طاقته، ولا مفر من إنشاء الطريق البديل.
هيئة السد العالي استعانت عام 1984 بخبراء دوليين لدراسة حالة خزان أسوان، أوضحت الدراسات أمان حالة الخزان، ثم قامت بعمل دراسة ثانية لتقييم الخزان بعد زيادة الأحمال على الطريق أعلى الخزان، واستدعى ذلك استبدال أحجار «البوبيه» من على سطح الخزان بطبقة يصل سمكها إلى 71 سم من الأسفلت، لتقليل الاهتزازات الناتجة عن حركة المرور على جسم الخزان.
وبمرور ما يقرب من قرن وربع القرن من الزمان على إنشاء خزان أسوان، إلا أنه لا يزال في الخدمة يؤدى دوره في تصريف 42 مليار متر مكعب من المياه على مدار العام، تستخدم في توليد طاقة كهربائية نظيفة من محطتي كهرباء أسوان 1، 2.
ورغم المعاناة التي واجهها المصريون من أهالي المنطقة من تهجير وغرق أراضيهم، وخضوع الدولة لإدارة أقوى إمبراطورية حينها، إلا أن مصر "الأبية" أرادت بسط هيمنتها على النيل "داخل أـراضيها"، والإعلان أمام العالم عن قدرتها على ترويض النهر، وأنها لن تسمح لمياه النيل بأن تغرق شعبها في كثرتها، أو "تجفف عروقهم" في نقصها، ولذلك سيظل خزان أسوان قيمة معمارية، وشاهدا على تاريخ مصر العظيم، في بناء أعظم سدود العالم "آنذاك"، من أجل حماية الأراضي، والحفاظ على الأرواح، وزيادة إنتاجية المحاصيل، وليس من أجل تعطيش شعوب، أو جفاف أراضيها، أو ابتزازها سياسيا، حتى وإن حملت تلك السدود - خطًأ - اسم "النهضة".
سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان سد أسوان