تمتد شواطئ محافظة البحر الأحمر لمسافة 1080 كم، بداية من الزعفرانة شمالا حتى حدود مصر الجنوبية، وعلى هذا الأساس خيل للكثيرين من العامة عدا المتخصصين في علوم البحار أن هذه الشواطئ الممتدة بهذا الشكل ماهي إلا برك تكتظ بكافة أنواع الأسماك وأن الكم من الأسماك بهذه المناطق يسبق الكيف بمسافات بعيدة.
موضوعات مقترحة
ولذلك ظلت مشكلة الثروة السمكية بهذه المناطق خاصة خلال السنوات الأخيرة مسار شد وجذب، فهناك من يصرخ بأعلى صوته من أجل تنظيم الصيد ومن أجل وضع ضوابط لكبح عمليات الصيد العشوائي أو ما يسمونه بالصيد الجائروهناك من يتجاهل هذه الصرخات، وهناك من يتخيل أن بقية الثروات الموجودة بمياه البحر الأحمر، ومنها الشعاب المرجانية ومحتوياتها من الكائنات البحرية ما هي إلا مخزن استراتيجي هائل لا يتأثر بالأنشطة البشرية مهما كانت حدتها.
باختصار قضية الصيد بمفهومه الضيق والواسع وموضوعات أخرى تتعلق بالبيئة البحرية، هي قضايا ساخنة لا يهدأ الجدل والنقاش حولها، ووزارة البيئة بقطاعاتها المختلفة ومنها المحميات وبعض الجمعيات الأهلية لا تدخر جهدا في الحفاظ على هذه الثروات .
من هنا فتحت "بوابة الأهرام" هذا الملف وناقشت أجزاءً من أبعاده مع واحد من كبار أساتذة علوم البحار بصفة خاصة والبيئة بصفة عامة وهو الدكتور محمود حنفي الأستاذ بكلية العلوم جامعة قناة السويس والمستشار العلمي لجمعية المحافظة على البيئة بالغردقة (هيبكا)، فكان هذا الحوار:
هل الامتداد الشاسع لشواطئ البحر الأحمر يعني أنها مصيد سمكي من الدرجة الأولى؟
يجيب الدكتور محمود حنفي على هذا السؤال والذي يعتبره من وجهة نظره في غاية الأهمية بقوله بداية البحر الأحمر فريد في العديد من المقومات والثروات الطبيعية النادرة التي تكمن في بواطنه وشواطئه، لكن ما يفهمه الكثيرون بأنه منطقة مصيد هائلة للأسماك ولا يمكن تأثرها بأية أنشطة صيد، هو فهم خاطئ تماما وهذا المفهوم هو الذي أضر بالثروة السمكية بصفة خاصة وبقية الثروات البحرية بصفة عامة، حيث أنه من الناحية العلمية البحتة نؤكد أن البحر الأحمر يمتلك مياهً فقيرة نسبيا في بعض العناصر التي تتطلبها الثروة السمكية على وجه الخصوص وذلك بسبب عدم وجود الأملاح المعدنية المغذية للنباتات التي تتغذى عليها الأسماك وبالتالي فإن قدرة مياهه على إنتاج مادة عضوية وغيرها محدودة جدا .
الشعاب المرجانية حضانة أسماك
وأوضح حنفي أن ما سبق لايعني التعميم على كافة مناطق هذا البحر فمثلا مناطق الشعاب المرجانية الموجودة به والتي تنفرد بأنها من أفضل شعاب بحار ومحيطات العالم هي عبارة عن بيئة اختصها المولى سبحانه وتعالى بقدرتها على إنتاج مادة عضوية بشكل كبير جدا ولذلك نجدها حاضنة لمختلف أنواع الأسماك خاصة أسماك الزينة التي تتفوق في ألوانها على ألوان الطيف وذلك دوناً عن مناطق أخرى تخلو من الشعاب المرجانية والتي نجدها فقيرة سمكيا.
وهل مناطق الشعاب المرجانية التي تعتبرها حاضنة للأسماك تجعلنا ننهل منها ما نشاء؟
يجيب الدكتور حنفي بقوله مساحة الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر محدودة وهي عبارة عن حيود مرجانية حافية الشكل مرتبطة بالأرض وحول الجزر البحرية ومساحتها تتراوح بين 300 إلى 400 كم مسطح وعلميا فإن إنتاجية مساحة الكيلو متر المسطح لتلك الشعاب من الأسماك تتراوح من 3 إلى 5 طن سنويا وهذا ما يسمى من الناحية العلمية بالصيد المستدام والآمن الذي لا يؤثر على بيئة الأسماك والمخزون الطبيعي للثروة السمكية.
مشيراً إلى أن الشعاب المرجانية بالمنطقة حتى لو كانت مساحتها 400 كم أو تزيد فإنه وفقا للصيد الآمن يجب ألا تتعدى كمية الصيد منها 2000 طن في السنة، لكن ما يحدث هو العكس فوفقا للإحصائيات التي تعدها الهيئة العامة للثروة السمكية، نجد أن المصيد يتعدى أكثر من 20 ألف طن ونجد أن 60 % منها عبارة عن أسماك تصطاد من داخل الشعاب المرجانية، أي أن هناك عملية صيد جائر تصل للحدود الحرجة من المخزون الطبيعي للأسماك ونتيجة لهذا الصيد الجائر وانخفاض المخزون الطبيعي للأسماك، بدأ بعض الصيادين يمارسون الصيد بطرق مدمرة، كأن يستخدمون شباك الهبو ودخل معهم على نفس الخط هواة ما يسمى بالصيد الترفيهي من خلال الرحلات البحرية .
300 دولار دخل متر الشعاب
ويستطرد الدكتور حنفي قائلاً : شتان بين قيمة السمكة الواحدة من الناحية الاقتصادية عند صيدها وقيمتها عند ما تستخدم كمنتج سياحي وطبقا لما هو موجود من بيانات ومعلومات مؤكدة فإن المتر الواحد من الشعاب المرجانية في مواقع الغوص يصل دخله السنوي لنحو 300 دولار، وطبقا لدراسة فقد وجد أن 30 % من هذه القيمة تأتي نتيجة لوجود الأسماك بداخلها كمنتج سياحي، خاصة الأسماك الملونة أي أنه من إجمالي ال300 دولار الناتجة عن متر الشعاب المرجانية، هناك 90 دولار تجئ من الأسماك الموجودة داخل تلك الشعاب من خلال مشاهدتها فقط من قبل السائحين .
هل تضررت الشعاب المرجانية خلال الفترة الماضية جراء نشاط الصيد المكثف؟
يقول حنفي نعم هناك أضرار جسيمة تعرضت لها بعض مناطق الشعاب المرجانية وما زالت تتضرر وللأسف مالا يعرفه الكثيرون أن متر الشعاب حال تدميره يحتاج لنحو 100 عام حتى يعود لطبيعته وحتى تعود الأسماك لطبيعتها داخل الشعاب، فقد تحتاج هي الأخرى لطبيعتها فقد تحتاج لعشر سنوات على الأقل .
ويشير حنفي خلال هذا الحوار إلى أنه من واقع البيانات التي تؤكد القيمة الكبيرة جدا لبعض أنواع الأسماك حال استخدامها كمنتج سياحي، نضرب مثلا بأسماك القرش الذي يُنظر إليها على أنها مرعبة جدا وتعتدي على الإنسان من تلقاء نفسها وفقا لما تصوره الأفلام الأجنبية على غير الحقيقة، خاصة النوعيات الموجودة بالبحر الأحمر والتي تمثل قيمة اقتصادية عالية جدا، فنتيجة لدراسة أُعدت عام 2006 ، وُجد أن سمكة القرش الواحدة خلال تواجدها على سبيل المثال بمنطقة ( بيت القرش ) الموجود بجزيرتي الأخوين يمكن أن تدر دخلا نتيجة لمشاهدتها فقط من قبل السائحين الذين يأتون من شتى دول العالم يصل لنحو 200 ألف دولار في السنة خاصة السمكة الكبيرة الحجم .
