بادئ ذي بدء لست من المُدافعين عن الدكتورة نوال السعداوى على طول الخطْ رغم احترامى لكفاحها بشأن قضايا حاربت لأجلها فى محياها علنًا كقضية الختْان وبالتأكيد لست من حريم الشيخ ياسر بُرهامى بفتاويه عن حُكم تعطُر المرأة وخروجها بشعر مُستعار!
فقط أتحدث كامرأة من بنى جنسي تم قولبْته وتنميطه جسديًا وذهنيًا ونفسيًا لدور واحد رسمه له المجتمع من موروثات بائدة، ولايقتصر أمر تلك القولبْة على ثقافة بعينها؛ فرغم اختلاف الثقافات وتعددها إلا أن هناك قاسمًا وحيدًا مُشتركًا بين الغرب والشرق ألا وهو وظيفة المرأة الجنسية كوظيفة بيولوچية منوط بها متعة الرجل واستمرارية النسل والتكاثُر وما يتبع ذلك من مُتطلبات تتغير من ثقافة لأخرى؛ حيث لا تفلت المرأة فى أى مُجتمع من العنصرية وسلب الحقوق مهما أدعى الغرب التحضر وتساوى الجنسان على أرضه ظاهريًا؛بل الفارق فقط فى النسبة وفى قدرة نساء هذا المجتمع على المُطالبة بحقوقهن بدور فعَّال مَسموع وبمردود ملموس.
أما فى مجتمعاتنا الشرقية بالثقافة التى تحتفى بالرجل على طول الخط، تبدأ أولى مظاهر القهر الأنثوى ربما منذ ولادتها أو حتى قبلها؛ بداية من التعرُف على نوع الجنين والغمْ الذى يصيب العديد من الآباء عند معرفة أن القادم أنثى وليس أدل على هذا القهر من اعتراف علنى مؤخرًا جاء على لسان إعلامى شهير بحزنه الشديد وتركه لزوجته لحظة الولادة عند عِلمه أن المولود أنثى!
ثم تأتى جريمة الختان بتوابعها وآثارها المُهينة لكل فتاة جسدياً ونفسياً، وتستقبل الأنثى المرحلة الأحرج؛ وهى مرحلة البلوغ التى تُحاط بالكتمْان والمحاذير وعادة ماتكون الأم هى راعية هذا التَكتُم فتبدأ رحلة التربية الاجتماعية داخل الأسرة برسم خطة التدرب على إتقان الدور الجنسى المنوط بها ضمن مؤسسة الزواج بدءًا بالأعمال المنزلية من تنظيف وطهى وخدمة ذكور الأسرة ثم عند تجاوز العشرين - حتى مهما ارتفع مستواها الدراسى - يكون قد ترسْخ فى وعيها لافتة (قطار الزواج) وإلا ستُقذْف بتهمة العنوسة مع مكوثها فى نفق العيب والحرام وهو ما يمنعها من إمكانية الحصول على الحد الأدنى من الوعى الجنسى للتعريف بجسدها.
ويأتى الزواج ويصبح الجنس واجبًا مُقدسًا لإسعاد شريك الحياة فى الحلال حتى لو لم يتم إشباع رغباتها، والشكوى منها فى هذا الموضوع تبجحا لا يغتفر مع الاستباحة اللفظية الأكبر من الأقارب والمعارف بالأسئلة الفضولية الخاصة بالعلاقة الزوجية، نَضِف على كل ذلك المُعاناة اليومية من جرائم التحرُش اللفظى والجسدى وزواج القاصرات والضرب الأبوى والزوجى والأغتصاب وجرائم الشرف التى يُصفق المجتمع فيها لغاسل عاره حتى لو أتى بنفس الفعل.
يخدم كل هذا الانتهاك وتلك العدوانية الظروف المُحيطة بأى مجتمع من ثورات وفوضى وحروب؛حيث تُعد المرأة الأكثر انتهاكًا وامتهانًا جسديًا، وحتى فى مُجتمع الرفاهية الاستهلاكى نجد العدوان يأتى فى صورة (القمع الناعم) كما أطلق عليه (ميشيل فوكو)؛ حيث الاستغلال الأمثل للجسد تجميليًا ودعائيًا تحت مظلة الانفلات الجسدى الكامل.
إذا كان قد منْ الله علينا بنعمة الإسلام الحقْ، فإن القدير لا يُفرق فى تشريعاته وحدوده بين جسد المرأة والرجل، كما لم يُعط وصاية لأحد على جسد أحد فى تعاليمه؛حيث وحد العظيم بين مراحل الجسد البشرى فى آياته من ضعف ثم قوة ثم شيبة ثم ردِّة لأرذل العُمر بل بجْل الله الأنثى فى كتابه؛ حيث قرنها بمهمة استدامة البشرية (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًّا عَلَى وَهْنِ وفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ).
وعند الحديث عن الزنا سنجد أن الله تعالى لم يُفرق بين النساء والرجال وأنزل آيته (ولَا تَقْرَبُوا الزِّنا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءُ سَبِيلًا)، وفى الحدود كان العقاب واحدًا؛ حيث الرجمْ والجلد للطرفين دون تمييز جِنسى، كما أن الحفاظ على الشرف لم يكن مقصورًا على الأنثى فقط؛ بل جاء واضحًا فى قوله (قُل للمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِير بِمَا يَصْنَعُونَ).
لا ننكر بل ونثمن كون المرأة فى مصر فى السنوات الأخيرة نالت الكثير من التكريم والتقدير من القيادة؛ سواء بتفعيل قوانين تجريم الختان وتغليظ عقوبات التحرش مع إعادة صياغة للعديد من مواد قوانين الأحوال الشخصية لصالحها إلا أنه ما نسعى إليه هو إعادة بناء مفاهيم الجنس الذكورى منذ نشأته تجاه جسد الأنثى بوصاية اكتسبها، دون الانتباه كون هذا الجسد أمانة أستودعها الخالق للمخلوق حتى نقف جميعًا سواسية كلِ بفعله أمام الديّانْ.
ننادى بإعادة هيكلة موروثات الأسرة المصرية تلك الثوابت والكوابت التى طالما ساهمت فى ظهور أجيال مشوهة داخليًا وكانت المُسببْ الأساسى لتفكك أُسر بأكملها وهذا لن يأتى بدون تفعيل منهج تجديد الخطاب الدينى التوعوى الذى نادت به القيادة؛بمعنى الرجوع لتعاليم وسماحة الأديان السماوية التى بجلْت المرأة وحقّرها المُجتمع!