لا أعرف إن كان الدكتور مصطفى الفقي قد نسي ما سمعته منه عندما سألته عما ذكره في حفل القرية الفرعونية منتصف شهر أكتوبر الماضي، بمناسبة افتتاح معرض عن الراحل العظيم بطرس غالي سكرتير عام الأمم المتحدة الأسبق، ووزير الدولة للشئون الخارجية، عن عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك: "إن مصر كانت تعيش أزهى عصورها الدبلوماسية؛ لأنه في إمكان الرئيس "مبارك" أن يستقل طائرته ليهبط في أي عاصمة من عواصم العالم".
أنا سمعت هذا مباشرة من الدكتور مصطفى وعندما استأذنته بعدها تليفونيا صباح اليوم التالي، أن أنشر هذا في "بوابة الأهرام " بدا فى لهجته الغضب الذي لم أتوقعه من دبلوماسي بقدره، ومفكر في رصانته، حتى رأيتنى في موقف لا أحسد عليه و"بقيت في نص هدومي"، إذ إن الحوار لم ينقل لي، ولكنى سمعته بأذني ورأيته بعيني "اللي هياكلهم الدود"، ولكن ما أراح ضميري المهني لأكتب هذا هو إقرار الدكتور الفقي باللهجة الغاضبة نفسها - وربنا أعلم بظروف عبيده- بأنه قال هذا الكلام بالفعل، ولكن في مكان ومناسبة أخرى.
بالطبع لم أعلم شيئًا عن تلك المناسبة الأخرى، ولا أنا من محترفي ولا هواة - ولا حتى المرحبين - بحضور الندوات والفعاليات وما يتلوها من "هاي تي وساليزون وباتون لامؤاخذة ساليه".
لكن عمومًا مجرد إقراره بأنه سبق أن قال ما سمعته منه، فهو سبب كاف لتقديم كرسي فوتيه وثير يرتاح عليه ضميري المهني، كما ارتاحت فاتن حمامة في جلستها على فوتيه صالون عمر الشريف في "سيدة القصر".
ولكن حتى لا يغط الضمير في نوم بسبب نعومة الفوتيه، فلابد أن أكتب ما سمعت، ومن حق الدكتور الفقي أن يكذبني وينفي ما قال؛ سواء كان في احتفالية معرض بطرس غالي، أم في مناسبة سابقة أو لاحقة.
وأزيدك يا أيها المفكر الكبير والدبلوماسي البارز، حتى لا أعرض نفسي لتجربة غضب جديدة غير معهودة فيك – بسبب النحس الملازم لي- أنني قد أكون متوهمًا لما حدث، فقد يكون التبس علي الأمر برمته.
ثم إنك تمتاز بقدر كبير من المصداقية، وهنا لا أجرؤ على التشكيك فيها لأني لن أغضبك وحدك، بل سأغضب معك فيالق المثقفين لا سيما معشر "التواترة" و"الفسابكة" الذين يتلمظون للساقطة واللاقطة وذكر مبارك بالنسبة لهم، يحدث فيهم ما يحدثه مفعول إسماعيل ياسين في الشاويش عطية.
فالحقيقة التى لا مراء فيها ولا يريد أن يعترف بها البعض، أن الدبلوماسية المصرية قد عاشت أزهى عصورها، فجميع أنظمة العالم كانت على استعداد لاستقبال "رئيس مصر" في عهد الرئيس الأسبق!
فما الذي حدث في القاهرة والعهد عهد قريب؟ وما الذي حدث في هذه العواصم الآن؟!
ثم ليس هذه العواصم وحدها، فقد نزلت القواصم على العواصم في بلاد كثيرة، بغداد، ودمشق، وطرابلس، بينما عواصم أخر تنتظر أن ترى فينا يومًا "أسود من قعر النطال".
والنطال أعزائي القراء هو إناء من الفخار منقرض منذ عهد قريب، كان يطبخ فيه البقول وطعام الفلاحين، ويدفن في دمس الأفران والكوانين".
عموما لن أفسر ما استغمض، ولن أبين ما استعجم من كلمات، فالنطال والكوانين والدمس، صارت من آثار العهود البائدة التى لا يعترف بها أحد الآن، فنحن الآن في عهود التوترة والفسبكة والوتسبة والأنستجرمة!
بالله عليكم هل أزعجتكم؟!
إذن أغوص أكثر لأغط في نوم عميق على الفوتيه الوهمي قبل أن أقرر:
آسفين يا دكتور مصطفى
آسفين يا فسابكة
آسفين يا تواترة
وأخيرا آسفين يا ريس!