قيمة اقتصادية لسنوات طويلة
ويستطرد قائلا: إن الخسارة الجسيمة تأتي نتيجة لصيد سمكة القرش رغم تجريم ذلك قانونا، ففي هذه الحالة تنحدر قيمتها الاقتصادية وتتراوح ما بين 150 إلى 300 دولار عند بيع أجزاء منها، مع الوضع في الاعتبار أن السمكة المشار إليها يمكن أن تعيش لمدة 20 عاما، وبالتالي يمكن أن تدر ما يقرب من أربعة ملايين دولار خلال تلك الحقبة الزمنية كمنتج سياحي، لكن للأسف هناك من يصطادها ويبيعها بثمن بخس حيث تنزع زعانفها ويتم بيعها في دول شرق أسيا، كما يباع لحمها بعد تقطيعه كشرائح رغم أن لحوم هذه النوعية بالذات تمثل خطورة كبيرة حال أكلها على صحة الإنسان خاصة على صحة الأطفال، لما تحتويه من ترسب المعادن الثقيلة وخاصة الزئبق الذي يترسب منها بكمية أعلى من المسموح به .
وأوضح الدكتور حنفي أننا نخلص مما تقدم أنه نتيجة للصيد الجائر فقد وصل الأمر بمياه البحر الأحمر إلى الخطوط الحمراء التي تهدد المخزون السمكي وهذا لا يؤثر فقط على النواحي البيئية، بل له تأثير اقتصادي كبير على الموارد الطبيعية الحية والتي تمثل العامل الأساسي في حركة الجذب السياحي للمنطقة.
وعلى ضوء ماتقدم يدعو إلى تضافر الجهود الأهلية ونشر الوعي حول أهمية ثرواتنا البحرية من أسماك وشعاب مرجانية و كائنات أخرى نادرة من أجل سياحة مستدامة تتوارثها الأجيال القادمة .
وماهي الحلول لتفادي مشكلة الوصول للخطوط الحرجة في صيد الأسماك؟
يجيب الدكتور حنفي قائلا : هناك حلول تحافظ على التوازن البيئي المطلوب وتحافظ معه على معيشة الصيادين، حيث يعمل بهذه الحرفة آلاف المواطنين وهم من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة الدخل وذلك من خلال مراعاة البعد الاجتماعي لهم وهذا يتطلب تعويضهم من خلال صندوق رعاية يساهم في تمويله قطاع السياحة في المقام الأول باعتباره المستفيد الأول من سياحة الغوص بصفة خاصة وعودة المخزون الطبيعي للأسماك بصفة عامة.
ويطالب بضرورة مساهمات أخرى حكومية ومساهمة أصحاب المراكب السياحية في دعم هذا الصندوق ولو بمبلغ 200 جنيه شهريا لكل مركب وذلك حتى تتم فترة المنع بشكل تام.
ووضع حدود وضوابط لعملية الصيد الترفيهي الذي بات هو الآخر يمثل خطرا كبيرا على الثروة السمكية بالمنطقة وذلك من خلال فرض رسوم على من يقومون بهذا النشاط خاصة وأن غالبيتهم من المقتدرين وميسوري الحال.
الشعاب المرجانية بيئة خصبة للأسماك الملونة بالبحر الأحمر الغوص حول شعاب البحر الاحمر متعة لملايين السائحين جانب من عملية الصيد بالبحر الاحمر حرفة الصيد تحتاج لدعم خلال فترة تكاثر الزريعة متر الشعاب المرجانية يدر دخلا هائلا كمنتج سياحي