Close ad

مبالغة في رد الفعل والتهديد الخارجي انتقل للداخل.. هل ربحت أمريكا حربها على الإرهاب؟

10-9-2021 | 19:07
مبالغة في رد الفعل والتهديد الخارجي انتقل للداخل هل ربحت أمريكا حربها على الإرهاب؟الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
مها شهبه

ما الذي حققته الحرب الأمريكية على الإرهاب؟ سؤال بديهي يطرح كثيرًا في ذكرى مرور عشرين عامًا على هجمات 11 سبتمبر 2001، والإجابات كلها تتمحور حول بعض النجاحات الملحوظة والإخفاقات الكارثية في مطاردة القاعدة، بنسب متفاوتة بحسب صاحب الإجابة وتوجهاته.

موضوعات مقترحة

يمثل الخروج الأمريكي من أفغانستان فشلا جديدا بحسابات الربح والخسارة، في الحرب علي الإرهاب، فبحسب تقارير وزارة الدفاع الأمريكية، بلغ مجموع ما أنفقه الأمريكيون عسكريا في أفغانستان من أكتوبر 2001 إلى مارس 2019 نحو 760 مليار دولار. أي أن أمريكا أنفقت كل هذه الأموال للإبقاء على طالبان في السلطة بل ومنحتها قوة إضافية.

لكن السؤال الأهم الذي طرحه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في هذه المناسبة هو: لماذا صار التهديد الإرهابي الأكبر اليوم محليا وليس أجنبيا؟ وكيف تشكل القاعدة والجماعات التابعة لها اليوم تهديدا للولايات المتحدة وبقية العالم؟

القاعدة اليوم ليست كما كانت في 11 سبتمبر. لقد قتل مؤسسها وزعيمها، أسامة بن لادن، منذ سنوات. وباستثناءات قليلة أبرزها أيمن الظواهري، الطبيب الذي تحول إلى إرهابي وأمير حالي للتنظيم والذي يقال إنه في حالة صحية سيئة، ومعه سيف العدل، خليفة الظواهري المحتمل، قُتل كبار قادة القاعدة أو تم  أسرهم؛ حيث تم القضاء على سبعة من كبار قادة الحركة منذ عام 2019.

رغم ذلك فإن تقرير مركز العلاقات الخارجية الأمريكي، يرى أن الأيديولوجية والدوافع التي تتبناها القاعدة، للأسف،لا تزال قوية كما كانت دائمًا. ولا أدل على ذلك من وجود أربعة أضعاف عدد الجماعات الإرهابية السلفية الجهادية التي صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية على أنها منظمات إرهابية أجنبية ،عما كانت عليه في 11 سبتمبر.

 ويشير أحدث تقرير صادر عن فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة إلى نمو وتغلغل كبير لتنظيم القاعدة في إفريقيا، وتمدد جذورها في سوريا، ووجودها في خمس عشرة مقاطعة أفغانية على الأقل، فضلاً عن علاقاتها الوثيقة والمستمرة مع طالبان.

أما رهان البعض على أن القاعدة لم تعد "ترغب" أو "تهتم" بمهاجمة الولايات المتحدة، فيعد مقامرة غير محسوبة. وربما كان هجوم عام 2019 الذي نفذه سعودي "ممن يوصفون بالخلايا النائمة" في قاعدة للبحرية الأمريكية بولاية فلوريدا، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين، يمثل تذكيرا بأن القاعدة لا تزال قادرة على شن عمليات إرهابية دولية من خلال أحد أجهزتها المخصصة.

 نجاحات وإخفاقات 

وربما كان من المفيد هنا مراجعة سريعة لنجاحات وإخفاقات حرب الولايات المتحدة على الإرهاب خلال العشرين عامًا الماضية.

كان النجاح الأول هو إحباط كل محاولة من القاعدة لتنفيذ هجوم آخر في الولايات المتحدة بحجم 11 سبتمبر - على الرغم من أن إطلاق النار في قاعدة فلوريدا عام 2019 كان تحذيرًا مهمًا.

أما أسوأ فشل فكان هو غزو العراق في العام 2003، والذي أدى إلى تحويل الموارد الحيوية للولايات المتحدة بعيدًا عن الجهود المبذولة للقضاء على تنظيم القاعدة في آسيا خلال أفضل فرصة سانحة. كما أدى الغزو أيضًا – ربما من دون قصد إذا جاز في هذا السياق حسن النوايا - إلى إطلاق سلسلة الأحداث التي أدت إلى ظهور "تنظيم داعش"، وهي نسخة أكثر عنفًا وخروجا عن السيطرة من القاعدة. وقد تطلب الأمر تحالفًا من ثلاث وثمانين دولة لمدة حوالي خمس سنوات لتحقق أمريكا ما تسميه "هزيمة التهديد الذي يشكله تنظيم داعش"، مع التحفظ على مقاييس النصر والهزيمة.

خلال تلك الفترة، نفذ ما يسمى داعش، وألهمت هجمات قاتلة على أهداف مدنية في مدن منها بروكسل ونيس ونيويورك وباريس. كما نفذت الجماعة المنشقة عن تنظيم القاعدة أول هجوم إرهابي ناجح منذ أكثر من عقد ضد هدف جوي تجاري، أسفر عن مقتل 259 شخصًا كانوا متجهين من مصر إلى روسيا. هذا بالإضافة إلى أنها غيرت طبيعة الإرهاب الحديث من خلال تطورها الملحوظ في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي للتجنيد والدعاية وتشجيع الهجمات المستقلة أيضا.

تجاوز القيم 

ومن نافلة القول، إن الولايات المتحدة في معرض ردها على أحداث 11 سبتمبر، وفي سعيها للدفاع عن البلاد من مزيد من الهجمات، أساءت لكثير من "القيم الأمريكية" الأساسية ومبادئ العدالة. على سبيل المثال، السجن لعقود من دون محاكمة، وهو أمر طالما انتقدت الولايات المتحدة الحكومات غير الديمقراطية بسببه. ومع ذلك، لا يزال العشرات  يقبعون في  المعتقل الأمريكي الشهير في في خليج جوانتانامو بكوبا، والعديد منهم محتجز لأجل غير مسمى، ومن دون تهمة حقيقية، إضافة إلى الانتهاكات الفاضحة في معاملة المحتجزين التي حدثت هناك في سجن أبو غريب في العراق، وغيره من مرافئ التعذيب السرية والعلنية  لوكالة المخابرات المركزية،  والتي شوهت سمعة الولايات المتحدة وأثارت موجات من  الإدانة العالمية ضدها.

أما عن التحولات التي حدثت في جهاز الأمن القومي الأمريكي بعد 11 سبتمبر، فقد كانت البيروقراطية الواسعة لمكافحة الإرهاب والتي نشأت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر أكبر تغيير من بينها. على سبيل المثال، كشف تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست عام 2010 عن وجود وحدة ضخمة لمكافحة الإرهاب تضم حوالي 1271 كيانًا حكوميًا و1931 شركة خاصة تركز على مكافحة الإرهاب. 

وتضمنت الحرب على الإرهاب أيضًا زيادة عدد الأشخاص الذين لديهم تصاريح أمنية خاصة للغاية إلى  حوالي 854000 شخص، ما تطلب  المزيد من المكاتب والمرافق المؤمنة لاستيعابهم - وهو توسع يساوي "ما يقرب من 22  مبنى الكابيتول أمريكي – أي حوالي 17 مليون قدم مربع. لكن فيما يتعلق بتأمين وحماية أي بلد من الهجمات الإرهابية، فإن السؤال الأساس  فهو: ما هو القدر الكافي من الحماية أو الإجراءات؟ 

مبالغة في رد الفعل

وهنا يرى خبراء أن تكون الولايات المتحدة ربما تكون  قد بالغت في رد فعلها على هجمات 11 سبتمبر، من خلال  إجراءات زائدة على الحاجة أو منح سلطات واسعة لوكالات مختلفة. في الوقت نفسه، لا شك في أن إجراءات مكافحة الإرهاب الأمريكية، نجحت في منع حدوث 11 سبتمبر أخرى، لكن التحدي الذي يواجه المستقبل، لا سيما في وقت تتزايد بل وتتنافس فيه تحديات الأمن القومي، وتناقص الموارد المالية، هو إيجاد توازن يتسم بالحكمة في عملية الوقاية من التهديد الإرهابي والمحافظة عليه، مع الاهتمام بأولويات أمنية أخرى ربما تكون أكثر إلحاحًا.

إرهاب داخلي

إن مراجعة سريعة شاملة للتهديدات الإرهابية الرئيسية للولايات المتحدة اليوم، والدروس التي وفرتها الحرب على الإرهاب التي انطلقت في  11 سبتمبر 2001، توضح أن التهديد الإرهابي للولايات المتحدة تحول من تهديد خارجي في الغالب - وهو ما كان عليه لما يقرب من عقدين بعد 11 سبتمبر - إلى تهديد داخلي، وهو ما اتضح في أعمال الشغب في كابيتول هيل في 6 يناير 2021. هذا بجانب التهديدات المستمرة التي يشكلها تنظيم داعش والقاعدة والتي لم تختف.

ويبدو التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم  نوعا من "إعادة الصياغة" لقدراتها في مجال مكافحة الإرهاب بمرونة وبراعة، بما يكفي للوقوف أمام حزمة كبيرة من التهديدات الإرهابية - الخارجية والمحلية - والتي ستستمر بالتأكيد. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى الإستراتيجية الوطنية الأمريكية لمكافحة الإرهاب للعام 2018، والإستراتيجية الوطنية الأولى من نوعها لمكافحة الإرهاب المحلي، والتي صدرت في يونيو 2021، كنهج شامل لحماية أمريكا من الإرهاب.

أما الخطر الذي يحذر منه خبراء مجلس العلاقات الأمريكية، فيتمثل في تلك الانقسامات الحزبية الحادة الموجودة في الولايات المتحدة اليوم، التي كرستها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي يمكنها أن تقوض أي استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب. فلم تعد الوحدة والهدف المشترك والمصير المشترك التي جمعت كل أطياف المجتمع الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر موجودة، خاصة مع ما يمثله المناخ الحالي من الاستقطاب السياسي من تهديد بشل حركة الحكومة  في الاستعداد الفعال ل لقادم من التهديدات والأخطار.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة