Close ad

د. حاتم عبدالمنعم يكتب: عباس العقاد والعبقريات

19-9-2021 | 00:28
عباس محمود العقاد أديب ومفكر وشاعر وصحفي مصري كبير، ويعتبر من أهم أدباء التاريخ العربي وهو عضو سابق في مجمع اللغة العربية وعضو في مجلس النواب رغم أنه لم يحصل سوى على شهادة المرحلة الابتدائية فقط، ولكنه قضى عمره كله في التعلم والاطلاع وتثقيف نفسه وتفوق على كثير ممن حصلوا على أعلى الدرجات العلمية داخل تخصصهم فكان مثالًا يؤكد أن الثقافة والتعلم لا يتوقفان على الشهادة أو مرحلة معينة.


 


ولد العقاد عام 1889 في مدينة أسوان وتوفي عام 1964 بالقاهرة، وكانت حياته تتميز بالإنتاج العلمي المميز ومعاركه الفكرية والثقافية المتعددة مع بعض عمالقة جيله من الأدباء والمفكرين ومنهم مصطفى صادق الرافعي وطه حسين وزكي مبارك وبنت الشاطئ كما كان له نشاطه السياسي البارز؛ حيث انضم مبكرًا لحزب الوفد تحت قيادة سعد زغلول وأشاد به، ولكنه اختلف مع مصطفى النحاس واستقال من حزب الوفد عام 1936 وهاجم الملك فؤاد أثناء عمل الدستور عام 1936 ولذلك سجنه الملك فؤاد لمدة تسعة أشهر بتهمة العيب في الذات الملكية واعترض على معاهدة عام 1936 وكتب مؤيدًا لكتاب فلسفة الثورة للزعيم جمال عبد الناصر بعنوان فلسفة الثورة في الميزان وركز على أن الديمقراطية السياسية لكي تتحقق يجب أن تسبقها ديمقراطية اجتماعية أولًا وإلا سوف تكون ديمقراطية صورية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية من جمال عبد الناصر.


 


ومن أعمق وأجمل وأنفع كتب العقاد سلسلة العبقريات السبع والتي بدأها بعبقرية محمد عليه الصلاة والسلام عام 1942 وتلاها بعد ذلك ست عبقريات أخرى عن المسيح عليه السلام ثم أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وخالد بن الوليد، وهي جميعها من أهم ما كتب في هذا المجال ولذلك قد يكون من المناسب أن تكون في مقدمة الكتب الدراسية في المرحلة الثانوية لأنها تتميز بالعديد من المميزات التي يصعب تكرارها في أي كتب أخرى.


 


فمضمون هذه الكتب يتناول بالشرح والتحليل العلمي والموضوعي حياة أعظم البشر وهي خلاصة وفلسفة الحياة ومنها العبر والدروس للبشرية جمعاء بأسلوب سهل وممتع مع بلاغة واضحة في مفردات اللغة العربية وهي مفيدة للجميع في كل مكان وكل زمان، وتميزت هذه المجموعة بنظرة شمولية لحياة وعبر هؤلاء العظماء الأجلاء وهي لم تقتصر على الأبعاد المباشرة الخاصة بالعقائد والتشريعات؛ بل إنها تميزت بمنظور شامل يناسب احتياجات ومتطلبات العصر بوجه عام أو هي على الأقل صورة جديدة عن حياة هؤلاء العظماء أضافت الكثير وأضاءت بعض الجوانب المبهرة لحياتهم وهذا شيء طبيعي لاختلاف المرجعية الثقافية؛ مما يؤكد حاجاتنا للمراجعة والإضافة في هذا المجال الخصب الذي لا ينضب.


 


ومن هنا أهمية إعادة مناقشة هذه المراجع والكنوز الثقافية من وقت لآخر لتوجيه الشباب خاصة للرجوع إليها والاستفادة منها ومن أجل أن تكون حياة هؤلاء العظماء دروسًا متجددة للجميع، خاصة الشباب لأنه لا سبيل أمامنا للتقدم والرقي وملاحقة العصر إلا بالمزيد من المعرفة الإنسانية والتاريخية لهؤلاء العظماء فهذه المعرفة نور يهدينا إلى الطريق الصحيح وينير المستقبل من أجل غد أفضل يمهد لعودتنا إلى قمة الحضارة والإنسانية معًا، خاصة مع ظهور مقدمات انهيار الحضارة الغربية وتراجعها بشهادة أبنائها لأن استرجاع هذا التاريخ ليس مجرد ماض للافتخار بقدر ما هو تمهيد وإضاءة للمستقبل تجلو لنا ملامح غاب بعضها مع متغيرات الحياة المادية.


 


ويخطئ من يظن أنها كتب سيرة دينية لهؤلاء العظماء فهي نبراس لحياة ونهضة شامل في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المجالات لأنه في بعض الأحيان يحدث خلط بين رجال الدين ورجال العلم بوجه عام وأحيانًا يحدث خلط بين دعاة الأديان الذين أخلصوا للإصلاح في الحياة الدنيا والآخرة وبين رجال الدين الذين استغلوا العقائد ووظفوها لخدمة مصالحهم ووقفوا عقبة في سيبيل تقدم الأمة ونهوضها، وللأسف هناك فئة ثالثة تم توظيفهم من جهات معادية لضرب الأمة وبرامج الإصلاح نتيجة عدم إلمام هؤلاء بالثقافة الشاملة التي تربط بين الدين والمجتمع والمصالح العليا؛ بمعنى أن هناك رجال استغلوا الدين لمصالح شخصية وعن عمد والبعض تم استغلالهم من قبل القوى المعادية بدون وعي كافٍ؛ مما يؤكد أهمية إعادة الاهتمام بهذه القضايا والله الموفق.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: